السعوديّة تضعُ فاتورة ترامب على حساب “المغتربين”!
صدى المسيرة| ضرار الطيب
في ديسمبر من العام الماضي قرّرت السعوديّة أن تغطّيَ التزاماتها المالية لأمريكا، من أقوات العَمَالة الوافدة والزائرين على شكل ضرائبَ جديدة وثقيلة جداً، ستجعل من فكرة “العمل في السعوديّة” بحد ذاتها خسارةً كبيرة، وقد دخل القرار حيّز التنفيذ مع بداية يوليو الجاري، وقالت السعوديّة بأنه يهدف إلى تحقيق التوازن في الميزانية، وهو ما يعني بوضوح أن هناك عجزاً سببته الأَمْـوَال المدفوعة لترامب باسم “الاستثمارات” بالإضَافَة إلى تكاليف العدوان أيضاً، وأن الأمر ليس فيه أي استثمار أَوْ تجارة، وإنما يجب توفير مصادر جديدة لدفع الجزية السعوديّة إلى أمريكا، بكل وقاحة.
وبحسب صحيفة عكاظ السعوديّة، بدأ السلطات تطبيق الآلية الجديدة منذ السبت الماضي، حيث يُلزِمُ القرارُ السعوديّ، كُلّ عامل وافد في السعوديّة بدفع 100 ريال سعوديّ شهرياً عن كُلّ مرافق معه خلال عام 2017م، وتقول السعوديّة إن ذلك يهدف إلى توفير مليار ريال بنهاية العام.
يعني ذلك أن العاملين المغتربين مع أسرهم في السعوديّة سيلجأون إلى الاختيار بين الإبقاء على رواتبهم أَوْ الإبقاء على عوائلهم؛ لكي يتمكن النظام السعوديّ من تسديد فاتورته لأمريكا.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فمليار ريال لا تكفي، وبحسب عكاظ السعوديّ فقد أخذ القرار السعوديّ ذلك بعين الاعتبار، ففي عام 2018، وبحسب القرار السعوديّ، سيكون على كُلّ عامل وافد أن يدفع 400 ريال سعوديّ شهرياً عن نفسه إذا كان في قطاع يحتوي على عمالة وافدة أكثر من العمالة السعوديّة، أو300 ريال شهرياً إذا كان العكس، بالإضَافَة إلى دفع 200 ريال شهرياً عن كُلّ مرافق.
إذا كان العامل المغترب قد فضّل في هذا العام أن يُبقي على عائلته بجواره مقابل 100 ريال سعوديّ شهرياً، فإنه سيضطر في العام القادم إلى توديع عائلته والبقاء بمفرده إذا كان راتبه عالياً ويسمح له بدفع (300-400) ريال شهرياً عن نفسه، بالإضَافَة إلى تحمل نفقات المعيشة، أما إذا كان راتبه منخفضاً –وهو الأغلب- فسيكون مضطراً لمغادرة السعوديّة مع عائلته؛ لأن بقاءَه فيها يعني أنه مجرد عَبد يكد ويعطي طاقته كلها لكي يوفر النظام السعوديّ 24 مليار ريال في نهاية 2018، يغطي بها بعض الفاتورة المُخَصّصة لترامب.
لا زال ذلك غير كافٍ بالنظر على حجم الالتزامات السعوديّة لأمريكا، ولذا يفرض القرار السعوديّ في عام 2019 على كُلّ عامل وافد أن يدفع 600 ريال سعوديّ شهرياً عن نفسه إذا كان قطاع عمله يحتوي على نسبة عالية من الوافدين، أَوْ 500 ريال شهرياً إذا كان العكس، بالإضَافَة إلى 300 ريال سعوديّ شهرياً عن كُلّ مرافق معه.
من المعروف أن فرص العمل التي يحظى بها أغلب المغتربين في السعوديّة هناك لا تمكنهم من دفع (500-600) ريال سعوديّ شهرياً عن أنفسهم، إذا فرضنا أنهم قد تخلصوا من مرافقيهم في السنوات الأولى، ناهيك تحمل بقية الضرائب الجديدة على السلع والخدمات، كما لا ننسى دفع المبالغ المُخَصّصة لـ “الكفيل” السعوديّ.. ويعني ذلك أن المغترب في السعوديّة سيعمل لإطعام آل سعود بدل إطعام أولاده!
تقول السعوديّة بأنها تهدفُ بذلك إلى تحصيل 44 مليار دولار في نهاية عام 2019، وبكل وقاحة، كما لو أنها تريد إخبار كافة العمال الوافدين لديها أنها قد وضعت خطة محكمة لابتزازهم بشكل متزايد حسب جدول محدد.
وتوضح صحيفة عكاظ السعوديّة أنه في عام 2020 فيفرض القرار السعوديّ على كُلّ عامل وافد أن يدفع 800 ريال سعوديّ شهرياً عن نفسه إذا كان قطاع عمله يحوي نسبة عالية من الوافدين أو700 ريال شهرياً إذا كان العكس، فيما يدفع عن كُلّ مرافق 400 ريال شهرياً.
والآن إذا فرضنا أن المغتربين ذوي الوظائف الكبيرة في السعوديّة قد تمكنوا من المحافظة على أعمالهم حتى عام 2020، فإن كُلّ واحد منهم لن يستطيع أَوْ على الأرجح سيرفض أن يدفع (1600-1500) ريال سعوديّ شهرياً عن نفسه وزوجته وولده، إذا اعتبرنا أنه قد عمل على “تنظيم النسل” بما يناسب هذه الضرائب، ولكن النظام السعوديّ يتوقع أن يحصد من ذلك 65 مليار ريال في نهاية العام.
يُذكَرُ أن النظام السعوديّ كان قد أقر في أكتوبر من العام الماضي رفع أسعار تأشيرات العمرة لتصل قيمة الواحدة إلى 533 دولاراً، وهو ما يعني زيادة عدة أضعاف فوق ما كانت عليه.
ولماذا هذا كله؟ إذا كانت السعوديّة تستطيعُ أن تستثمرَ في أمريكا بمئات المليارات من الدولارات، فالأحرى أن تتحول مبالغ هذه الاستثمارات إلى الداخل السعوديّ لتغطية عجز الموازنة بدل مص دماء الوافدين والمتاجرة بالحج والعمرة. وإذا كانت الحروب التي تغذيها في المنطقة، لم تعد عليها إلا بالخسارة فلتبحث عن طرق للخروج منها حفاظاً على اقتصادها بدل من تغريم العاملين ثمن قتل الأبرياء. لكن المسألة وما فيها أن النظام السعوديّ المرتهن تماماً لأمريكا لا يرى أمامَه إلا طريقاً واحداً هو تسديد الجزية لواشنطن بأية وسيلة ومهما كلف الأمر.