الإرهاب”.. المصيدة الأمريكية: من واقع تجربة التعامل الأمريكي مع الجماعات المتطرفة في العراق وسوريا واليمن
صدى المسيرة | ضرار الطيب:
لم يعد هناك ما ينفي أَوْ يشكك في أن الإدارة الأمريكية استخدمت الجماعات الإجرامية المتطرفة في كثير من البلدان العربية والإسْلَامية، كممهّد للطريق نحو التدخل العسكري والسياسي في تلك البلدان، وقد صارت الآن التجارب في ذلك مكررة ومتشابهة، وهي تمثل مرجعية قوية إذا ما أردنا فهم وتوضيح ما يحدث في اليمن الآن.
في سوريا مثلاً، كانت ما تسمى “جبهة النصرة” واضحة منذ البداية في توجهها المتطرف والإجرامي غير أنها غابت عن التصنيف الأمريكي للجماعات “الإرهابية” لفترة طويلة، وليس ذلك لأن الاستخبارات الأمريكية لم تكن تعلم؛ بل لأن “النصرة” كانت تحقق بعضاً من التقدم الميداني في القتال ضد الجيش السوري، وكان وراء ذلك “الصمت الأمريكي” سيل ضخمٌ من الدعم الخليجي لجماعات النصرة وأشباهها في سوريا، وهو الدعم الذي لم يكن ليجد طريقاً مفتوحة وآمنة وبدون ضجة إذا ما أعلنت أمريكا أن النصرة “إرهابية” في وقت مبكر، كما أن ذلك الإعلان كان سيعطي نقطة إيجابية مهمة للجيش السوري.
عندما صار للنصرة سيطرة ميدانية في سوريا، وبعد فترة طويلة من الحرب، اضطرت أمريكا لإعلان “إرهابيتها” بعد ضغوط دولية وسياسية كثيرة، ونفس الشيء حدث مع تنظيم “داعش” الذي لم تلتفت إليه المخابرات الأمريكية الذكية إلا وقد صار “دولة” تسيطر على مناطق مهمة سكانية ونفطية، وكان الهدف من وراء تلك الالتفاتة هو التدخل العسكري بحجة “مكافحة الإرهاب” والذي بسببه تفرض أمريكا نفسها كوصية على المنطقة.
في اليمن، وبنفس الطريقة، تتوسع الجماعات الإجرامية المتطرفة في الجنوب بالذات وفي مناطق كثيرة من البلاد منذ بداية العدوان السعودي، وبينما تكشف تلك الجماعات عن هُويتها مرة بعد مرة، تتعامى الإدارة الأمريكية وأجهزة مخابراتها عن ذلك، بل وتدفع بتسميتهم “جيش وطني” و”مقاومة” من خلال وسائل إعلام العدوان؛ لأن المعارك ما زالت مستمرة وما زالت أمريكا تنتظر أن تسيطر تلك الجماعات على مناطق مهمة واستراتيجية لإعلانها كجماعات “إرهابية” ثم التدخل لمحاربتها.
والدلائل على وجود تلك الجماعات الإجرامية ضمن مرتزقة العدوان والتنسيق الكامل بينها وبين دول العدوان، أكثر من أن يتم حصرها، ففي تعز ترفع شعارات داعش والقاعدة بأيدي من تسميهم دول العدوان وعلى رأسها أمريكا “جيشاً شرعياً ومقاومة”، كما تمارس تلك الجماعات أعمالها الإجرامية بشكل متواصل ضد أبناء المحافظة على مرأى ومسمع من الجميع، موثقة تلك الجرائم بكاميراتها، وقد نشر تنظيم القاعدة نفسه أفلاماً قصيرة يستعرض فيها قواته داخل مدينة تعز بوضوح.
وفي الكثير من المناطق اليمنية تتطابق العمليات العسكرية التي تتبناها التنظيمات الإجرامية في المكان والزمان مع تلك التي تعلن عنها وسائل إعلام العدوان بمسميات “الجيش الوطني” و”المقاومة”، وقد رصدنا من قبل بعضا من تلك الحالات في محافظة البيضاء، وفي إب، وفي تعز.. وأما في الجنوب فقد صار أكثر من الواضح استفادة التنظيمات المتطرفة من دعم قوى العدوان، ولو لم يكن هناك إلا العمليات الإجرامية التي توثقها هذه التنظيمات بتصوير عالي الدقة داخل مدينة عدن لكان ذلك كافياً.
وبالرغم من أن واشنطن أصرّت على أن يُعلن العدوان من داخلها؛ بحجة “إعادة الشرعية”، إلا أنها لم توضح فيما بعد ما شأن تلك الجماعات المتطرفة التي تتمدد وتنتشر ميدانياً تحت نفس الشعار “إعادة الشرعية”، وبمعنى آخر: هل ترى أمريكا أن وجود الجماعات التي تسميها “إرهابية” لا تهدد تلك الشرعية؟ أم أن أمريكا التي ملأت العالم بشعارات مكافحة الإرهاب والتوعية منه ووصفه وتحديد شكله وطوله وعرضه قد التبس عليها الأمر مع جماعات القاعدة وداعش التي تقاتل في صف العدوان بأسلحة أمريكية؟!
بالنظر إلى واقع التجربة، ومن حيث أن تلك التنظيمات ما زالت تقاتل في الميدان، ولم تستحوذ بعد على مناطق مهمة كثيرة من الأرض، فإن أمريكا ستواصل التغاضي عن ذلك، كما سيستمر دعم تلك الجماعات من قبل دول العدوان حتى ترى الإدارة الأمريكية أن الوقت صار مناسباً لإعلان التدخل لمكافحة الإرهاب باليمن، واستثمار سيطرة تلك الجماعات على الأرض.. كما حدث في سوريا والعراق.
ومن هنا، فإن بعض العمليات التي قامت بها القوات الأمريكية في بعض المناطق اليمنية مؤخراً بحجة مهاجمة الإرهابيين، ليست إلا مجرد إشارات إلى الجهة الخاطئة، وتعتيم على انتشار الجماعات الإجرامية في بقية المناطق، كما أن تلك العمليات لا تستهدف دائماً إلا المدنيين، وهي تمهّد أيضاً لوقت لاحق ستعلن فيه التدخل في اليمن عندما تكون تلك الجماعات قد سيطرت على مناطق كثيرة.
هكذا تصنع أمريكا “الإرهاب” في نفس الوقت الذي تدّعي فيه مكافحته، والواقع أن اعتراف ترامب بأن الإدارة الأمريكية قد صنعت الإرهاب ليس إعلاناً عن توبة أمريكا وإنما هو توضيح فقط لأساس العملية التي تبتز أمريكا دول المنطقة والعالم بحصرية التعامل معها.. ونحن في المنطقة العربية صار لدينا من التجارب ما يكفي لمعرفة الكيفية التي تتم بها صناعة الإرهاب الأمريكي.