مجازر آل سعود في اليمن
عبدالرحمن مراد
في تأريخِ العرب الجدَلي مساراتٌ لا يمكنُ القفزُ على حقائقها الموضوعية، فالذي يحدُثُ اليومَ لا يمكنُ فصلُه عن سياقه التأريخي، فنَجْدٌ كانت تُكِنُّ عداءً شديداً لعرب الجنوب؛ شعوراً منها بحالات قهرية، أَوْ شعوراً بقيمة مفقودة، وقد توالت قصصُ التأريخ ومآسيه في هذا الباب، فقصةُ عبد يغوث الحارثي التي خلّدتها بكائية الشهيرة “ألا لا تلوماني كفى اللوم ما بيا” ليست إلا حلقة في سياق سلسلة طويلة من الأحداث تبدأ من العصر الجاهلي وتمر بالعصر الإسْلَامي، ولا تحط الرحالَ عند القصص التي ترويها كتبُ الأخبار في العصر الأموي، بل تواصل المطايا السيرَ إلى العصر العباسي، وعصر الدويلات، وُصُـــوْلاً إلى العصر الحديث الذي شهد حادثة “تنومه”، والصراع بين الإمام يحيى وعبدِالعزيز، ولعل الذاكرة الشعبية اليمنية تختزن الكثير من الأحداث عن جيش عبدالعزيز الذي اجتاح تهامة حتى وصل الحديدة، وكيف تعامل مع أهل اليمن، وهي قصصٌ تتحدث عن حقدٍ دفين، وسلوك متوحش، كتب عنه البعضُ وأغفلته السلطاتُ؛ لأسباب سياسية في جل العقود الماضية، وجل ما هو مكتوب لم ينشر بل ما يزال مخطوطاً، ولعلَّ في نشره وبعثه بياناً للحال الذي عليه النظام البدوي العشائري السعودي، فهو نظام يمتد من جذر تأريخي لا يكادُ ينفكُ عنه في أية مرحلة.
فاليوم الذي نشهَدُ عدوانَه ليس منفصلاً عن ذلك الماضي الذي لم نبعثه من بين رفوف المكتبات، ونعيد صياغته بياناً وتبياناً للناس، حتى يعرفَ أهلُ اليمن أن نجداً التي توغل في بدويتها الصحراوية لم يتمكن الإسْلَام من تغيير بنيتها الثقافية ولا تقاليدها الاجتماعية وأنها ما تزال تنسج هذا العداء القديم في صور وأشكال عصرية.
بالأمس القريب شنت طائرات العدوان سلسلة من الغارات على منطقة هرَّان بمديرية أفلح اليمن بمحافظة حجة أودت بحياة ستين شهيداً من المدنيين، تلك الغارات لم تفرق بين أي نشاط عسكري، وحي سكني، منذ بدا العدوان إلى اليوم، وهي في هران وفي غير هران تستهدف المدنيين والمسعفين على حَدٍّ سواء، مبالَغةً في الحقد وإظهاراً له في كُلّ التفاعلات والنشاطات العسكرية والأمنية أَوْ السياسية والثقافية والاجتماعية، ولعل الناس في اليمن ما تنفك تتذكر حادثة إحراق اليمنيين في مقلب القمامة في جيزان، والعنف الذي يمارسه حرس الحدود مع أهل اليمن والذي يدل على غياب الوازع الديني والأَخْلَاقي وغياب البُعد الإنْسَاني عند نظام لم يكن إلا صورة مماثلة لما هو كائن في كُلّ حقب التأريخ المختلفة.
ففي حين ما يزالُ الإنْسَانُ اليمني يذكر مجزرة تنومة وقصص السطو على الحجاج اليمنيين القريبة العهد بالناس ويتسامرون على العداوات التأريخية لعرب الشمال من سكان نجد، وجرائم فيصل ابن عبدالعزيز في غزوه لتهامة حتى وصوله مدينة الحديدة بمساندة الإنجليز مطلع القرن العشرين، ها هم آل سعود يقومون بذات الدور التأريخي الحقود لهم، فمجزرة هرّان ليست الأولى، ولا نظن أنها ستكون الأخيرة، فهي جزءٌ من سلسلة الألم التي شهدها اليمن منذ مارس 2015م إلى اليوم.
عشراتُ المجازر التي يندى لها جبين الإسْلَام، وتخجل منها ضمائر الإنْسَانية، تحدث في ربوع اليمن من صعدة إلى حجة وُصُـــوْلاً إلى صنعاء ومروراً بالحديدة وكل الاماكن التي شهدت هذا العهر المقيت لآل سعود وأهل نجد بشكل كلي.
لم تكن وصيةُ عبدالعزيز التي يتداولونها في زعزعة استقرار اليمن إذا رغبوا في بقاء دولتهم إلا تعبيراً عن سلسلة طويلة من الحقد الدفين؛ لذلك فالحديث عن نهضة اليمن في ظل بقاء هذه الأسرة هو حديثٌ عن فراغ وعدم؛ لأن نهضة اليمن ترتبطُ بزوال هذه الأُسرة وتفكيك سلطتها حتى يتنفس أهل اليمن والعرب قاطبةَ الصعداء، فهذه الأسرة بحكم النشأة ارتبطت بالمشروع البريطاني في التقسيم والتوازن الإقْليْمي وها هي تكتب نهاية تراجيدية من نفس المنطلق، أي من خلال ارتباطها بمشروع الشرق الأوسط الجديد في التقسيم والتوازن الإقْليْمي.
فجُلُّ ما يقوم به ابنُ سلمان يؤشّر إلى النهاية التي تنتظرُ سلطتَه في المستقبل المنظور، فالمستبدُّ الذي يتحول شعبوياً بين ليلة وضحاها محكومٌ عليه بالفشل وفقدان السلطة.