كاتبٌ “إسرائيلي” يحذّر حكومتَه: لا توقدوا شرارةَ الانفجار.. ليس لدى شباب القدس ما يخسرونه
صدى المسيرة| عربي ودولي:
كان قرارُ السلطات الإسرائيلية إزالة أجهزة الكشف المعدنية من موقع المسجد الأقصى صائباً -بحسب ما ذكرت صحيفة هآرتس- ومع ذلك، وفي ظل انحسار تلك الأزمة، تقول الصحيفة إن من الحكمة أن نُسلِّم بالظروف الضمنية التي جعلت الشباب الفلسطيني يخاطر بحياته، من خلال تظاهراتٍ غير عنيفة في مجملها، وبالصلاة في الشوارع المحيطة بالمسجد الأقصى والقدس الشرقية.
وتُقدِّم الظروف القائمة، الاجتماعية والنفسية السامة، وفقدان الأمل في أي عملية سلام مُستدام، خلفيةً لفهم غضب واحتجاجات الشباب القاطنين بالقدس الشرقية. تلك ظروفٌ قابلة للاشتعال وستستمر في صبِّ الزيت على نار أي حريقٍ يتعلَّق بالسيادة الفلسطينية على المسجد الأقصى، بحسب ما يقول وارن سبيلبرغ، عالم النفس الحاصل على الدكتوراه والباحثٌ ببرنامج فولبرايت الأميركي للمنح، والذي يدرِّس حالياً بجامعة نيو سكول للأبحاث بمدينة نيويورك.
يؤكد سبيلبرغ في مقاله بصحيفة (هآرتس) أن الشبان الفلسطينيين بالقدس الشرقية هُم “جماعةٌ خفية” يتجاهلها “الإسرائيليون” والمجالس البلدية التي تتحكَّم بها “إسرائيل”. لكنَّ حيواتهم مشبَّعة بالذل، والحرمان، والفرص الضائعة. وفي حيواتهم الشخصية كما في هويَّتهم الجمعية، فإنَّ الأقصى يمدهم بالشعور بالانتماء، والمقصد، والمعنى.
ووفقاً لمصطفى أبو صاوي، أستاذ الدراسات الإسْلَامية بجامعة القدس، فإنَّ “المسجد جزءٌ لا يتجزأ من عقيدة الفلسطينيين الدينية، وهو رمزٌ قومي للسيادة الفلسطينية”، ما يُفسِّر انضمام مسيحيين فلسطينيين إلى الاحتجاجات (وهي ظاهرة لم يرِد ذكرها في تقارير وسائل الإعلام الأجنبية بشكلٍ واسع).
ويرتبط حسُّ الفلسطينيين، خَاصَّة شباب القدس الشرقية، بالتحكم في تلك المنطقة بالذات، على نحوٍ وثيق، بحسِّهم بوجودهم، وتُعد تلك “السيادة” المصغَّرة التي يمتلكونها حاجزاً يجول دون اندلاع انتفاضة عنيفة مجدداً، وهذه المرة لن تحرِّكها المساعي القومية فقط بل أيضاً الغضب الديني.
يقول سبيلبرغ في مقاله: “أجريت أنا وزملائي بجامعة القدس مقابلاتٍ مع أكثر من 60 شاباً فلسطينياً بين عامي 2010 و2015 كجزءٍ من دراسة أجريت في البدء بدعمٍ من منظمة “اليونيسيف”. كُنت محظوظاً بأن تمكَّنت من التعامل مع مجموعةٍ كتلك، بصفتي باحث أميركي يهودي تربطه علاقة قوية بدولة “إسرائيل”. لكن ظروف حياتهم المُحزِنة أصابتني بخيبة الأمل. إذ تقدِّم لهم القدس الشرقية أقل القليل في ما يخص التعليم، والتوظيف، وسُبل الترفيه”.
ويوضح أن مدارس الفلسطينيين شديدة الازدحام (غالباً تحوي الفصول أكثر من 50 طالباً)، ومختلَّة إدارياً، كما يسيطر عليها مناخٌ من العنف المدرسي. ويشير إلى أن أكثر من 50% من المراهقين الذكور سيتركون المدرسة قبل وصولهم الصف الأول الثانوي. ولا توجد الكثير من الوظائف في ظل كساد اقتصاد القدس الشرقية ولا مساحة للترفيه أيضاً. ولأنَّ المجالس البلدية “الإسرائيلية” تفرض قيوداً على بناء منازل الفلسطينيين، فبيوتهم أيضاً مزدحمة، ما يزيد بدوره من التوتُّر بين العائلات. ويغيب العديد من الآباء عن بيوتهم، لأنَّ عليهم ممارسة عملين أَوْ أكثر لإعالة أسرهم. بينما اختار آخرون العمل خارج فلسطين، ويقبع البعض الآخر بالسجون.
ويؤكد سبيلبرغ أنه قد اتضح من الدراسة التي أجراها وزملاؤه، أننا نفقد جيل الشباب الفلسطيني الحالي. فقد تخلّوا عن أي اعتقاد وُجِدَ مسبقاً بأنَّ المفاوضات ستُفضي إلى حلٍّ يتسع للدولتين. لكنَّ لا شيء قد يعطيهم أملاً إلَّا سلامٍ يخاطب الحاجة للحصول على التمكين السياسي في أيدي الطرفين.
يقول سبيلبرغ إن كُل شابٍ أجريت معه مقابلة تقريباً يضع المسجد الأقصى في مركز أفكاره وآماله. ويرون أي تهديدٍ للوصول إليه عملية إبادة لذواتهم الروحية والنفسية. وتُشكِّل المحاولات المستمرة من جانب أصوليون يهود لتحدي السيادة الفلسطينية على منطقة الحرم القدسي هجوماً كهذا بالنسبة لهم على عزائمهم.
وفي عموم الأمر، لا يرى شباب القدس الشرقية الفلسطينيون مستقبلاً ينتظرهم. وبينما يتلاشى أي أملٍ بإقامةِ دولةٍ خَاصَّة بهم أَوْ أي شكلٍ من الاستقلال السياسي، يزداد شعورهم بأن ليس لديهم ما يخسرونه. فليس الأمر قاصراً على كونهم لا يرون ضوءاً في آخر النفق، بل إنَّه لا يوجد نفق، ولا أفقٍ على الإطلاق.
ويخلص سبيلبرغ إلى أنه يجب اتخاذ خطواتٍ لتحسين حياتهم وجعلها طبيعية. فقد استولت “إسرائيل” على القدس الشرقية بعد حرب عام 1967. لكنّ القوة تأتي ومعها المزيد من المسؤولية. على مجالس بلدية القدس أن تحاول تزويد الفلسطينيين بالمزيد من المعلمين والمدارس، وبناء المتنزهات، وتطوير بنية تحتية اقتصادية سليمة بالقدس الشرقية، وتطوير برامج للتدريب المهني، ودمج ذلك مع اقتصاد القدس الشرقية، وتوفير بيئة أكثر أمناً للشباب في القدس الشرقية. ويتطلب أيضاً التدخّل لمساعدة الأطفال والعائلات التي تعرّضت لصدماتٍ مسبقة. وقد يفيد كذلك بناء علاقاتٍ قوية مع المؤسسات السياسية والثقافية بالضفة الغربية.
وفي حال الفشل بالتدخل واستمرار فشل المفاوضات، يمكننا أن نتوقع تصعيداً في معدل إحباط شباب القدس الشرقية قد يُفضي إلى العنف. ومن المحتمل أنَّ الخطوة التالية من جانب “إسرائيل” لتقسيم السيادة الفلسطينية على المسجد الأقصى ستوقد شرارة انفجار كُلّ هذا الإحباط المتراكم لدى الفلسطينيين، ووقتها لن تكون تهدئة كالتي تمَّت هذه المرة قابلةً للتنفيذ.