حتى لا يكونَ “حصان” طروادة
صلاح الدكّاك
دعونا نراهِنُ على أن الغلبةَ في المؤتمر الشعبي العام ستكونُ للأصوات الشريفة مقابل الأصوات النشاز وبقايا الاقطاع والطابور الخامس.
يتأرجَحُ المؤتمرُ اليومَ على التماسّ بين نقيضَين، فإما الانكفاءُ إلَى الوصاية الأَمريكية والمقامرة بمكتسبات اللحظة الوطنية الشعبية الموشكة أن تثمرَ خلاصاً حقيقياً لليمن واستقلالاً كاملاً وحرية غير منقوصة لشعبه، وإما اغتنامُ المتغيرات الإيجابية التي تمخضت عنها ثورة 21 أيلول والقيمة الفارقة المستجدة التي اكتسبها الحزبُ في انحيازه للشعب في مناهضة العدوان الأَمريكي السعودي، ومن ثم الحركة كمكون وطني محض صوبَ مستقبل يمني كريم ووازن، متخلصاً من أحمال ماضي الاقطاع والوصاية والحكم بالوكالة من سوق المصالح الأَمريكية غير المشروعة.
لقد وُلد (علي صالح) من حُطام حادث (دار الرئاسة) الإرهابي، ولا أعتقدُ أنه يفكّر اليوم في العودة إلَى ما قبل هذا الحادث، ليزاولَ وجودَه بالتبعية لأَمريكا، بعد أن انفسح أمامه أُفُقٌ ممكن للحياة بذات كاملة ورُتبة لا تغلقها أطواقُ المحاذير والإملاءات الأَمريكية.
على أن حفنة من الرقيق والأقنان في قيادة المؤتمر تُجهِضُ إمْكَانية ولادة (صالح) ثانيةً من رحم المخاض الشعبي الصرف، وترغمُه على أن يحالفَها منتهجاً سياسةَ احتواء التناقضات وتوظيفها على أكثر من مستوى ومسار محلي وإقليمي ودولي، على ما يمكن وصفه اصطلاحاً لعبةَ الأبواب المفتوحة والمساوفة وعدم الحسم.
وتمثّل الطموحاتُ الماشية في الدائرة القريبة لـ(صالح) أحد أبرز الأكيال التي تزنزنه في خانة المراوحة على أمل انفتاح خيارات شتى تتيحُ له إمْكَانية المفاضلة من منطق الأضمن والأسلم والأقل كلفة؛ لذا فإن الخيارَ الوطني التحرّري بالنسبة لـ(صالح) يبقى أحدَ الخيارات في حال توافرت فسحةٌ للمضاربة، والخيار الوحيد في حال انسداد الأُفق إلَى أن تستظهرَ خيارات أخرى.
إن طغيانَ المنبر الإخواني الوهابي وعصا نفوذ بني الأحمر في المؤتمر الشعب العام جعل سنواتِ حكم علي صالح الـ33 هي ذاتها سنوات حكم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ذي الهيكلية السرية الغامضة، كما جعل من الدولة المهلهلة التي يرأسُها صالح محضَ واجهة لسلطة الظل الإخواني النافذة والقوية.
غيرَ أن كلاً الواجهة والظل كانا –بطبيعة الحال– يتماهيان ويذوبان في بوتقة الوصاية الأَمريكية كذراع تنفيذية وظيفية واحدة لـ(واشنطن) على تبايناتها، وفي هذا السياق من الحكم بالوكالة، كان كلاهما (صالح والإخوان) يتنافسان بصورة محمومة لنيل درجة…، يسعى أحدُهما لتقليص نفوذ الآخر ولاحقاً إزاحته، وتمثل أحداث 2011 التي أفضت إلَى إزاحة صالح من واجهة الحكم، وتجيير معظم الولاءات المؤتمرية لجهة خلفه هادي؛ تتويجاً للعبة صراع بيني مديد بين الطرفين جرى حسمه لمصلحة الإخوان، وبإشراف ورعاية أَمريكية كادت ترسل صالح إلَى العالم الآخر بصاروخ فوغاز ثم استنقذته بـ19 عملية جراحية لتعيدَه إلَى هامش المشهد السياسي في اليمن؛ بهدف تكثير التناقضات في مضمار الأدوات الأَمريكية، وخفض حالة الاستياء الشعبي إزاء بشاعة استهداف دار الرئاسة الذي كان بمثابة إهانة فاضحة للوجدان الشعبي اليمني.
إن التحشيدَ المبكرَ لـ24 أغسطس والاحتفاءَ غيرَ المسبوق بذكرى التأسيس مع خلو (بوسترات) وشعارات الفعالية من أَي موقف مناهض للعدوان، بالإضَافَة إلَى مبادرة (الاستسلام والخنوع) المنبثقة من المؤتمر بغطاء برلماني من كتلة نوابه، والصادرة قبيل أيام من بدء التحشيد، الشهر الفائت، كُلّ ذلك يحفُّ الفعالية المقبلة بالشبهات، لا سيما وأن قياداتٍ عميلةً مؤتمرية سقيمة في عواصم دول العدوان، تسهم في الدفع والتحشيد مادياً وإدارياً، بالتزامُن مع عمليات تنسيب قوامها 150 ألفَ استمارة طلب عضوية في المؤتمر الشعب العام، وهو تجديفٌ شائنٌ خارجَ مقتضيات وموجبات وأولويات مواجهة العدوان وتعليقه الشارع للالتحاق ورفد جبهات ملحمة الدفاع الوطني الكبرى.
إن (علي عبدالله صالح) وقطاعاً عريضاً من شرفاء المؤتمر يؤلفون حجر الزاوية في الموقف المؤتمري المناهض للعدوان، الذي نأمل أن تكونَ له الغلبة في مقابل خلطة النشاز أَوْ (حصان طروادة) الذي تحاول من خلاله مطابخ العدوان الأَمريكي السعودي ضرْبَ الجبهة الوطنية الداخلية وتركيع رقاب اليمنيين مجدداً للوصاية، وتصفير عدّاد التضحيات الجسيمة لشعبنا وجيشنا ولجاننا على طاولة تسوية مهينة ومذلة للطموح اليمني في الحرية والاستقلال الناجزَين كحد أدنى لتثمين الدم المسفوك على مدى عامين ونصف العام.
(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ).