الرقصة الأخيرة!
زيد البعوة
لطالما عَزَفَ بالكمان المفخخ على نحور خصومه ولطالما دق الإيقاعات الملغومة على جماجم أعدائه كان بارعاً في العزف على أوتار الخيانة والخداع إلى درجة أن ترنيماته تدوّخ معارضيه وتودّي بهم إلى الهلاك وإلى درجة أنه كان امبراطور السيمفونيات السياسية وموسيقار الحروب والصراعات الداخلية كُلّ عام وله ألبوم جديد وكل فصل سنوي ينزل له أكثر من فيديو كليب ليس في مجال الغناء الرومنسي والغرامي بل في مجال السياسة والحكم والتسلط والكذب والخداع كان فريداً في عالمة إلى درجة أن المبغضين له يحبون الاستماع إلَيْه وتقليده وأخذ الدروس منه في فنون المراوغة والنفاق والتغلب على الحاقدين عليه..
قال ذات يوم مقولته المشهورة (إن الحكمَ في اليمن كالرقص على رؤوس الثعابين)، وفعلاً استطاع هذا الراقص السياسي أن يكون الأول والأبرز في مجال الرقص الفريد من نوعه والذي يختلف تماماً عن هز الخصر وتمايل الرؤوس في الحفلات والأعراس والأفراح والنوادي الليلة بل كان أخطر من كُلّ أولئك الرقاصين جميعاً لم يتعلم الرقص في مدرسة هندية على أيدي شاروخان أَوْ سلمان خان أَوْ غيرهما بل صنع رقصة وحيدة فريده ظل يمارسها 33 عاماً أثناء فترة حكمه في اليمن بعد أن استطاع أن يتخلّص من الغشمي والسلال ويغتال إبراهيم الحمدي، ثم بدأ مسيرة الرقص في القصر الجمهوري بصنعاء رغم الكثير من المعوقات التي هزت مسرح الرقص التابع له..
كان سياسياً من الطراز الأول، لكن سياسيٌّ في ما يخدم مصالحه هو وليس في ما يخدم مصالح الشعب اليمني تعرضت مسيرة الرقص الذي كان يمارسه لأعوام طوال لعدد من الهزات لكنه لم يتأثر بل يظل يمارس رقصته الثعبانية في الوقت الذي هو يخمد أي نار تشتعل تحاول أن تنال منه في عام 90 استطاع هذا الراقصُ الماهر أن يصلَ إلى اتّفَاقية مع الجنوب اليمني بقيادة علي سالم البيض تفضي إلى توحيد اليمن، وكان نصراً خاطفاً لكن هذا الرقاص المبدع كان يحاول أن يلقيَ بنائبه مِن على المسرح السياسي إلى خارج السهرة من خلال التهميش والاقصاء والتخوين واستطاع فعل ذلك في عام 94 حين القى بالبيض خارج اليمن بتهمة الانفصَال بعد أن ارتكب ابشع الجرائم بحق الجنوبيين ثم احتفل على ساحل البحر العربي بذلك النصر وهو يمارس رقصته المشهورة..
واستمر الرقاص يلعَبُ على الحبلين في الجنوب والشمال ينهب الثروات والأموال ويشيدُ مملكةَ عفاش الحميري تحت مسمى الجمهورية خاض أكثر من عملية انتخاب رئاسية، لكنه هو من كان يختارُ منافسيه كنوع من أنواع رقصاتِه، ليُظهِرَ أمام العالم أن هناك حريةَ اختيار الرئيس والحاكم في اليمن، كان يرقص في سياسته مع دول الوطن العربي رقصاً شرقياً كزعيم محنك يُرضي هذا ويُداري ذاك، وفق ما ترضى عنه إدَارَةُ القصر الملكي في الرياض الذي كان يعبد ملوكَه أكثر مما يعبد ملك السماوات والأرض، أما مع دول الغرب فقد كان يرقص لهم رقصات غربية عجيبة يؤيدهم ويمتثل لأوامرهم ثم يظهر في نفس الوقت على أنه خصم لدود لهم فكانت رقصته تعجبهم إلى حد الثمالة..
كان يرقُصُ حتى في مجال التعبد والصلاة والصيام، يرقص رقصات لم ينص عليها فقهُ الإسْلَام، يدعم الإخوان المسلمين ويبني لهم جامعةً سمّاها جامعة الإيمان، وسمح بتغيير المناهج وفق الدين الوَهَّابي المستورد من السعودية، أما بخصوص المذهبين الزيدي وَالشافعي اللذين هما أعمق وأقدم مذهبين في اليمن فقد رقص معهم رقصةَ الإقصاء والتهميش ومحاولة المسخ والتخلص منهم وأي عالم دين أَوْ حركة تحرر تناهض المشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة تبرز في اليمن يرقص عليها رقصةً بعنون التمرد والإمامة والكهنوتية ويقتل مَن يؤيدها أَوْ ينتمي إليها ويحتفل بعد ذلك بالجمهورية وهو يرقص رقصته المعتادة..
رقَصَ خلال العدوان على أكثر من صعيد، كان يوهم الشعب أنه ضد العدوان، لكنه كان في الخفاء على تواصل مع قادة دول العدوان وتنسيق مباشر معهم، للعمل لمصلحتهم وعرقلة أية أعمال من شأنها إصْلَاح الوضع في الداخل وتعزيز الصمود الشعبي في مواجهة العدوان، كان من خلال حكومته ومعاونيه يعمَلُ على اللعب بمؤسسات الدولة بالمراوغة والمكر وسياسية المد والجزر، ثم حاول أن ينقلب في ذكرى تأسيس المؤتمر ويعلن مبادرة استسلام، لكنه فشل بسبب وعي الشعب اليمني والتفافه حول القيادة الثورية كانت الرقصات المشؤمة الأخيرة غير موفقه، مما اضطره ذلك إلى استخدام تكتيك جديد يعتمدُ على الجانب الأمني والعسكري لعل وعسى ونجحت الرقصة الأخيرة..
لكن نهاية عام 2017 وتحديداً في يوم الثاني من ديسمبر قرّر صالح أن يخلعَ القناعَ عن وجهه وَأن يكشفَ حقيقتَه للناس ويمارس رقصتَه المشهورة، وهو لم يكن يعلم أنها ستكون الأخيرة انقلب علي عبدالله صالح على أنصار الله وأيّد دولَ العدوان على اليمن، ودعا لفوضى عارمة في اليمن تحت ما يسمى استعادة الجمهورية، رقص صالح يوم الثالث من ديسمبر على جثث وأشلاء الكثير من المواطنين في صنعاء؛ بسبب أعمال تخريبية بقيادته هو وقيادة ابن اخية طارق عفاش، لكن يوم الرابع من ديسمبر كان بمثابة تأريخ الانتهاء، حيث رقص صالح رقصةَ الموت وهو في طريقه إلى مأرب، ليلتقيَ بقياداتٍ إمَارَاتية وسعودية ليساعدهم على احتلال صنعاء واستعمار اليمن، بعد أن هزم وفشل في صنعاء رقص ملك الموت على جُثمانه واختطف روحَه الشريرة وأنهى اللعبة، قُتل عفاش وفشل مشروع العدوان وبقي اليمن حُرّاً عزيزاً يقاوِمُ الطغاة والجبابرة والمعتدين بعد أن استطاع اليمنيون أن يقدموا لدول العدوان درساً وعبرةً من رقصة صالح الأخيرة.