لم يفهموا الرجلَ بعدُ
حمود الأهنومي
قائد مؤمن .. ومجاهد شجاع .. وحكيم معتبر .. ألقى كلمته الاستثنائية في ظرف استثنائي، وفي موقف واحد فإذا (هي تلقف ما يأفكون) دهرا.
أولئك المتطفِّلون وقد ظلوا ينمون في فقاعات زائفة .. وسرابٍ شهروه حقيقة ماضية لدهرٍ من الزمان، وتصنعوا مواقف مناهضة للعدوان، لم أجد وصفا لهم مثل وصفه إذ قال صادقا: “إصبَعُ أحدهم في صنعاء وبقية جسمه ويديه ورجليه في الرياض”، أو كما قال عليه السلام.
ولأنهم لم يفهموا الرجل بعد فلا تزال معاييرهم المنحرفة وأخلاقياتهم الممسوخة كما هي لم تتغير؛ ولهذا “سيسلِّمون على غير الضيف” دائما.
لم يفهموا الرجل بعد
ولو فهموه لعرفوه قائدا راكَم تجاربَه الناجحة، واستخلص منها الصفو، وترك الكدِر، وهزم بصدقه وإخلاصه ويقينه وشجاعته طابورا طويلا من أذناب السعودية وأمريكا، وطوى مرحلة بعد أخرى، وتحرك دائما بدقةِ توصيف، وموضوعيةِ تقييم، ومتابعةٍ دؤوبةٍ، للصغيرة والكبيرة، وتعامل بمنهجٍ قرآني لا يحيد عنه، ونواميس إلهية، ثم أصدر ويصدر قراراتٍ مبادِرَةً وجريئة، تستبق الانحراف المبكِّر، وتصحح المسار المتفلِّت، .. ثم بالله كيف لقومٍ مُطْلٍ يمكن لهم التعامل معه كعمرهم مع أبي موسانا؟
ذلك أنهم لم يعرفوا الرجل بعد
أراهم من آياتِ صدقه، وبراهينِ يقينه، ما يتبيَّن به الحق في أذهان انخبطت بتاريخٍ طويل من المكر، والكيد، وتوحّلت بعيش مقيم في وهمِ كذِبٍ بجِح.
اقرأوا قول الله تعالى: (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)، وستجدون أن الرجل يسعى بشعبه لأن يكون على هذا النحو.
فلم يفهموا الرجل بعد
ظنوه صيدا سهلا، يمكن احتقابُه ومنجزاته إلى طريق لا يخدم الوطن برصفِ أكوامٍ متعفٍّنة من كلمات جوفاء، التي لا رصيد لها في مضمار الواقع، والرجولة، والفحولة، ولا مدَّخر لها في قويم الأفعال؛ فأخطأوا الحساب، وأساؤوا التقدير.
لم يفهموا الرجل بعد
لأنهم لو فهموه لعلم أقصاهم قبل أدناهم أنه واحد من قلائل رعف بهم الزمان، فكان كثير الفعال قليل الكلام، كما اضطرَّ اليوم للتعبير عن هذه الخاصية لديه؛ وهو القائد اليماني المتميز بتنكير (عَلَمِيَّته) الفذّة.
ظنوه واعظا مجردَ واعظ، ولهم أن يأخذوا من عَقْده ما يشاؤون ويذروا ما يشاؤون، فجاءت الصيحة التي صعقت بالحقيقة ورفعت لواءها عاليا، وأنه ساء ما ظنوه ويظنون، بل هو (رجل قول وفعل)، وكان يمكنهم أن يقرؤوا ملخصا بسيطا لسيرته الذاتية لتختصر لهم المسافة الترفية التي سلكوها، لكنه الكذب والزيف حين يتباريان مع ذاتيهما.
لم يفهموا الرجل بعد
ظنوه غافلا، فمدوا الأيدي والأرجل والآناف والأعناق شرقا وغربا، فإذا به ينبذ إليهم على سواء؛ ذلك أنه أدَّبه ربُّه فأحسن تأديبه في قوله تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ)، فكان هذا الخطاب المكاشِف والصريح، وما بعده ليس كما قبله، وجماهير أبي جبريل كقائدها الصادق العظيم، لكن الطبيعي أن يكذبَك من تكذِبُ عليهم.
لم يفهموا الرجل بعد
ظنوه ساذجا؛ فطبخوا المواقف المتلونة، وتلبَّسوا بالازدواج الفاضح، فإذا به يكشفهم على حقيقةِ زيفهم، وهراءِ ادعاءاتهم بأدبٍ جمٍّ، وعبارةٍ راقية.
لم يفهموا الرجل بعد
مضوا معه بطريقتهم المعتادة في ليِّ الكلمات، واعتساف المواقف، وتأويل الأباطيل، والتنكر لصريح الحق، وصادق الموقف، ومكيجة خذيلتهم، لكنه بحقه وقوة موقفه واستقامة طريقته أزهق باطل تلوناتهم، وزيف ادعاءاتهم بضربة معلم واحدة:
والصدقُ أفضلُ ما حضرتَ به . . . . ولربما ضرَّ الفتى كذبُهْ
ومن يكن صدق القول والفعل خلقه، فإنه ذو سلطان باهر، وحجة ظاهرة، وحقه القليل ينسف ركام الباطل الكثير، ولا أرى الكذب إلا نقصا في الرجولة، وخللا في الشخصية، وخذلانا في الموقف، وصدق الله القائل:
(وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً).
فهل فهمتموه الآن؟!
وإلا خشيت عليكم فهما متأخرا، ولات حين فهم.