تحريرُ الموصل.. المعنى والدلالات
محمد المنصور
سقوطُ دويلة داعش في الموصل بأيدي أبطال الجيش العراقي والحشد الشعبي يُعتبَرُ حدثاً تأريخياً مهماً في العراق والمنطقة، فهو من ناحية مؤشرٌ لاستعادة الدولة العراقية عافيتها، واستعادة المجتمع العراقي لهُويته الجامعة التي حاول الاحتلالُ الأَمريكي ضربَها وتدميرها واستبدالها بالمشروع الطائفي الفتنوي المدمّر.
تحريرُ الموصل ثالث مدن العراق وسقوط دويلة داعش يعد سقوطاً مادياً ومعنوياً وسياسياً لأهم توجُّهات وخطط تلك الأطراف الداخلية والإقليمية والقوى الأجنبية التي تبنّت داعش ودعمتها، وفي مقدمتها أَمريكا وبريطانيا وتركيا والسعودية وقطر والكيان الصهيوني… إلخ.
بالمقابل يمثّلُ انتصارُ العراق على المشروع الداعشي التكفيري الوَهَّـابي انتصاراً للمحور المقاوم (إيران – سورية – حزب الله لبنان – أَنْصَار الله في اليمن)، هذا المحور الذي يتصدى للمشروع ويقدم التضحيات الغالية، ويعمل بثبات وعزم لإفشال وهزيمة المُخَطّط الذي يستهدفُ المنطقة بالفتن والحروب ويعمل على تقسيمها واحتلالها والسيطرة على ثرواتها، والتمكين للكيان الصهيوني من السيطرة النهائية على فلسطين ودفن القضية.
سقوط داعش في الموصل يمثل ضربة معنوية ومادية موجعة لذلك التنظيم الإجرامي ومن يؤيدونه أَوْ يتعاطفون معه بعناوينَ طائفيةٍ مذهبية العراق والمنطقة والعالم.
سقوطُ داعش وتحرير الموصل يمثّل سقوطاً لأهمّ ركائز مشروع التفتيت الطائفي الأَمريكي الصهيوني السعودي الوَهَّـابي في العراق وسورية واليمن والمنطقة.
ثلاثُ سنوات منذ احتلال الموصل بتلك الطريقة الهزلية التي كشفت جانب المؤامرة الإقليمية والدولية الاستعمارية على العراق، كانت كافيةً للحكم على طبيعة مشروع داعش الوَهَّـابي ومفهومه للخلافة المنسوبة للإسْلَام.
ثلاث سنوات من احتلال داعش للموصل بالحديد والنار أوضحت بجلاء طبيعة المشروع الذي لا يمُتُّ للإسْلَام وأياً من مفاهيمه كالعدل والرحمة والمساواة والأَخْلَاق بصلة، كما لا يمت للإنْسَانية بأي صورة من صور التحضر.
داعش الوَهَّـابية في صورتها الأَمريكية جلبت العار للمسلمين، وشوهت الإسْلَام في ضمائر أبنائه كما في عيون غير المسلمين.. بذلك حققت داعش واحداً من أهم أهداف أَمريكا والقوى الصهيونية في الإساءة للإسْلَام وتبرير الحرب عليه، وشرعنت التدخلات الأجنبية العسكرية والسياسية والأمنية والإعْلَامية في شؤون بلداننا ومجتمعاتنا.
ثلاث سنوات من احتلال داعش للموصل وغيرها من المناطق كانت مأساة إنْسَانية خالصة عاشها أَبْنَاء تلك المناطق ولم يصلنا من فظائعها الا ما ندر.
كان يحلو للإعْلَام الغربي وتوابعه الخليجية كالجزيرة والعربية نعتُ تنظيم داعش الإجرامي بـ “تنظيم الدولة الإسْلَامية”؛ لكي يرسخ هذا الإعْلَام هذه الحالة الشاذة لدى الرأي العام العربي والإسْلَامية الذي لا يزال يحنُّ إلى دولة الخلافة الإسْلَامية، ولكي يفرض التوصيفَ المقترنَ بالإسْلَام وكأنه تعبيرٌ عن حالة سياسية عربية إسْلَامية ذات مشروعية.
تنظيمُ داعش الإرْهَــابي الوَهَّـابي كان أوضح تجليات الفكر التكفيري الوَهَّـابي، عناصر التنظيم خليط محلي عراقي وعربي وإسْلَامي واوربي وأَمريكي، غالبيتهم هم امتداد وجزء من منتسبي تنظيم القاعدة الذي تم استبداله بداعش ليناسب طبيعة الدور الموكل اليه في المنطقة ففي سورية يتم وصفهم بالثوار، وفي اليمن يوصفون بجيش الشرعية… إلخ.
السعودية دفعت إلى العراق وسورية بغلاة التكفيريين الوَهَّـابيين ومدمني المخدرات والاجرام ونزلاء السجون السعوديين، ومثل ذلك تم في العراق من قبل بعض أركان النظام المحسوبين على تركيا وأَمريكا الذين قدموا الغطاء لعمليات الإرْهَــاب الواسعة في بغداد وبقية المدن العراقية وسهلوا هروب آلاف المجرمين والإرْهَــابيين من السجون العراقية قبل سقوط الموصل تحديداً.
أعضاء داعش من خارج البلدان العربية جرى تجميعُهم وإعادة تكوينهم عبر أجهزة المخابرات الأَمريكية والأوروبية والتركية وتم الدفع بهم إلى العراق وسورية عبر تركيا وغيرها.
ودائماً كان التبني الديني والإعْلَامي والممول لداعش والتنظيمات الإرْهَــابية الاخرى قطريا أَوْ سعودياً أَوْ خليجياً.. أما المحرك لداعش وأخواتها والمستفيد من جرائمها فكانت المخابرات الأَمريكية والأوربية والصهيونية.
تطوى صفحة داعش الإجرامية في الموصل بعد أن مارست خلالَ سنواتها السوداء أبشع صنوف الإجرام والعنف الطائفي والمذهبي والديني والعرقي، والتدمير الممنهج للحضارة ورموزها التي لا سابقةَ لهمجيتها وتوحشها في التأريخ العربي والإنْسَاني.
سقطت داعش كأداة تنفيذية للمشروع الاستعماري الأَمريكي الجديد للمنطقة، لكنها تظلُّ تهديداً إجرامياً قابلاً للاستثمار من قبَل الأَمريكان وعملائهم في العراق والمنطقة.