صحيفة المسيرة تزور مكان مجزرة العدوان الامريكي السعودي بحق اسرة المواطن حمدي خموسي في منقطة هران بحجة.. وتنقل لنا تفاصيل الجريمة والمآساة التي تعرض لها سكان المنطقة
المسيرة/ وائل شاري:
رنا شقيقة بثينة أيضاً
شهدت مديريةُ أفلح اليمن بمحافظة حجة أسوأَ جريمة مروّعة لم تشهدها من قبلُ، ففي منطقة هران عاش السكانُ أَكْثَرَ من خمس ساعات كانت طائرات العدوان خلالها تصب حممها على المنازل، مخلفةً مجزرةً غير مسبوقة في تلك المنطقة، واستمرت الطائرات تحومُ وتتصيَّد المسعفين، في مشهد وحشي قل نظيره. صحيفة المسيرة زارت المنطقة المنكوبة، حيث الجريمة لم تتوقف عند سقوط الشهداء والجرحى، فامتداداتها تعدت ذلك لتبقى جرحاً مفتوحاً في صدور أَطْفَال فقدوا آباءَهم وآباء فقدوا أَبْنَاءَهم.
“أعيدوا لي أبي وأمي وإخوتي” “أثأروا لنا”.. هكذا قالت لنا الطفلة رنا عندما كانت تردد وبتكرار هذه العبارات الدقيقة والمؤلمة والدموع تنهمر من عيونها وبقلب يملؤه الخوفُ وهي تتلفت يميناً ويساراً، وتكرر كلامها “أثأروا لنا”.
تتضارب الأفكار في رأس الطفلة رنا وهي تتحدث للصحيفة، فتتوقف متسائلة: لماذا عليها أن تتحدث؟ تقول: هل الكلام سيعيد لي أبي وأمي وإخوتي؟ ليس كذلك فقط، فالمأساة يبدو أنها مع الألم منحت هذه الطفلة بلاغةً عفويةً عندما قالت “لن ينفعَني الكلام ولا التصوير، أعيدوا لي أبي وأمي أَوْ خذوا بثأرهم”.
رنا حمدي خموسي -طفلة ذات الثمان سنوات- استشهد جميع أفراد أسرتها أثناء قصف طيران العدوان الأمريكي السعودي منزلَها في كولة هران بمحافظة حجة، في المجزرة التي راح ضحيتها أَكْثَر من 60 شهيداً وجريحاً، رنا شاهدت من على مكان مرتفع غارات الموت الأمريكي السعودي تنزع أرواحَ “أبيها وأمها وإخوتها”، في غاراتٍ متتاليةٍ لا لذنب اقترفوه سوى التعطش للقتل فقط لا غير.
رنا كانت خارج المنزل أثناء قصف العدوان لمنزلها ترعى اثنتين من الشاه وتجمع الأحطاب في منطقة ترتفع عن المنزل بحوالي 500 متر، كانت تراقب الغارات بعينيها الداكنتين التي تحمل الحرية والحزن في آن واحد، كانت تشاهد الموت يتخطف أسرتها الواحد تلو الآخر، بل ويتخطف أرواح كُلّ من حاول الاقتراب لإسعاف الجرحى.. حينها أيقنت أنها فقدت أُسرتها وجيرانها، ساعتها دعت أَبْنَاء قريتها للأخذ بثأر أُسرتها والحزن يملأ قلبها.
موقفُ الطفلة رنا وشعورُها بالحزن والألم ذكرتنا بالطفلة البريئة بثينة التي قصف العدوان منزلها بالعاصمة صنعاء وفقدت على إثرها أباها وأمها وإخوتها غير أن بثية كانت محظوظة نسبياً، إذ أن الإعلام سلّط الأضواء عليها لوقوع هذه الجريمة المروَّعة في العاصمة صنعاء، وبالتالي تهافتت عليها الكثير من المنظمات وشكلت رأياً عاما عالميا يحاكم القتلة حتى استطاع العدو السعودي بمساعدة خونة ومرتزقة الداخل من تهريبها للسعودية متوهماً بأنه بهذا العمل القبيح ستفقد هذه القضية بريقها خاصة أنها أزعجته بشكل كبير ووضعته في الخانة الصحيحة وهي “قاتل الأَطْفَال”.
هناك الكثير من الأَطْفَال حالتهم كحالة بثينة ورنا في مختلف المحافظات والمدن اليمنية، هؤلاء الأَطْفَال اليوم يطالبون بالثأر من القاتل وهو العدو الأمريكي السعودي.
رنا اليوم ليست كباقي الأَطْفَال فهي في حالة من الحزن والأسى؛ بسبب هول ما حدث، تنتابها نوباتُ البكاء الهيستيري، والصمت لساعات طوال، تذهب إلى قبور أسرتها وأمها، أبيها، إخوتها وتسأل مَن يعيدهم إليها، وتطالب بالاقتصاص والثأر من القتلة.
تحولت أجساد عشرات المواطنين والأَطْفَال خلال دقائق إلى أشلاء؛ بسبب قصف العدوان الأمريكي السعودي لمنزلين بعشرات الغارات وذلك في تحدٍّ جديد وصارخ للمجتمع الدولي ولكل القيم الإنسانية والدينية والأخلاقية والعُرفية، في منطقة هران مديرية أفلح اليمن بمحافظة حجة.
لم نسمع من قبلُ أن استهدفت جثث الموتى حتى في أعتى الحروب، لكننا أيقنا أنه ليس غريباً من قبل هذه العصابة المجرمة التي أدمنت القتل أن تستهدف حتى مقابر الموتى، المكان في هران يخيم عليه الحزن والأسى ويظهر على أهله الصمود والأنفة والكبرياء، لم ترهبْهم غارات القتل، فقد حاولوا الوصول إلى الجرحى ليكون المسعفين ضحايا جدداً لهذه الغارات، وليس بغارة واحدة ولكن بعدة غارات، حيث استُهدف المسعفون بأَكْثَر من اثنتي عشرة غارة، تم استهدافُ سيارات الإسعاف والدراجات النارية أَوْ ما تسمى “بالمترات” وحتى المارة بالطريق، لم يكن رجال منطقة هران بمفردهم يحاولون إسعاف الجرحى، ولكن كانت شقائقهم في مقدمة الصفوف، نساء هران أيضاً ضربن أروعَ الأمثلة للمرأة اليمنية الصابرة والمجاهدة التي لا تخاف من صواريخ وطائرات العدو السعودي الأمريكي.
جريمة لن يمحوَها التأريخ
جبل هران أَوْ كولة هران إحدى قرى عزلة الجوانة والقطابية بمديرية أفلح اليمن التابعة لمحافظة حجة، يبلغ تعداد سكانها 136 نسمة حسب تعداد اليمن لعام 2004م، اسم هذا الجبل الشامخ سيظل في ذاكرة اليمنيين والعالم أجمع ولن يمحوه التأريخ، صمود أسطوري سجّله أهالي المنطقة ضد أعتى قوة عسكرية، مرغ أهالي المنطقة سمعتها في وحل الطين والتراب، بل كشفوا للعالم وللمتشككين في عدوانية دول العدوان السعودي الأمريكي وحقدها على المواطن اليمني البسيط، المشهد يبوح عما جرى من وحشية بربرية لم يرتكبها هولاكو التتري في غزوه لبغداد، وشتان ما بين بغداد وهران، هنا الصمود والحمية والغيرة والإيثار، عشرات الغارات استهدفت منزل المواطن البسيط حمدي ديك الجماعي واستشهد هو وأسرته جميعاً، ولم يتبقَّ من هذه الأُسرة سوى رنا التي تحدثنا عنها خلال الأسطر الماضية.
الثأر أولاً
جميعُ أهالي هران أبدوا رغبتهم في الثأر والانتقام من المجزرة التي ارتكبت ضدهم يوم الثلاثاء الموافق 7 / 11 /2017م واستشهد على إثرها 22 شهيداً وجرح 16 مواطناً مدنياً، في سلسلة غارات استمرت من الساعة 11 صباحاً حتى الساعة 5 مساء، في أبشع مجزرة ارتُكبت بحق المدنيين العُزّل، حاول العدوان فيها بث الرعب في قلوب المواطنين الصامدين، وتعتبر المجزرة مهزلة تأريخية بحق المسعفين وفرق الإنقاذ يندى لها جبين البشرية أجمع.
الحاج خموسي يصف لنا المجزرة
أيضاً التقينا في صحيفة المسيرة بالحاج/ علي محمد صالح خموسي جد الطفلة رنا من أمها، والذي فقد ابنته زوجة صاحب المنزل المستهدف وثلاثة من أبنائها وزوجها، وكذا فقد أخاه عبدالله خموسي وولده مصطفى.
الحاج محمد صالح يحدثنا بقلب يملؤه الصبر والثبات والاحتساب يحدثنا عن ما جرى، وقال: وقع القصف على منزل زوج ابنتي ولم أكن أعلم أن الغارة استهدفت المنزل أَوْ حتى منطقتنا، كنت أعتقد أن هذه الغارة بعيدة نسبياً، قمتُ وتوضأت وخرجت للمسجد لصلاة الظهر وإذا بالغارة الثانية تضرب المكان نفسه وشاهدتُ الدخان يتصاعد بشكل كثيف.
حينها ذهب أخي عبدالله وأولاده مصطفى وصقر ومحمد، لإنقاذ الجرحى وهم أول من وصل من المسعفين، وتم استهدافهم بغارة واستشهد على إثرها أخي عبدالله وابنه مصطفى، وجُرح ولداه صقر ومحمد.
شقائق الرجال حاضراتٌ وبقوة
وقال الحاج خموسي إنه بعد ذلك ذهبت زوجتي وبناتي وأختي لإسعاف الجرحى وكن في الساحة التي تقع أعلى المنزل من جهة الشمال، فيما كان المسعفون الآخرون أسفل المنزل من جهة الجنوب وهي الجهة التي قصفها الطيران بعدة غارات وقتلت المسعفين، وعادت النساء مرعوبات والصواريخ تنهمر كالمطر على المكان، وأصبن بحالة من الهلع والذعر من المشاهد المؤلمة والنساء المسعفات هن روضة أحمد خموسي ابنة أختي، وفاتن محمد منصور خموسي زوجة الشهيد مصطفى ابن أخي، وأشواق علي خموسي ابنتي، وأختي فاطمة محمد خموسي، وزوجة أخي الشهيد عبدالله خموسي، تيسير علي محمد ديك، وسميرة عبدالله خموسي، وقد عُدن جميعاً بألطاف الله بدون إصابة بجروحٍ أَوْ أذىً.
الموت ينزل على إخواننا ولن نتركَهم يموتون
وأتى بعد ذلك أَبْنَاء بناتي من قرية المجبر إلى قريتنا النوابة بهران وهم وليد أحمد عبدالله وداوود محمد عبدالله ومحمد معيض خموسي وأحمد محمد المعازي وَمليار أحمد الملاهي وإبراهيم ملاهي وأحمد بيرم ملاهي، وتحركوا من عندي من المسجد وحاولت أمنعهم من الذهاب، وكنت أصيح فيهم تمهلوا انتظروا حتى تقفَ الملعونة من التحليق، وأقصد طائرات العدوان، ولكن شيمتهم وغيرتهم منعتهم من الانتظار وقالوا “يا جد، الموت ينزل على إخواننا، والله ما نتركهم يموتون”، وتحركوا من عندي وجاءوا إلى منزل حمدي من جهة الجنوب ولكن الملعونة قصفتهم بصاروخ وتطايروا أمام عيني مثل الأوراق التي تطير في الهواء، وكان ارتفاع أجسادهم حوالي 20 متراً وأَكْثَر في الجو واستشهدوا جميعاً.
قصف المسعفين
وجاء مسعفان آخران هما رضوان خموسي وعلي يحيى جديك الجماعي على متن دراجه نارية، وتم قصفهما بصاروخ وتطايرت أجسادهما في الهواء ولم يجدوهما إلا أشلاء ممزقة.
الجهاد واجب ديني مقدس
ووجّه الحاج علي محمد صالح خموسي نداءً لأَبْنَاء المنطقة وقال: الجهادُ واجبٌ مقدس ويجب تقديمه على أي شيء آخر، فقد نزل الموت والخراب والدمار على رؤوسنا كالمطر، ويستطرد قائلاً: لكن من اليوم سنكون حاضرين في مختلف الجبهات للثأر من العدوان الأمريكي السعودي، والدخول إلى أوكارهم والنصر بإذن الله حليفنا؛ لأننا أصحاب حق وأصحاب قضية عادلة، وسنجهّز الشباب من الآن للالتحاق بالجبهات، بالعزة والكرامة.
ودعا الشعبَ اليمني إلى عدم مشاهَدة قنوات الدجل والكذب والنفاق التابعة لدول العدوان كقناة العربية والحدث؛ كونها تزيّف الحقائق، وكاذبةً، وعرفنا الآن أن الشعب اليمني مظلوم وما يحدث للشعب هو كما حصل لنا من ظلم؛ كوننا مدنيين ولا توجد أسلحة لدينا ولا معسكرات ولا أية ارتباطات بأية قيادات كبيرة أَوْ صغيرة.
وقال الشيخ أحمد عبدالله خموسي -شيخ منطقة هران والذي استشهد ابنه وأخوه وأصهاره وهو طاعنٌ في السن ويُعاني من العديد من الأمراض المستعصية-: لقد نكّفنا بمعنى “حشدنا” جميع القبائل للأخذ بالثأر من هذا العدوان القاتل المتجبر والظالم والذي لن يردعه إلا مقاومته بكل السبل، خاصة أن هذه الجريمة تعتبر جريمةً بحق الإنسانية، كما أنها بحسب جميع المواثيق والأعراف الدولية تعد جريمة حرب إبادة تعاقب عليها كُلّ التشريعات السماوية والإنسانية.
وفي ختام حديثه لصحيفة المسيرة يقول الشيخ خموسي “لهذا سنعمل من اليوم على تجهيز المقاتلين للالتحاق بمختلف جبهات القتال، ومستعدون لرفد الجبهات بالمال والرجال والعتاد وبكل ما يحتاجونه.. مطالباً الحكومة بالاهتمام بأُسَرِ الشهداء ومعالجة أوضاع النازحين من المنطقة”.