رمتني بدائها وانسلّت!
علي القحوم
ونحن على عامٍ من تشكُّل المجلس السياسي الأعلى، بناءً على اتفاق سياسي ثُنائي بين أَنْصَار الله وحُلفائهم والمؤتمر الشعبيّ العام وحلفائه، لا بد من تقديم قراءة لمسار عام كامل من تحالُفٍ فرضته تحدّياتُ العدوان والحصار وتفاءل به الكثير، وأثار في الوقت ذاته الكثيرَ من الجدل..، وبمرور الأَيَّام والأشهر كان ثمة تساؤلٌ يشغَلُ بالَ الجميع: هل مثلُ ذلك التحالف وُجِدَ ليبقى؟، أم هو تحالف مؤقت ينقضي بانقضاء العوامل التي دعت إليه؟
واقعُ الأمر ومن خلال استقراء سلوك أطرافه البارزين فيه، وهم المؤتمر وأَنْصَار الله، فلا يخفى على أحد ما كان يؤملُه الشعبُ اليمني من هكذا تحالف يعزِّزُ اللُّحمة الوطنية لمواجهة عدوان هو الأخطر على اليمن في تأريخه الحديث والمعاصر.
وأولُ ثمرة كان يُرتقَبُ جنيُها من ذلك التحالف أن يدفع الجميع نحو إسناد الجبهات بالرجال والمال للحيلولة دون أن يتوغلَ الغزاة والمحتلون أولاً، وثانياً لإعَادَة الكَرَّة عليهم ودحرهم عن كُلّ بقعة وقعت تحت الاحتلال، وإعَادَة اليمن إلى الخارطة السياسية الإقليمية والدولية من موقع البلد الطامح إلى علاقات دولية من موقع الندية والاحترام المتبادَل والمصالح المشتركة، لا من وضع التبعية والتسول!
إنما وللأسف الشديد ما وقع هو خلاف ذلك، خصوصاً من ناحية المؤتمر، وسلوكه خلال عام من التحالف كان سلوكاً سلبيًّا ضد حليفه أَكْثَرَ منه ضد مَن كان يُفترَضُ به أن يكونَ، أي ضد قوى العدوان.
فإعلامياً كانت حملاتُ التشويه للأَنْصَار أعظمَ من تعبئة الرأي العام ضد العدوان.
حكومياً حرص على الاستحواذ على الوظائف، دافعاً بكل الموالين له إلى شغلها، وإعَادَة مَن خسرها على خلفية ثورة 11 فبراير انتقاماً منها، أَكْثَر منه إعَادَة لكوادر نظيفة اليد كفؤة، ودون احترام لا لدماء الشهداء، ولا تقدير للتحالف الثنائي السياسي الذي تم مع أَنْصَار الله وحلفائهم، ودون اعتبار لما عليه حال البلد من عدوان وحصار يُفترَضُ بالناس الدفع نحو الجبهات، وليس نحو الوظائف!
حالياً ليس للأقلام المأجورة من شغل سوى تنميق شخص وحزب حكم البلاد 33 عاماً لم يجن الشعب منه إلّا الوبال. واستغلالا للأوضاع الراهنة التي هي نتاج عدوان وحصار خانق بحرياً وبرياً وجوياً، وبدلاً عن توجيه سخط الرأي العام ضد قوى العدوان، يجري بلؤم وخبث تلميع نظام ما قبل 2011، وتقديم تلك المرحلة وكأنما كان الشعب فيها على رغد عيش لا تنقصُه سوى طفرة واحدة حتى يصلَ إلى مصافِّ الدول العظمى!
نظامٌ استملك الجيشَ حتى أعجزه يوماً أن يدافع عن جزيرة حنيش أمام عدوان دويلة صغيرة اسمها أرتيريا.
وكان ذلك كافياً لأن يدق ناقوسَ الخطر على مستقبل بلد لا جيش فيه، وإن وُجِدَ فلا عقيدة قتالية وطنية يستند إليها كي ينهضَ بمسؤولية الدفاع عن كُلّ ذرة من تراب هذا الوطن الذي قيل عنه بأنه مقبرة الغزاة، فإذا به في ظل نظام 33 عاماً تحوَّل إلى مقبرة لجيشه وشعبه!
نظامٌ لم يتفوق عليه في طاعة أمريكا سوى الهارب هادي، وكان السفيرُ الأمريكي في عهد كليهما هو الحاكم الفعلي للبلد.
طاعةٌ كانت بلا حدود حتى ضاعت الحدود، وفي عهد “بشير الخير” بيعت مناطق شاسعة لمملكة الشيطان، وقيل فيها تلطفا بأنها الشقيقة الكبرى حتى كادت أن تبتلع اليمن بإرسال جحافل الوهابية التي فُتحت لها البلاد على مصراعيها تعيث في الأرض الفساد، وما المناطق الملتهبة اليوم في بعض المحافظات إلّا ثمرة 33 عاماً من زراعة لفكر دخيل متوحش فتنوي استعماري انقلب أول ما انقلب على صاحبه الذي أدخله بيده، وأعفى نفسه عن مواجهته محملا الآخرين عبء المواجهة، ودون أن يتركهم يواجهون حتى يعملَ على الطعن في الظهر!
نظامٌ اشتغل على زرع الفتن وتغذيتها بين أبناء الشعب الواحد، وإثارة النعرات المناطقية والعرقية وضرب النسيج الاجتماعي وتمزيقه وضرب الهوية الدينية والوطنية وإلهاء الشعب بقضايا لا تسمن ولا تغني من جوع!
ذلك بعض من تأريخ نظام 33 عاماً أضعفت البلد وذهبت بمقدراته وقدراته، وأطمع الخارج أَكْثَر حتى ليس هذا العدوان إلّا امتداداً لحقبةٍ مظلمة كان فيها القرار للأجنبي وليس للشعب!
ولما تحَـرّك الشعب في ثورة 2011م وعززها بثورة 21 سبتمبر2014 أدرك الخارج أنه على وشك أن يخسرَ الوصايةَ وأنه أمام شعب عازم على استعادة السيادة.. فكان العدوان والحصار!
عدوانٌ أغلق الموانئ والمطارات وقصفها بالطيران، واستحوذ على مقدرات الشعب وثرواته في الجنوب من البترول والغاز، وقُصفت المصانع والمُؤَسّسات الحكومية والتجارية، ودُمرت مولدات الكهرباء، ودُمر كُلّ ما له علاقة بحياة الإنْسَان اليمني، ونُقل البنك المركزي إلى عدن، وقُطع على البنك المركزي في صنعاء كُلّ التعاملات الداخلية والخارجية، وجُمدت الأرصدة في الخارج، وقبل هذا البنك لم يكن فيه أي احتياط نقدي أجنبي، وكان هادي وحكومته قبل تقديم استقالتهم قد أعلنوا ذلك تبريرا منهم برفع المشتقات النفطية لأنهم غير قادرين على دفع رواتب الموظفين.. كُلّ ذلك.. وغيره حدث لكن البعض يصر إلّا على التضليل، وتزوير الحقائق وتحميل أَنْصَار الله المسؤولية!
مسؤوليةٌ ليس لكم أن تتنصلّوا منها، إذ ليس لكم أن تقولوا بأنكم مع أَنْصَار الله ضد العدوان ومعكم المجلس السياسي الأعلى ونصف الحكومة، وتقولوا بأنهم السلطة وأنتم فقط تساعدونهم، وهم إنما يتعلمون، وتارة تقولون نحن معارضة وأَنْصَار الله السلطة، وتارة ترفعون شعار الرأي والرأي الآخر، وتارة تشنون حملات إعلامية لتشويه الأَنْصَار، وتارة مع السلام والاستسلام وتارة مع الاستمرار في الصمود والثبات ضد العدوان!
تطالبون في خطاباتكم الحزبية أن يعتذر الشعب اليمني؛ لأنه خرج في ثورة ويعترف بأنها كانت خطأ، وأنها فوضى وليست ثورة حقيقية ضد الطغاة والمجرمين والقتلة والفاسدين، وفِي الوقت نفسه لم يسمع الشعب اليمني اعتذاراً عن حروبكم الست على صعدة وحرب الجنوب، ولم تعتذروا للشعب عما اقترفته أياديكم الخضراء والحمراء طيلة 33 عاماً.. فكيف تريدون أن يصدّقَكم الشعب وقد عملتم به ما عملتم من ظلم وإجْرَام وقتل ونهب لثرواته وقمعه وتركيعه بالحديد والنار؟!، وفوق هذا تزعمون أنكم الأفضل في وقت لا بُنيت في عهدكم دولة، ولا أقيمت مُؤَسّسات.. تجاوزتم كُلّ الخطوط الحمراء دون رادع من دستور، ولا زاجر من قانون أَوْ ضمير، واليوم تسعون لتزوير الحقائق تلميعاً لتأريخ أسودَ كعطار أتت إليه شمطاء يعيد إليها شبابَها، وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر، فكيف وأنتم الذين أفسدتم الدهرَ، وجعلتم الأملَ في حياة مفعمة بالعزة والكرامة أندر من الكبريت الأحمر!
ومع كُلّ ذلك نقولُ الفرصة سانحة ومواتية لأن تبرهنوا بالأفعال لا بالأقوال لشعبكم أنكم فعلاً تعملون على رفع المعاناة ومواجهة العدوان في كُلّ المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والزراعية وغيرها ولتعملوا بصدق وإخلاص مع أَنْصَار الله، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه معهم من خلال الإدَارَة المشتركة للبلاد ممثلة بالمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني!
أما أن ترموا الآخرين بعللكم وتنسلّوا.. فخيرٌ من ذلك أن تذهبوا إلى الجحيم ليذوبَ شحمُ الـ33 عاماً، واتركوا الشعبَ يتنفَّسَ عزَّةً وكرامةَ وسيادةً!