الصرخةُ وصناعة التحوّلات
محمد الفرح
(أقول لكم أيها الإخوة اصرخوا، ألستم تملكون صرخةَ أن تنادوا:
[اللهُ أكبر/ الموتُ لأمريكا/ الموتُ لإسرائيل/ اللعنةُ على اليهود/ النصرُ للإسْلَام].. بهذه الكلمات عنون الشهيدُ القائدُ السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوانُ الله عليه مساراً عملياً في مشروعه القرآني، ولقد كانت تلك الحظةُ حقاً تأريخية فاصلةً، ما بعدها لن يكونَ كما قبلها والأيام السالفة المثقلة بأوزار التخبط والتفريط قد أفلت وأشرقت شمسُ البصيرة معلنةً نهاراً جديداً وجادًّا في المسئولية وحازماً في الموقف.
وعندما نعودُ بالذاكرة إلى الوراء لنتذكرَ الظروفَ التي انطلق فيها هذا المشروعُ القرآنيُّ العظيم، ندرك ماذا يعني الشهيدُ القائدُ بقوله بعد إطلاق الصرخة [بل شرفٌ عظيمٌ لو نطلقُها نحن الآن في هذه القاعة فتكونُ هذه المدرسة، وتكونون أنتم أولَ مَن صرخ هذه الصرخة التي بالتأكيد -بإذن الله- ستكون صرخةً ليس في هذا المكان وحدَه، بل وفي أماكنَ أُخْرَى، وستجدون من يصرخ معكم -إن شاء الله- في مناطق أُخْرَى – إنها من وجهة نظر الأمريكيين -اليهود والنصارى- تشكل خطورة بالغة عليهم].
فالمتأملُ يدرِكُ مدلولاتِ هذه الكلمات بدءاً من ثقة الشهيد القائد الكبيرة بالله وأحقية هذا المشروع القرآني وسلامة مقاصِده وإيمانه بحتمية النصر.
ويلمس الأفق الواسع والأمل الكبير الذي يفتحُه بتأكيده جدوى فاعلية الصرخة وقابليتها للانتشار في مناطق بعيدة وبلدان أُخْرَى، وثانياً يلاحظ أن تلك الكلمات تعطي إشاراتٍ تطمينية لمَن كانوا الحاضنة لهذا المشروع ونواته الأولى ومَن يقع على عاتقهم التحرّك بهذه المسئولية.
نعم لقد كانت المرحلة تستدعي ذلك، فسُلطانُ الخوف هو المهيمنُ واليأسُ، والإحباط هو السائد فعلى المستوى العالمي، كانت الهجمة الأمريكية على البلدان العربية والإسْلَامية بمختلف الوسائل العسكريّة والسياسية والثقافية والإعلامية؛ لتفرض المزيدَ من الصمت وَتكميم الأفواه وفرض حالة الاستسلام الكامل.
محلياً، كان البلدُ يعيشُ تحت نظام سياسي مختلّ، اختزل إدارة البلاد في منظوره الشخصي والنفعي لمراكز القوى ورَهَنَ كُلّ قراراته للخارج وأباح السيادةَ وفرّط في الاستقلال، وعمل على إسكات كُلّ صوت يرفعُ راية التحرر ويناهِضُ مشاريعَ الاعداء.
على المستوى الاجتماعي كان السائد هو بث حالة النزاع والخلاف والثأرات، وتعزيز حالة الفُرقة بين أوساط المجتمع الواحد، وتغييب القيم والأخلاق الحميدة وطمسها، فكانت الحالة النفسية والمعنوية لدى أبناء الشعب هابطةً، والروحية الجهادية غائبةً، والإعداد والجهوزية لأي خطر قادم لا تكاد تُذكَر، وفي المقابل كان ترويجُ التضليل الفكري يزداد، حيث تم استيرادُ الفكر الوهابي الغريب في أفكاره وممارساته على مجتمعنا اليمني وتسخير مُؤسّسات الدولة لفرضه كمنهج تعليمي وتربوي رسمي للدولة والسعي لتقديمه نموذجاً للإسْلَام، وذريعة مستقبلية للعدوان.
ومن هذا الواقع انطلق الشهيدُ القائدُ بتدشين المشروع القرآن؛ي لإنقاذ الأمة من الواقع السيء والمزري الذي تعيشُه، لتستطيع من خلاله إفشالَ أنشطة العدو الأمريكي والإسرائيلي المُعادية، وتواجِهُ به حالةَ الاستسلام والتدجين وتكسر حالة الخوف والصمت التي يسعى العدو لفرضها على الشعوب؛ ليخرجها من نَفَق الشح والأنانية إلى فضاء العطاء والبذل والتضحية ويُخرِجُها من العجز والضعف إلى القدرة والقوة.
يقيناً، استطاع هذا المشروعُ العظيمُ أن يصنَعَ الكثيرَ من التحوّلات في الواقع والنفوس، فبدلاً عن الاختلاف والفُرقة والشتات، أَصْبَح الكلُّ يعملون في إطار أمّةٍ واحدة لها مشروعُها ومنهجُها القرآني الجامع، ولها شعارُها الواحد، ولها قيادتُها الحكيمة، أمة قادرة على التغلب على كُلّ العراقيل والمعوقات التي وُضعت وتوضع أمامها.. أمة قوية شجاعة مقدامة.
ومَن كان يخشى أن يسمع ذكْرَ الموت أَصْبَح اليوم يقتحمُ غمار الموت، ومَن كان يرى الموت هادمَ اللذات أَصْبَح يراه الطريقَ إلى الملذات الحقيقية، وهي الشهادةُ في سبيل الله.
واليوم ونحن على مسافة قريبة من مرحلة مضت لم نتصفح أحداثَها في التأريخ القديم، بل عشناها وذاق الجميع مرارتَها، ولمسنا نعمةَ التحول الذي حصل بفضل الله تعالى وفضل هذا المشروع القرآني، ومن اللؤم أن نجحَدَ فضْلَ الله العظيم علينا، ومن التنكر لنعمته أن نضعُفَ أَوْ نتراجَعَ، ومن الغرور أن ننسى معيَّتَه وتوفيقَه لنا، “وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ…”.