السعودية تعبد طريق إسرائيل نحو مكة!
صدى المسيرة|زهراء حلاوي:
* واهمٌ مَن يعتقدُ أن الأطماعَ الإسرائيلية بالتوسع والاستعمار تقف عند حدود المسجد الأقصى وفلسطين. فالحلم اليهودي المزعوم يمتد أبعد من ذلك بكثير، إذ ترنو أنظار الكيان الغاصب نحو قبلة المسلمين، والأرض التي احتضنت تأريخ الرسالة الإسْلَامية، بحسب ما يوحي المؤرخ اليهودي “آفي ليبكن” في كتابه (العودة إلى مكة).
الكتاب الذي يستند وفقاً لـ”ليبكن” إلى نبوءات “الكتاب المقدَّس”، يدورُ حول فكرةٍ مفادُها أن بني إسرائيل استوطنوا قديماً في جزيرة العرب، ليبرهن أنه من حق اليهود العودة إلى مكة، أرض الميعاد.
نبوءاتُ “ليبكن” المزعومة ترسم حدوداً جديدة للدولة اليهودية، لا تمثل فلسطين سوى الجزء الشمالي منها، إذ يؤكّد المؤرخ في كتابه أن الحدود تمتد من لبنان إلى الصحراء (ليشرح لاحقاً أن المقصود بالصحراء “السعودية”)، ومن البحر المتوسط إلى الفرات. ويعتمد الطرح الذي يقدمه “ليبكن” على بحث تأريخي يزعم أن بني إسرائيل لما تاهوا لأربعين عاما في البلاد كانوا في منطقة شبه الجزيرة العربية، وقد سكنوا بلادا فيها مثل البصرة واليمن وعمان، مضيفاً أن جبلَ الطور الذي كلّم الله موسى فيه انما هو جبلُ اللوز في تبوك السعودية، وليس جبل موسى المعروف في سيناء مصر.
وفي سياق طرحه، يدعو “ليبكن” المسيحيين واليهود للتوحد من أجل استعادة مكة، على اعتبارها أرضاً مقدسة للديانتين معا، مستشهداً بأقوال من الانجيل والتوراة، زاعماً أن العهد الجديد حدّد مكان جبل سيناء على اعتباره في جزيرة العرب.
ويبدو أن ضابطَ الاستخبارات “ليبكن” يحاوِلُ من خلال كتابه المستند إلى طرح ديني أن يستنهض العزيمة السياسية عند اليهود من أجل تحقيق حلمهم المزعوم، في ظل الصراع الذي تشهده المنطقة العربية اليوم. إذ أكد ليبكن مراراً خلال مقابلات عدة له أن ما عرف بالربيع العربي لا بد سيصل يوماً إلى السعودية، التي ستطلب بدورها الحماية من الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يوفر لليهود فرصة عظيمة للاستيلاء على مكة، بعد تقديم الكيان الغاصب نفسه على أنه المنقذ لآل سعود.
رؤية ليبكن هذه لا تبدو معالمها بعيدة المنال، ولا يجدر بنا كعرب ومسلمين الاستخفاف بها. ففلسطين “العربية” لم تكن من قبل سوى حلمٍ لليهود، خطته أقلام بعض المفكرين الصهاينة، وصاغت معالم الاستيلاء عليها أفكارهم الخرافية، لكنه ما لبث أن تحول إلى واقع في ظل الصمت والتخاذل العربيين.
التأريخ اليوم يعيد نفسه، فكما حرضت دعوات المفكرين اليهود سابقاً للاستيلاء على فلسطين، قد تغدو بضعة أقوال عن الحق اليهودي المزعوم في العودة إلى مكة حافزاً حقيقياً لإسرائيل للاستيلاء على أرض مكة والمدينة.
وأمامَ هذا الواقع، وحده القارئ الحق للتأريخ لا يظل في صناعة مستقبله. كذا كان السيد حسين الحوثي، صاحب الرؤية الواضحة، والعقيدة الراسخة، إذ حذر مراراً من الأطماع الإسرائيلية الرامية للاستيلاء على مكة والمدينة، مؤكّداً أن ما يبعدها عن تحقيق هذا الهدف عامل الوقت فقط، إذ يستميت اليهود في التخطيط وتهيئ الأسباب لإنجاح خطتهم في الوقت المناسب. ولطالما حذر السيد الدول العربية المستسلمة والمهزومة أَمَام إسرائيل من كون اذعانها وخضوعها لليهود عاملاً أساسياً في تحقيق أَهْدَافهم الاستعمارية.
ومقابل وعي السيد حسين الحوثي، تتجلى حماقة العرب الخانعين أمام المشروع الصهيوني. فبالعودة إلى ما ذكره “ليبكن” في مقابلاته التلفزيونية عن دور السعودية في وصول إسرائيل إلى مكة، تتكشف الحقائق في التمييز بين الداعم لهذا المشروع الاستعماري والمناهض له، وتتجلى “حماقة” السعودية بأفظع صورها. السعودية التي ستستجدي حليفتها أمريكا ومن خلفها إسرائيل لمواجهة أي صراع يدخل أراضيها، ستعبد الطريق أمام اليهود للوصول إلى مكة، فيغدو بذلك خادم الحرمين الشريفين خائنهما.
* كاتبة لبنانية