وباءُ الفساد يتفشّى داخل وزارة الصحة!.. وكيل الوزارة: ملايين الدولارات المقدمة من المنظمات تُنفَق على حملات عبثية فيما مراكز غسيل الكلى تتوقف لعجز الإمكانيات
حملةُ توعية بخطر “الكوليرا” بأكثر من (10) ملايين دولار فيما مراكزُ الغسيل الكلوي والأورام السرطانية مهددة بالتوقف:
صدى المسيرة| تقرير| خاص:
أَدَّى تفشّي وباء الكوليرا في عموم محافظات الجمهورية منذُ ظهوره في 27 إبريل 2017 وحتى اللحظة، إلى وفاة أَكْثَر من (2000) حالة، وإصابة ما يقارب (400) ألف حالة مؤكَّدة واشتباه، الأمرُ الذي دفع العديدَ من المنظّمات الدولية والإنْسَانية العاملة في اليمن، وعلى رأسها “منظمة الصحة العالمية – اللجنة الدولية للصليب الأحمر – منظمة أطباء بلا حدود – منظمة اليونيسف”، لإطلاق نداءات استغاثة للمنظمات الدولية والإغاثية الأُخْرَى بسرعة التدخل؛ لإنقاذ حياة الشعب اليمني الذي يعاني من تدهور وتدنّي الخدمات الطبية بعد انهيار المنظومة الصحية في البلد وتوقُّف الكثير من المستشفيات والمراكز عن العمل؛ بسبب العدوان السعوديّ المتواصل على مدار 3 سنوات والحصار الاقتصادي المتمثل في منع دخول الغذاء والدواء والمشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة في أقذر حرب جماعية يشهدها التأريخ المعاصر.
وتستعدُّ وزارة الصحة، بعد غد السبت، لإطلاق الحملة الوطنية للتوعية والإصحاح البيئي للسيطرة على وباء الكوليرا المزمع تنفيذُها في عموم محافظات الجمهورية من الفترة 5 – 8 أغسطس الجاري بتكلفة خيالية تفوق المليار وَنصف مليار ريال، في وقت بات الحديث عن تهديد وباء الكوليرا لحياة الناس يتراجع رويداً رويداً، انخفض معهُ حجم التهويل الذي رافق هذا المرض بداية انتشاره، لا سيما بعد زيادة الوعي لدى المواطنين حول هذا المرض والعمل على تخصيص مراكز جديدة لاستقبالات المصابين بالكوليرا واستيعاب أَكْبَر قدر ممكن من تلك الحالات، بالإضافة إلى إعلان منظمة أطباء بلا حدود الدولية، يوم الاثنين المنصرم بأنها عالجت منذ مارس الماضي 75 ألف حالة مصابة بوباء الكوليرا المنتشر في معظم المحافظات، موضحة في تقرير نشره حسابُ مكتبها في اليمن على “فيس بوك”، أنها أنشأت مراكزَ لعلاج الكوليرا في 9 محافظات هي عمران، حجة، الضالع، تعز، إب، عدن، صنعاء، أبين، والحديدة، وقد استقبلت 75 ألف حالة وقامت بمعالجتهم جميعاً.
وقال بيانٌ صادرٌ عن الصحة أمس الأول: إن الحملةَ تأتي في إطار تدخلاتها للسيطرة على وباء الكوليرا من خلال رفع الوعي حول مختلف الأسباب التي تساهم في انتشاره وكيفية الوقاية منه، وأهمية النظافة العامة ونظافة المياه، مشيراً إلى أن الحملة تستهدف إشراك المجتمع وتحفيزه للحفاظ على نظافة البيئة المحيطة به وتغيير السلوكيات غير الصحية التي تساهم في انتشار الوباء، وَتتضمَّنُ الحملةُ إلى جانب التوعية توزيع مواد الوقاية إلى كُلّ منزل كالصابون وَمحلول الإرواء والزنك اللذَين يعتبران العلاج الإسعافي الأول للحفاظ على حياة المصابين بالكوليرا، حيث تشمل الحملة مشاركة ستة آلاف وَ660 خطيباً ومرشداً دينياً من كافة المديريات في أعمال التوعية وحشد الجهود الشعبية والمواطنين؛ للإسهام في مكافحة الوباء والحفاظ على نظافة المديريات والأحياء والقرى، كما لفت البيان إلى أنه سيشارك في تنفيذ الحملة أَيْضاً نحو 71 ألفاً من العاملين الصحيين والمعلمين والمتطوعين وأعضاء المجالس المحلية في المحافظات والمديريات والمكاتب التنفيذية، وسيديرها فريق إداري في كُلّ محافظة يتكون من الجهات المعنية في الصحة، المياه والبيئة، الأوقاف، الإعلام، التربية والتعليم، والسلطات المحلية.
قيادةُ الصحة تمارِسُ الفسادَ باسم “الكوليرا”
من جانبه قال الدكتور نشوان محمد العطاب – وكيل وزارة الصحة لقطاع التخطيط، بأن حملة التوعية والإصحاح البيئي للسيطرة على وباء الكوليرا التي ينفذها المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي التابع للوزارة في الفترة 5 – 8 أغسطس الجاري، تنطلق بصورة عشوائية ولا تستندُ إلى توصيات من أية جهات علمية معنية سواءً حكومية أَوْ أهلية، مشيراً إلى أن العشرات من المنظمات المحلية والدولية تقومُ بعمليات التوعية على مدار ثلاثة أشهر عبر وسائل الإعلام المختلفة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى خُطباء المساجد والنزول الميداني للفرق التابعة لبعض الشركات الخَاصَّـة مثل “شركة كمران وشركة MTN للاتصالات” إلى حارات وأحياء العديد من المديريات.
وفي تصريح خاص لــ “صدى المسيرة” أكّد الدكتور العطاب، أن المبلغ المخصّص لتنفيذ هذه الحملة البالغ ملايين الدولارات المقدمة من منظّمة دولية، يتم استخدامُه بشكل عبثي وفساد باسم الكوليرا، حيث تم إعلانُ حملة التوعية بشكل منفرد من قبل وزير الصحة الدكتور محمد سالم بن حفيظ، ومدير المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي الدكتور عبدالسلام عبده سلام، دون الرجوع إلى قطاع التخطيط في الوزارة؛ كونه المعنيَّ الأول بهكذا حملات، وعدم إشراك قطاعات الوزارة الأُخْرَى والمعنية في اتخاذ مثل هذه القرارات، والخطوات بصورة مخالفة لكل قوانين ولوائح وأنظمة وهيكل الوزارة، مشيراً إلى أن مركزَ البحوث التابع لقطاع التخطيط يقوم بمهامه تحت مظلة منظمات المجتمع المدني لمواجهة وباء الكوليرا، بعد احتكار الوزير والشلة القريبة منه داخل مكتبه كُلّ جهود وقرارات القطاعات الأُخْرَى وتهميش دورها بشكل كامل.
ولفت وكيلُ الوزارة لقطاع التخطيط، إلى أن حملة وزير الصحة التوعوية الجديدة لن تضيفَ أيَّ جديد للشعب اليمني؛ كون التوعية حول وباء الكوليرا قائمةً منذ اللحظة الأولى ولم تتوقف، وكان الأجدر أن يتم توظيفُ هذه المبالغ الخيالية في قطاعات وبرامج أُخْرَى، لا سيما أن الكثير منها قد توقف لغياب الجانب المادي.
وكشف الدكتور العطاب، عن عَقْد مؤتمر صحفي، صباح اليوم الخميس، ينظّمُه مركَزُ البحوث بقطاع التخطيط في وزارة الصحة، بمشارَكة واسعة لوسائل الإعلام المختلفة؛ للحديث عن نتائج الدراسات والأبحاث التي جرى العمل عليها خلال الفترة الماضية وإظهار نتائجها للرأي العام.
سخطٌ شعبي تجاهَ العبث وتبديد أموال الدعم الخارجي
ولاقت حملةُ التوعية والإصحاح البيئي المنطلقة السبت القادم انتقاداً حاداً واستنكاراً كبيراً لدى العديد من الناشطين والمتابعين في مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، تجاهَ هذه الحملة العبثية التي ظاهرها الرحمةُ وباطنُها الفساد والعبث ونهب أموال الدعم الخارجي والمساعدات المقدمة من المنظمات الدولية لليمن، لا سيما بعد نشر وثائق توضح حجم المبلغ المرصود لتنفيذ هذه الحملة والمقدّرة بأَكْثَر من مليار و700 مليون ريال بدعم خارجي.
واستغرب عددٌ من الناشطين قيامَ وزارة الصحة بتوظيف المبلغ المقدَّم من منظمة اليونيسيف البالغ حوالي 10 ملايين دولار سيتم تبذيرُها في 6 أيام فقط، متسائلين: أين كان دور قيادة الصحة خلال 90 يوماً من بدء تفشّي هذا الوباء الذي حصد 2000 شخصٍ، والتي ما كان لها أن تصحوَ من منامها لولا وجود الــ10 مليون دولار؟!.
وكشف الناشطون، أن الــ10 ملايين دولار المقدمة من اليونسيف للوزارة حوّلها وزير الصحة إلى برنامج التثقيف الصحي كاملة؛ ليقوموا بطباعة لواصق وبوسترات ويضحكوا بها على المجتمع أَيْضاً ويصرفوا منها للإنترنت وأجهزة تلفونات للطاقم الذي معهم لكي “يفسبك ويوتسب ويأنتر” آخر الليل، بحسب رسالة مدير التثقيف الصحي، حصلت “صدى المسيرة” على نسخة منها، تحت عنوان (إنّه التحدّي)، في أُسْلُوْب سخيف يعكسُ عقلية القائمين على هذه الإدارات الحساسة المكتظة فساداً حتى اللحظة.
وقالت تلك الانتقادات بأن المبلغَ كبير، إذ وجّه الوزير للقيام بحملة توعية من مرض الكوليرا لـ6 أيام رغم أن وزارة المياه قد قامت بالحملة المصاحبة بكلورة الماء منذ شهر وما زالت مستمرة في مشروع مستمر لــ3 أشهر، متسائلين: ما الداعي بأن تقومَ الصحة بنفس الحملة إلا لهدف الفساد؟!
انعدامُ الإمْكَانيات يهدد مراكز الغسيل الكلوي بالتوقف
ونشرت أمس الأول مواقعُ إخبارية، عدداً من الوثائق التي تتحدث عن رقم خيالي صادم تستعد الصحة لتنفيذ الحملة الوطنية للتوعية والإصحاح للسيطرة على وباء الكوليرا، حيث تتضمن تلك الوثائق الموازنة التقديرية لتنفيذ الحملة بمبلغ وقدره مليار وَ704 ملايين وَ338 ألف ريال، جاءت على النحو التالي:
1ـ تكلفة الخطّة التنفيذية على مستوى المحافظات والمديريات بمبلغ وقدره (1,346,126,500 ريال).
2 ـ موازنة الأنشطة المركَزية للإعداد والتحضير والإشراف على الحملة بمبلغ وقدره (64,340,500 ريال).
3ـ تكاليف مطبوعات الحملة بمبلغ وقدره (50,568,000 ريال).
4 ـ تكاليف احتياجات فرق التوعية الميدانية التي ستستخدمها أثناء التنفيذ بمبلغ وقدره (166,600,000) ريال.
5 ـ تكاليف الإشراف والمتابعة المركزية لوزارة الأوقاف بمبلغ وقدره (5,840,000) ريال.
6ـ تكاليف الحملة الإعلامية بمبلغ وقدره (70,863,000) ريال.
الإجمالي العام:
واحد مليار وسبعمائة وأربعة ملايين وثلاثمائة وثمانية وثلاثون ألف ريال (1,704,338,000) ريال فقط لا غير.
ويرى متخصّصون في الشأن الصحي أن التكاليفخصّصة لهذه الحملة مبالَغ فيها، في حين تعاني العديدُ من المراكز الطبية منذ أَكْثَر من عام، من انعدام أبسط المقومات التشغيلية، ومن أبرزها مراكز الغسيل الكلوي التي أعلنت في أَكْثَرَ من محافظة يمنية إغلاقَ أبوابها أَمَـام المرضى؛ بسبب عدم توفر المحاليل الخَاصَّـة بعمليات الغسيل الكلوي، وقالوا بأن مركز الأورام السرطانية الذي يصارع القائمون عليه من أجل توفير بعض من متطلبات المرضى بحاجة ماسّة إلى مثل هذه المبالغ التي تسعى الوزارة إلى إنفاقها.
وأضافوا أن الوضعَ الصحي المتردّي الذي تعاني منه كافةُ مديريات ومدن اليمن كان أحرى بالوزارة العملُ على تزويد المراكز الطبية بالمحاليل الوريدية بهذا المبلغ الهائل.