ما أشبهَ اليومَ بالبارحة!
عبداﻹله محمد حجر
كانت بدايةُ ظهور حركة جماعة” أنصار الله” في اليمن كحركة وفكر زيدي في عام 2000 بقيادة السيد حسين بدر الدين، وكانت انعكاساً طبيعياً لحالة الانفتاح السياسيّ والحريات التي نشأت مع قيام الوَحدة بين شطرَي اليمني عام 1990؛ نتيجة توحُّد نظامين مختلفين في الأيديولوجية السياسية، وقد ظهرت بداية إحياء الزيدية في إنشاء منتدى الشباب المؤمن في عام 1991 الذي كان هدفُه إحياء المذهب الزيدي المنفتح الذي عانى من إهمال متعمَّد وإقصاء منذ ثورة 1962 وحل محله المذهبُ الوهابي المتزمتُ بتدبير وفعل النفوذ السعوديّ المتنامي منذ انتهاء فترة الحرب الملكية الجمهورية بسنوات قليلة وبالتحديد نهاية حكم القاضي عبدالرحمن الإيراني القسرية وَبداية تولّي الرئيس إبراهيم الحمدي رئاسةَ اليمن. وسعى ذلك المنتدى إلى وسيلة المراكز الصيفية لنشر وإحياء الفكر الزيدي وَإحداث تجديد داخل المذهب، انطلاقاً من قواعده الثابتة التي عُطّلت وجُمّدت، وفي مقدمتها الاجتهاد والتجديد، وظهر كذلك في تلك الآونة حزب الحق الذي كان السيد حسين بدر الدين الحوثي أحدَ مُؤَسّسيه وفاز هو والشيخ عبدالله الرزامي في انتخابات 1993 البرلمانية، وكانت القيادة السياسية اليمنية في ذلك الحين تبدى تعاطفَها ودعمها “المحدود” لظهور الفكر الزيدي؛ باعتباره منافساً للمذهب الوهابي الممثل في حزب الإصْلَاح الذي تنامت قوته وانتشاره إلى الحد الذي يهدد بتمكنه من السيطرة على أجهزة ومُؤَسّسات الدولة المدنية والعسكرية عقب ما سُمِّيَ “حرب الانفصال”.
وبدأت نقطةُ مجابهة الدولة مع السيد حسين الحوثي وحركته في عام 2002 بالتزامن مع حادثة تفجير السفينة الأمريكية (كول) والتي أظهرت أن اليمنَ هو الهدف الثاني لتواجد القوات الأمريكية بعد العراق، وكان السيد حسين ألقى محاضرةً حول خطر دخول أمريكا اليمن، حذّر فيها من مخاطر ذلك، ومذكراً بما حل بالعراق وشعبه، وحث أتباعه والأُمة جَميعاً لرفع شعار الموت لأمريكا كعنوان للإدانة الأخلاقية والسياسية والقانونية لمساعي فرض الوصاية الأمريكية وتحصيناً لوعي المجتمع من الاختراق والتطويع للمُخَطّطات والمشاريع التوسعية الأمريكية، وهنا بدأ الدورُ السعوديّ بإيحاء وإملاءات أمريكية للتحريض على هذه الحركة ومحاولة وأدها في مهدها، اعتماداً على النفوذ السعوديّ الكبير في السياسة اليمنية الداخلية والخارجية، بفعل مراكز القوى القبَلية والدينية والعسكرية التابعة لها، من خلال دعم مالي شهري سخي لعشرات الآلاف لقرابة أربعة عقود، فاستخدمت الوسائل الأمنية القمعية والإعلام المحرض طائفياً وعرقياً وعنصرياً وزج إلى السجون العشرات من الشباب والأطفال، وتنامت الإجراءات القمعية إلى الحد الذي شنت الدولة بكافة أجهزتها الأمنية والعسكرية والمدنية حرباً شعواء وغير متوازنة ضد الحركة في عام 2004، واستهدفت صعدة باعتبارها مركَزَ تواجد أعضاء الحركة والمتعاطفين معها واستخدمت كافة الأسلحة المتوسطة والثقيلة والطائرات العسكرية وبما يشبه حربَ إبادة جماعية، رافقها حصار بري محكم وتكتيم إعلامي مطبق وبدعم أمريكي سعوديّ كامل، ولم تسهم تلك الحروبُ الست التي استمرت خمس سنوات “شاركت السعوديّة في الحرب الأخيرة بقوات وطائراتها” إلا زيادةً في قوة الحركة وتنامي فكرها وازدياد مؤيّديها، مما أهّلها إلى أن تشارِكَ في أحداث 2011 بفاعلية وتأثير أهّلها إلى كسب تعاطف ومؤازرة شعبية مكّنها من نجاح ثورة في 21 سبتمبر 2014؛ لإفشال محاولات تقسيم اليمن إلى أقاليم، وكانت الإدَارَة الأمريكية قد تحسّبت عواقب ذلك مبكراً فأغلقت سفارتها وسحبت السفير وأعضاء السفارة وقوات المارينز المعسكرة في فندق شيراتون، وكان ذلك بمثابة التجهيز لشن حرب خاطفة تم الإعلان عنها من واشنطن على لسان السفير السعوديّ “الجبير” في مارس 2015.
وكما هي عادةُ الولايات المتحدة أوكلت المهمة للسعوديّة ومَن تتمكّن من جره من الدول بإغراءات مالية إلى تحالف رمزي للتمويه ولشن حرب كانت تعتقد أنها خاطفةٌ، غير أنها طال أَمَدُها وتعاظمت خسائرها المادية والبشرية وتعرضت سُمعة أمريكا ودول التحالف للتشويه غير المسبوق؛ بفعل الانتهاكات اللاإنْسَانية وجرائم الحرب التي تعرض لها الشعب اليمني بأكمله.
وبات من المحتَّم البحثُ عن وسيلة لإنهاء هذه الحرب القذرة على الشعب اليمني بوسائلَ سياسية، وهنا بدرت لجارة السوء -بناءً على خِبْرتها الكبيرة في اليمن وتواصُل تعاملها مع مَن أدمَنَ العمالة وتقاضِي الأموال منها- محاولةُ خلق فتنة داخلية وشق الصف الوطني المتصدي في جبهة واحدة ضد العدوان، فاستخدمت أموالها النجسة لتحريض بعض السفهاء ومرضى القلوب والمرجفين لاستحضار مفردات الحملة الإعلامية العنصرية الطائفية التي شُنّت في الفترة 2002 إلى 2009 وذلكَ لتهيئة الرأي العام إلى خطط تحيكها الإماراتُ بالتعاون مع السعوديّة وعملائها الدائمين؛ لإحداث خلل أمني وفتنة داخلية تحبط الانتصاراتِ الكبيرةَ للجان الشعبية والجيش في جميع جبهات القتال في الداخل وما وراء الحدود والصمود الذي أبداه الشعب اليمني وأذهل العالَم. ولكن الوطنيين والشرفاء من اليمنيين كشفوا المُخَطّطَ وأبطلوه في مهده.
اللهُ غالبٌ على أمره وسيحبط أعمالَ المنافقين والمرجفين ومرضى القلوب، ولا يحيقُ المكرُ السيءُ إلا بأهله.