حماس.. المشي بين الألغام
الحبيب بوعجيلة
بترديدِه مرتين من أمام الميكروفون لشعار “للقدس رايحين.. شهداء بالملايين” كان رئيسُ المكتب السياسي لحركة حماس حريصاً على “كلمة السر” لجعل خطاب “ساحة الكتيبة” بغزة اليوم “رجع الصدى” وَجواباً “رسمياً” من الجناح السياسي وناطقه على خطاب “الضاحية الجنوبية” لناطق محور المقاومة ببيروت منذ يومين.
الجواب بدقته بالإضَافَة إلى رمزية الشعار كان في تحديد المسارات الثلاثة كعنوان للخط السياسي في المرحلة. وضع هنية إعْلَان “القبول” بتشكيل الغرفة الاستراتيجية الموحدة لفصائل المقاومة العربية الذي اقترحه نصرُ الله بين مسارَين فكان ثالثهما.
المسارُ الأول إعْلَان سياسي للتمسك بمسار الوحدة الوطنية الفلسطينية بكل تبعاته في علاقة بالمشهد الرسمي العربي وَرُعاة الوَحدة الوطنية بسقفها “التفاوضي السلمي”، كما أقره الراعي المصري. وَالمسار الثالث هو الدعوة لإعْلَان الانتفاضة الشعبية في الأراضي المحتلة ضماناً وَعُمقاً للمسارين الآخرين.
أما المسار الثاني بين الأول وَالثالث فهو القبولُ بالتنسيق مع غرفة “الكفاح المسلح” المشتركة كمقترح لمحور مقاومة “ليس له مشكل بممارسة المسار الأول أي المسار التفاوضي وَإن كان لا يؤمن بجدواه” (كما قال خطاب الضاحية) وَيدعم المسار الثالث طبعا(الانتفاض) لعدم تناقضه مع التعبئة للمعركة الكبرى.
الجناحُ السياسيُّ للحركة كان يجب اليوم أن يُجيب. وَالجواب عسير وَصعب، وَلكن صياغته بهذه المرونة البراغماتية يعني أن “الحركةَ” تتعافى من ارتباك المسارات بعد عاصفة “الربيع” التي وضعتها بين “سياسي” وَ”قسام” في قلب الإعصار.
حماسُ.. الحركة الإخوانية المركزية في تيار “إسْلَام سياسي اخواني” يعيش أعسر محنه على امتداد 80 سنة منذ ظهوره. وضعه الربيعُ العربي على رأس المستفيدين وَأخرجته “صناديق الانتخاب” الطرف السياسي العربي الأول في دول “الربيع” لتقذف به “الطبخة الغريبة” في سوريا إلى جحيم “التمزق” بين لعب دور لم يحدد منتهياته وَالانتهاء بدور ضحية يريد “الخاسرون” مسح كُلّ “خيباتهم” فيه. فإذا هو يتيم تائه، لا هو من مقاومة عربية منتصِرة ناهضة وَلا هو من “مدنية سياسية” شريكة في “نظام سياسي عربي رسمي” لا يرتاح إلَيْه حتى لو تقدم “إسْلَاماً ديمقراطياً” منزوع الدسم، إذ لا مفر من أن يواصل مهمته في “شيطنة” إسْلَام راديكالي مقاوم باسم مذهبية أَوْ عرقية لا يرتاح كَثيراً لو قبل بها خُصُوصاً في وضع الحيرة التي يعيشُها “الأخ العثماني الكبير” وَ”الراعي القطري الصغير”.
ورطةٌ رهيبةٌ حاولت حماس منذ أشهر أن تتخطاها بتقدم الجناح المسلح (القسام) نحو حلفائه الحقيقيين المضمونين (إيران وَحزب الله) وَاشتغال الجناح السياسي على تدوير الزوايا مع معسكرات متناقضة في المنطقة. محور المقاومة لم يُعسر الانعطافة على “الأخ العائد” رغم صعوبات حقيقية في علاقة بالنظام السوري الرافض للتسوية مع حماس.
غير أن الصعوبات تبقى ماثلةً في علاقة بسلطة فلسطينية لم ترتح يوماً للشريك “الغزاوي” سواء ذهب إلى محور قطري تركي يقود “ربيعاً” أَوْ محور مقاوَمة يقود مواجَهة. فالسلطة بطبعها ميّالة باستمرار إلى “محور غموض رسمي عربي” أدمن التفاوض وَالتنازلات.
في خطاب اليوم كان “الناطق باسم الجناح السياسي” يمشي بين الألغام وَكانت فقرة “حسم التحالفات” أصعب “الجُمل السياسية” في الصياغة وَالتركيب. قال إن القدس قضية الجميع وَسنذهب لجميع من يذهب إليها ببوصلة الوحدة الوطنية (السياسة) وَلكن نذهب أْيْضاً لمن يقصدها ببوصلة “الغرفة المقاومة” و”الانتفاض”.
لكن ما سيبلغ “الرسميين” أن “الحركة في الغرفة”. ولذلك ما بعده.