واقعُ المرتزقة في اليمن.. الصورةُ الكاملة
صدى المسيرة| ضرار الطيب:
تكرّرت، منذُ بدء العدوان، الكثيرُ من الوقائع الميدانية التي أثبت فيها المرتزقة عسكرياً وسياسياً بأنهم لم يكونوا مغرَّراً بهم بأكاذيب “إعادة الشرعية” التي سوّقتها دولُ العدوان، أَوْ حتى مدفوعين بالتعصُّب الطائفي والحزبي، وإنما سماسرةُ حرب، عصاباتٌ عمياء تعرِضُ نفسَها للإيجار، يعملون لأجل المال فقط بكل وضوح، وبدون حاجة لمبرّرات من أي نوع، فقد أثبتوا أيضاً أنهم على علم كامل بكل النوايا القذرة لدول العدوان ومنذ البداية، ولم يكن انطلاقُهم وخروجُهم للتحريض والقتال ضد أبناء الشعب، نابعاً من سوء فهم أَوْ تضليل إعلامي أَوْ سياسي.
هذا يُشَكِّلُ فارقاً كبيراً؛ لأن مواجَهةَ هؤلاء المرتزقة الآن بحُجَجٍ سياسية ووطنية وحقائق ميدانية تجعلهم يبدون مخدوعين وبحاجة على الإقناع، بينما لا داعي لإقناع شخص معترف بأن انحيازه على الجانب الخطأ أمر مبرَّر بالمال.
كبارُ المرتزقة العسكريين
أفادت مصادرُ مطلعة، هذا الأسبوع، بأن أكبرَ جماعات المرتزقة في تعز، ما تسمّى بـ “كتائب أبي العباس”، قد تلقت بلاغاً من تحالف العدوان بوقف الدعم عنها؛ بسبب فشلها العسكري في جبهات القتال ضد الجيش واللجان الشعبية وبالذات في جبهة “الكدحة”.
ومن خلال الصفحة الرسمية الخَاصَّة بالمكتب الإعلامي للجماعة على موقع فيسبوك، لوحظ أن النشاط الإعلامي للجماعة خلال الفترة الأخيرة صار شبه معدوم، ونحن نتحدث هنا عن المصدر الإعلامي الوحيد للجماعة النشطة التي تصدّرت أخبار تعز منذ فترة طويلة، وذلك يجعل الأمر أشبهَ بإغلاق قناة العربية فجأة!
وكل ما نشره المكتب الإعلامي للمرتزق “أبي العباس” على تلك الصفحة خلال أكثر من شهر، كانَ منشوراتٍ قليلةً ومتباعدة زمنياً، تنوع محتواها بين الشكوى من اغتيال أحد أفراد الجماعة، أَوْ الكلام عن “التضحيات” التي يقدمها مقاتلوها مسبوقة بعبارة “ما زلنا ندفع الثمن ونضحّي”، ثم الحديث عن أحد قتلى الجماعة الذي لقي مصرعَه قبل أن يتم إدراجُه رسمياً في كشوفات مجندي المرتزقة.. في استجداء واضح لقيادة العدوان.
وبالعودة لما أفادت به المصادر بأن سبب انقطاع الدعم كان الفشل الميداني للجماعة في الجبهات، يؤكد المرتزق “عمار الجندبي” أحد قيادات جماعة “حسم” القريبة من أبي العباس، على صفحته في فيسبوك بمايو الماضي أن تحالفَ العدوان لا يهتم إلا بالمناطق ذات المصالح العسكرية والاقتصادية الهامة، معترفاً بكل صراحة أن الدعم يتجه على جبهات الساحل الغربي؛ لأنها مناطق هامة، ويدعو “أن يكون في مدينة تعز بئر نفط ” ليحصل المرتزقة على دعم سخي، وليس لأجل أن تعود “الشرعية” أَوْ ما شابه ذلك، وبرغم كُلّ ما قاله هو نفسه إلا أنه استمر في القتال مع دول العدوان التي انتقدها، ونسي كلامَه كله بقليل من “الدعم” الذي ضَجَّ لأجله.
صراحةُ المرتزق الجندبي كانت شرحاً وافياً لقصة جميع المرتزقة، الذين يعلمون جيداً بأن دول العدوان جاءت لأجل مصالحها، وهي تدعم من يخاطر بنفسه لتأمين تلك المصالح فقط، وكانت اعترافاً ضمنياً بأن كُلّ ما ظل المرتزقة يفعلونه داخل مدينة تعز من القلاقل والجرائم وتقسيم المربعات، هو من باب “حفر بئر نفط” يجلبُ انتباهَ دول العدوان لتستمر في دعمهم بالمال فقط.. وبالتالي، فإن فشل أبي العباس في جبهة الكدحة المهمة بقُربها من المخاء، كان سبباً وجيهاً لدى تحالف العدوان لقطع الدعم.
الأسبوع الفائت، وفي الإطار نفسه، عندما أصيب القياديُّ في صفوف المرتزقة “حمدي الصبيحي” في عربته المدرّعة إثر صاروخ حراري استهدفها في المخاء، تداول ناشطو المرتزقة أنباءاً تفيد بأن الإمارَات أرادت التخلُّصَ منه بتلك العملية، ويبدو أن تلك الحالة قد صارت طبيعيةً لديهم لتكرارها أَوْ لمعرفتهم بطبيعة الدور الذي تلعبُه دول العدوان مع مرتزقتها، وهو الدور الذي يضع المصلحة الخَاصَّة فوق كُلّ شيء.
محللون وناشطون لمَن يدفع أكثر!
سياسيّاً وإعلاميّاً، لا يختلفُ الوضعُ سوى بالانتقال من مرتزقة السلاح على مرتزقة الكلمة الذين لديهم سهولة أكثر في إظهار مدى انسياقهم في اتجاه المال فقط، مخرجين ألسنتهم لكل الأكاذيب التي صنعوها هُم بأنفسهم، ولعلَّ الأزمةَ القطريةَ مع دول الخليج والتنافس السعودي الإمارَاتي في الجنوب، قد فتحا مسرحاً واسعاً بما يكفي ليعرضَ هذا النوع من المرتزقة قابلية الانعطاف والالتواء والانقلاب على أي شيء، مهما كانوا قد حرصوا على تثبيته.
أحد كبار محللي المرتزقة يُدعى الدكتور “كمال البعداني” وهو قيادي إصلاحي، يقول على صفحته بفيسبوك أنه مهما فعلت الإمارَات في اليمن من جرائمَ فإن حقدَ اليمنيين سيكون على السعودية، والسعودية فقط، وعلى طريقة “الفلاش الباك” السينمائية تعودُ بنا صفحته نفسها إلى ما قبل فترة ليست طويلةً خلال العدوان، حيث يظهر وهو يسبّح بحمد السعودية وعدوانها ويتهم الإمارَات بأنها تعرقل “قوات الشرعية”!.
ومثله فعلت “توكل كرمان” التي بعد أن أوصلت تبريراتها للعدوان كله إلى المحافل الدولية خلال أكثر من عامَين، جاءت لتدين “الاحتلال” و”المجازر” مقسّمةً تحالف العدوان إلى قسمين: قسم السعودية وقطر الذي يلقي بالورود على رؤوس اليمنيين، وقسم الإمارَات الذي يرتكب كُلّ الجرائم وحدَه في معزل عن دول العدوان التي تقودها السعودية!
مثل هذه الأشياء لا نستطيع أن نسمّيَها تناقضاً سياسياً أَوْ أيديولوجياً، ولا حتى انفصاماً في الشخصيات، وإنما ارتزاقٌ بمفهومه البسيط والشائع، والذي يعني أن تطبِّلَ حيثما يكون المال، أن تطبل ولو اضطررت لتكذيب نفسك.
حزبُ الإصلاح كنموذج متكامل
الثلاثاء الفائت، أصدر حزبُ الإصلاح في تعز بياناً أشاد فيه بزيارة المرتزق بن دغر إلى المخاء، وثمّن الدورَ الذي تقوم به دولة الإمارَات في اليمن، واصفاً من يهاجمون الإمارَات بالمرتزقة وأصحاب أقلام هابطة، وهو ما أثار حفيظةَ ناشطي وإعلاميي الإصلاح الذين يشنون منذُ فترة هجوماً إعلامياً على الإمارَات، استماتةً في الدفاع عن قطر.
مراسلُ قناة الجزيرة “أحمد الشلفي ” قال إن ذلك بيانٌ “سوقي”، أما كرمان فعلقت على بيان الإصلاح بالقول “صمت دهراً ونطق كفراً”، ولجأت للتذكير بدور الإمارَات التدميري، وعلى غرار الاثنين سار كثيرٌ من نشطاء الإصلاح الذين اصطدموا مع حزبهم لأول مرة من أجل قطر وليس اليمن.
الجيدُ في ذلك أن البيانَ وَصَفَ أمثالَ هؤلاء الناشطين بأنهم “ذوي أقلام مسترزِقة وهابطة” والناشطون وصفوا البيان بأنه متعاون مع الاحتلال الإمارَاتي. حقيقة الأمر أن الطرفين محقان في ذلك، ناشطو حزب الإصلاح لم يغضبوا من بيان الحزب غيرةً على ما تفعله الإمارَات في اليمن، بل محاولة للدفاع عن قطر، والحزب كان واضحاً في التقرُّب للإمارَات التي يعكف مسؤولوها ومنظروها منذ أكثر من عامين على لعنه.
لا يستطيع الإصلاحُ أن يعلن موقفاً معادياً للإمارَات؛ لأنه حزب مرتزِق ومرتهن للاحتلال، ولا يستطيع ناشطو الإصلاح أن يتبرّأوا من حزب يدعم الاحتلال الذي يعترفون به؛ لأنهم مرتزقة.. وهذه هي الحكاية كلها باختصار، ليس هناك أي جدل سياسي أَوْ سوء تفاهم فكري في الموضوع، ولعل إعلانَ اليدومي قبل فترة طويلة بأن حزب الإصلاح ليس “إخوانياً” يوضح ما تبقى غامضاً من الصورة.
تنظيمُ القاعدة
تنظيمُ القاعدة أيضاً- وهو أقدم المرتزقة- لم يخرج عن السياق نفسه، ففي مارس الماضي أصدر بياناً يشابه منشوراتِ جماعة أبي العباس الأخيرة، يوضح بأنه يتعرّضُ للهجوم من قبل الجيش واللجان الشعبية، في استجداء تحالف العدوان، وبرغم أن التنظيم وجّه بيانَه إلى “اليمنيين” إلّا أن الرسالة كانت أكثرَ وضوحاً في تحديد وجهتها، فقد حاول التنظيم أن يَمُنَّ على دول العدوان بأنه قاتل إلى صفها ضد الجيش واللجان الشعبية، كما هدد بـ “سقوط مأرب وشبوة” في أيدي من وصفهم بالحوثيين، مظهراً نفسَه على أنه محور التوازُن الذي يمسك بالمحافظتين.. ودعا اليمنيين إلى سرعة مؤازرته ضد “التنسيق الأمريكي الحوثي”!
بعد أشهر قليلة من ذلك البيان، انسحب عناصرُ التنظيم الإجْرَامي قبل أيام من مديريات شبوة بدون أية مواجهات مع القوات الأمريكية والإمارَاتية، وهذه المرة لم يصدر بياناً يحذّر من سقوط شبوة بيد الأمريكيين التي كان يخشى من سقوطها في قبضة مَن يصفُهم “الحوثيين”.
وَدول العدوان وعلى رأسها أمريكا أيضاً، في الوقت الذي تدّعي فيه مواجهة “القاعدة” في شبوة والبيضاء، لم تذكر حتى بكلمة واحدة فصائلَ التنظيم في تعز وهي تظهر نفسَها مرة بعد مرة بأفلام قصيرة وتحرّكات واضحة، لا أحد يعرفُ كيف تتعامى عنها العيونُ اليقظة للمخابرات الأمريكية؟!
هناك خطٌّ واحد يسيرُ عليه جميعُ المرتزقة على اختلاف مواقعهم وأشكالهم وتنظيماتهم، وهو خط خدمة مصالح العدو مقابل المال، وعلى هذا الخط لا توجد أيديولوجيا ولا ثوابتُ ولا مبادئ ولا جدل سياسي ولا سوء فهم، توجد المصالح فقط، وَأياً كان ما تتطلبه تلك المصلحة من تناقض أَوْ اعتراف أَوْ انقلاب أَوْ تهريج، سيقوم به المرتزق كما ذكرنا، ليس لأنه مقتنعٌ به، ولكن لأنه مصلحة!
*****
أمَّا حكومةُ مرتزقة الرياض فمن الأفضل أن ندعَ الحديثَ عنهم للصورة التي التُقطت لرئيس وزرائهم الفار بن دغر وهو في ضيافةِ الإمارَاتيين بالمخاء، حيث جلس وفوقَ رأسه أربع صور للقيادات السياسية الإمارَاتية، هي نفسُها الصور التي تُعلَّق في كُلّ مصلحة ودائرة حكومية في الإمارَات!