لماذا إحياءُ يوم القُدْس العالمي أَكْثَـر أهميّة من أي وقت مضى؟
صدى المسيرة| إبراهيم السراجي:
مع مرور أَكْثَـر من عامين على العدوان السعوديّ الأمريكي على اليمن ومرور أَكْثَـر من ستة أعوام على المؤامرة التي استهدفت سوريا التي اتضح أن المصالحَ الإسرائيلية كانت الهدفَ الأولَ لكل ذلك، يكتسب يوم القُدْس العالمي وإحياؤه أهميّة كبرى أَكْثَـر من أي وقت مضى لعدة اعتبارات، منها الاعتبارات الثابتة ومنها الاعتبارات الناشئة عن الأحداث التي تشهدُها المنطقة؛ بهدف إشغال الشعوب العربية بنفسها ليتسنى تحريك المشروع الإسرائيلي الاحتلالي والتوسعي.
ومن الاعتبارات الثابتة أن القضية الفلسطينية تظلُّ قضية العالم العربي والإسْلَامي وقضيةَ الإنسانية كلها، وأن كُلّ تواجهه الشعوب من محن وأخطار لا يخوّل لها التخلي عن قضيتها المركزية، ناهيك عن أن تلك الأخطار والمحن مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية والوجود الصهيوني في المنطقة.
ومما يكسب يوم القُدْس العالمي أهميّةً إضافية هو أنه يأتي هذا العام بالتزامُن مع التوجه الأمريكي المعلَن، بالتعاون المباشر مع الأنظمة العربية والإسْلَامية التابعة لواشنطن لحَرْفِ بوصلة المواجهة نحو عدو آخر غير إسرائيل، والذي تجلّى خلال القمة التي ترأسها الرئيسُ الأمريكي دونالد ترامب في مايو الماضي في العاصمة السعوديّة الرياض وبحضور عشرات الملوك ورؤساء دول عربية وإسْلَامية.
خلال تلك القمة لاحظ العالَمُ أن خطابَات ترامب والرؤساء والملوك ركزّت على نقطة محورية هي تجريم فصائل المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، سواءٌ أكانت تنتمي للطائفة السُّنية أَوْ الطائفة الشيعية، حيث صنّف ترامب كُلًّا من حركة حمّاس وحزب الله في خانة ما يسمّى “الإرهاب” وسط تصفيق الملك والزعماء الحاضرين في القمة بما فيهم رئيس السلطة الفلسطينية.
ما حدث في تلك القمة وما سبقها وأعقبها من تقارب معلَن ومصرّح به بين دول عربية مثل السعوديّة والإمارات مع الكيان الصهيوني، لم يكن ليحدث لولا أن الولايات المتحدة أدارت الحروبَ في المنطقة ووقفت خلفت المؤامرة على سوريا والعدوان على اليمن؛ لخلق بيئة مناسبة لحدوث ذلك، في وقت فيه الشعوب العربية منشغلةٌ بما يجري في بلدانها.
وإذا تخلّت الشعوبُ العربيةُ عن القضية الفلسطينية رغم ما تمرّ به من حروب فإنها بذلك تكون قد حققت خدمةً مباشرة للكيان الصهيوني الذي استغل هذه الظروف وبدأ يتجرأ علناً برفضه حتى لحل الدولتين وإصراره على هُوية الكيان اليهودية، مستثمراً لسلسلة التنازلات التي قدمتها الأنظمة العربية خلال العقدين الماضيين، وصولاً إلى هرولة تلك الأنظمة إلى الصداقة والتحالُف مع الكيان، وهو ما يعبّر عنه المسؤولون الصهاينةُ بشكل مستمر على غرار ما قاله وزيرُ الأمن الصهيوني “ليبرمان” بحضور وزير الخارجية السعوديّ عندما قال: إن أهمّ ما حدث منذ عام 1948 هو أن “الدول العربية أدركت أن إسرائيل ليست العدو”.
ما الذي جعل الإسرائيليين يثقون بأن الأنظمةَ العربية باتت ترى إسرائيل حليفاً وليس عدواً؟ الإجابةُ تكمُنُ في أن واشنطن قسمت الدول العربية إلى قسمين، الأول دول تعاني من العدوان والحروب التآمرية ودول متورطة في تلك الحروب، وهذا التقسيم هو الذي هيّأ البيئة المناسبة لهذا التحوّل الذي استفادت منه إسرائيل، بل إنه هو كان الهدف، فوفقاً لتصريحِ “هيلاري كلينتون” وزير الخارجية الأمريكية في عهد أوباما بأن تدخلهم في الأزمة السورية لم يكن من أجل نشر الديموقراطية، وبالتالي تؤكد أن تلك الشعاراتِ كانت غطاءً لتدمير الدول العربية التي تحتضنُ المقاومة ضد الاحتلال أَوْ تلك التي يشهد شعبُها تمسكاً بثوابته وموقفه تجاه القضية الفلسطينية.
وإذا كان الكيانُ الصهيوني يحتفلُ بتقارب الأنظمة العربية منه وتحالفها معه فإن أية فعاليات -وإن كانت رمزيةً- تعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة يعد فعلاً مضاداً لا يريدُه الصهاينة أن يستمر كما هو الحال مع إحياء “يوم القُدْس العالمي” الذي يلقى معارضةً من أبواق الدول المتورطة بالتحالف مع إسرائيل، والتي تحاول أن تروّجَ رفضَها لهذا اليوم؛ لأنه جاء بدعوة من قائد الثورة الإيرانية، لكنها في نفس الوقت تطبّل للأنظمة العربية التي تتحالف مع إسرائيل وتركت الدعوة لإقرار يوم من أجل القُدْس لغيرها، بل إنها باتت تجرّم بشكل علني أيّ نوع من المقاومة للاحتلال، كما هو حال حزب الله اللبنانية وحركة حماس الفلسطينية.