أمريكا في شبوة.. مسرحيةٌ جديدةٌ لانسحاب القاعدة وحرب بدون رصاص
الدفاعُ الأمريكية تقر بالتواجد وقواتُها تقتحمُ منزلاً وتعتقلُ نساءً ورجالاً
فصولُ العملية خلت من شعار “دعم الشرعية” والنفط والغاز أهم أهدافها
صدى المسيرة| إبراهيم السراجي:
دخلت جحافلُ المرتزِقة وقواتُ الغُزاة الإماراتية والأمريكية على متن مدرّعات إلى مديريات عتق وعزان وغيرهما بمحافظة شبوة، في عملية أعلن عنها الجيشُ الإماراتي بمشارَكة القوات الأمريكية، دون أن يكون هناك ذكرٌ لتحالف العدوان أَوْ ما يسمّى قوات “الشرعية”، ولم تحدث معركةٌ حقيقيةٌ سوى عدة غارات تزامنت مع انسحاب عناصر تنظيم القاعدة.
وُصفت العملية بأنها عملية استلام وتسليم، فهي لم تستمر سوى ساعات قليلة كانت كافيةً لانسحاب عناصر القاعدة إلى جبال شبوة، ليحل محلَّهم عناصرُ المرتزقة وقوات أمريكية وإماراتية، فلم تكن هناك أية اشتباكات باستثناء كمين نصبه مسلحو القاعدة لطقم عسكري كان على متنه عددٌ من عناصر المرتزقة مما يسمى “قوات النخبة الشبوانية”، فقد كان من الضروري أن تُسالَ القليلُ من الدماء “اليمنية” للقول بأنه كانت هناك حرب.
- سيناريو احتلال المكلا!
عمليةُ احتلال مديريات شبوة من قبَل قوات أمريكية-إماراتية ومرتزِقة خلال عدة ساعات، أعادت للأذهان احتلالَ القوات ذاتها لمدينة المكلا عاصمة حضرموت العام الماضي، فقد سيطر تنظيمُ القاعدة على المدينة بعد أسبوع فقط من بدء العدوان على اليمن، وقال الناطقُ أحمد عسيري آنذاك: إن عمليات العدوان لا تشمل محاربة القاعدة وداعش، وكان عناصر القاعدة في ذلك الحين ينشرون صورهم من داخل القصر الجمهوري هناك.
بقي تنظيم القاعدة محافظاً على سيطرة على المكلا لأكثر من عام، وكان التنظيم يبيع النفط ويستخرجه أمام مرأى من طيران العدوان، بل ويحصُلُ على الأسلحة عبر الميناء من السعودية بصورة طبيعية، إلى أن أعلنت القوات الإماراتية والأمريكية عن عملية عسكرية تحت شعار “تحرير المكلا من القاعدة” وشن الطيران عدة غارات تسببت بهروب السكان، وفي اليوم التالي جرى الإعلان عن اتفاق شاركت به حكومة المرتزقة ومشايخُ الإخوان مع القاعدة قضى بالانسحاب من حضرموت وتسليمها للاحتلال الجديد.
تلك الصفقة قَضَت أيضاً بنقل عناصر التنظيم لقتال الجيش واللجان الشعبية في الساحل الغربي ومأرب والجوف، فيما انتقل قسم آخر من عناصر التنظيم لاحتلال مديريات شبوة وأبين على مرأى من طيران العدوان أيضاً.
بقيَ عناصرُ التنظيم في مديريات شبوة نحو عام أيضاً وكان ظهورهم في وسط المدن علنياً دون أن يتعرّضوا لأية مضايقة من طيران العدوان أَوْ الطائرات الأمريكية بدون طيار، فالأمر كان -وفقاً للاستراتيجية الأمريكية- يستدعي انتشار القاعدة؛ لتبرير التدخل الأمريكي، وهو ما حدث بالفعل، فتم احتلال مديريات شبوة دون أن يطلق التنظيم الإجْرَامي طلقةً واحدةً، كما إن العملية انتهت بصورة غير منطقة، إذ أن مجرد انتشار قوات الاحتلال كان يحتاجُ لوقت أطول مما حدث، في وقتٍ يدّعي الجيشان الإماراتي والأمريكي أنهم شنوا عمليةً عسكريةً ضد القاعدة.
- سقوطُ ذريعة العدوان مجدداً
بمرور الوقت سقط شعارُ “استعادة الشرعية” الذي رفعه تحالُفُ العدوان، فالشرعية المزعومة لم يعد لها ذكرٌ إلا في بعض البيانات التي يصدرها قوى العدوان، مسمّيةً نفسها “تحالف دعم الشرعية”، غير أن مسرحية العملية العسكرية ضد القاعدة أسقطت هذه المرة “التحالف”.
مع انطلاق العملية المزعومة، يوم الخميس الماضي، تولّت قيادة الجيش الإماراتي الإعلانَ عنها، حيث لوحظ غياب كيان “التحالف” ولوحظ استبدالُ “قوات الشرعية” بمجاميع المرتزقة التي تشكّلت بدعم أمريكي إماراتي أطلق عليها “قوات النخبة الشبوانية”.
وقال بيانٌ رسميٌّ للجيش الإماراتي بأن ما وصفها “قوات النخبة اليمنية بإسناد كبير من القوات الإماراتية والأميركية قامت بعملية نوعية ضد القاعدة في محافظة شبوة”.
وأضاف البيان أن تلك “القوات قامت بتأمين مدن شبوة الرئيسية مثل عزان وعتق والعقلة وجبان والحوطة وتمشيط القرى والوديان”.
وكما لوْحظ غيابُ ما يسمى “التحالف” من الجزء السابق للبيان فإن الجزء اللاحق منه لم يوجه العملية باعتبارها “دعماً للشرعية”، حيث قال البيان إن “عمليات مكافحة الإرهاب من أهم العمليات لدعم الشعب اليمني”.
أيضاً لم يصدر أيُّ موقف من قبل حكومة المرتزقة، سواءٌ أكان يزعُمُ أنها من طلبت تلك العمليات أَوْ أنها تؤيّدها.
- وجودٌ أمريكيٌّ يكرِّسُ سقوطَ الشعارات
أقرّت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بوجود جنود أمريكيين شاركوا بدخولِ مُدُن شبوة بعد انسحاب عناصر القاعدة، هذا الإقرارُ الأمريكي رافقه تغييبٌ واضحٌ لحكومة المرتزقة وكيان تحالف العدوان.
وعلى غرار إعلانِ سفير السعودية عن العدوان من واشنطن، فقد تولّى السفيرُ الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، الإعلانَ عن العملية قبل صدور بيان الجيش الإماراتي من أبوظبي.
وقال العتيبة لوكالة فرانس برس إن “العملية العسكرية في شبوة تدعُمُها قوةٌ تجمع بين الإمارات والولايات المتحدة”.
ووفقاً لجريدة الأخبار ووسائل إعلام أمريكية، ذكر المتحدِّثُ باسم البنتاغون، جيف ديفيس، أن قواتٍ خاصةً أميركية تساعد الإماراتيين والقوات المحلية في عملياتهم ضد “القاعدة” في شبوة.
وأضاف أن العملية تهدفُ لتدمير قُدرة القاعدة على شنّ عمليات إرهابية”، بحسب تعبيره.
كما بيّن متحدّث البنتاغون، أن مساعدة القوات الأمريكية تأتي ضمن عمليات أمريكية بدأت في يناير الماضي، وتتضمن عدداً قليلاً من القوات الأمريكية على الأرض.
- انتهاكاتٌ أمريكيةٌ مبكرةٌ.. والقاعدة بالقُرب
مع دخولِ القوات الأمريكية والإماراتية ومعها المرتزقة لمدن شبوة، أكدت مصادر محلية وإعلامية، أن تلك القواتِ باشرت باقتحام المنازل واعتقال المواطنين؛ بحُجّة البحث عن مشتبهين بالانتماء لتنظيم القاعدة الذين تُركوا ينسحبون دون أن يتعرضوا لغارة واحدة!.
كما تؤكد المصادر أن قواتِ الاحتلال أطلقت النيران في الجو بشكل مكثف؛ بغرض إرهاب السكان، فيما سقطت بعض الأعيرة وأوقعت إصابات في صفوف المدنيين.
غيرَ أن الأخطرَ هو ما حدث في اليومين الثاني والثالث لدخول القوات الأمريكية والإماراتية، حيث أكدت مصادر محلية متعددة أن قواتٍ أمريكيةً خاصةً وإماراتية اقتحمت منزل أحد المواطنين وقامت باعتقال سُكّانه من نساء ورجال واقتادتهم إلى جهة مجهولة دون أن يُعرَفَ مصيرُهم.
من جانب آخر، وضمنَ تغطية الإعلام الإماراتي لدخول الاحتلال إلى شبوة، ذكرت قناةُ “سكاي نيوز عربية” الإماراتية، أن عناصرَ القاعدة انسحبوا من المدن باتجاه جبال شبوة، ولم يتم الإعلانُ في الساعات اللاحقة عن أية غارات استهدفت التنظيمَ في الجبال حتى من قبل الطائرات الأمريكية بدون طيار.
ومن المنظور العسكري، فإن السيطرةَ على المدن لا بد من مرورِها بالسيطرة على حاميتها كالجبال بشكل رئيسي، وفيما دخلت القواتُ الأمريكية والإماراتية مدن شبوة وتأكيد الإعلام الإماراتي بانسحاب تنظيم القاعدة إلى الجبال، فإن تلك المدن تصبح وفقاً للعسكريين تحت السيطرة النارية للتنظيم، وهو ما يعزّز من فرضية العملية العسكرية بأنها كانت مسرحية فاضحة، خصوصاً أن العملياتِ العسكريةَ المزعومة لم تعلن عن ملاحقة التنظيم في الجبال ولم يؤثر ذلك على انتشار الاحتلال في شوارع ومباني المدن.
- النفط والغاز.. الهدفُ غيرُ المعلَن
وفقاً لوسائل إعلام دولية وإماراتية، فقد كانت وجهةُ قوات الاحتلال الأولى في شبوة هي شركات النفط، بينها “شركة أو إم في النمساوية” وحقول الغاز، حيث توجهت القوات الأمريكية والإماراتية ومعها المرتزقة للسيطرة على تلك الحقول والشركات.
وتؤكد صحف غربية أن أهدافَ الإمارات والولايات المتحدة في شبوة كانت السيطرةَ على النفط والغاز، خصوصاً أن أبوظبي أحدُ أقطاب الأزمة الخليجية تحصل على 40% من احتياجات الإمارات من الغاز من قطر، وهي تخشى أن تقومَ الدوحة في أية لحظة بإعلان وقف تصدير الغاز لأبوظبي، الأمر الذي دفع الأخيرة للبحث عن بدائلَ، وكان البديل الأنسب هو غاز شبوة.
ما يعزّز تلك الفرضية هو مسارَعَة الفار عبدربه منصور هادي للقاء وزير النفط بحكومة المرتزقة، وفقاً لما ذكره الموقع الرسمي للمرتزقة أمس الأول، والذي أوضح أن الفارَّ هادي والوزير المرتزق بحثا آخرَ تطورات المفاوضات مع “شركة أرامكو” السعودية، بشأن تشغيل وتفعيل تصدير النفط والغاز، بما في ذلك شركات الغاز والنفط في شبوة.
ولم يورد الموقعُ تفاصيلَ تلك المباحثات، غير أن ما ذكره حمَلَ إشاراتٍ واضحةً على سعي السعودية لمضايقة الإمارات، بالإيعاز للفار هادي بمنح أرامكو حقَّ التصرف في الغاز والنفط في اليمن، خصوصاً أن المباحثات المزعومة ظهرت للعلن بشكل مفاجئ ولم يسبق أن كان هناك حديثٌ أَوْ أنباءٌ سابقةٌ حول وجودِها أصلاً.