التخبط ومؤشرات التورُّط
حمود عبدالله الأهنومي
لما هزَمَت ثورة 21 سبتمبر عملاءَ السعودية في اليمن أعلَنَت عدواناً شاملاً دمّرت الأخضر واليابس فيه، فجاءت الأحداث والوثائق لتكشف أنهم بالفعل كانوا أدواتٍ سعودية رخيصة لتدمير اليمن وإن بطريقة ناعمة، ومن خلال مفاصل القرار السلطوي، والأمرُ ذاتُه يتكرَّر اليوم؛ إذ تسارعت أحداثٌ كبيرة وعلى مستوى العالم عقبَ سقوط أخطر ورقة كان العدوان على وشك الاستثمار القبيح فيها، ألا وهي ورقة الخيانة.
بعد سقوط تلك الورقة تحرَّكت بريطانيا بشكلٍ منزعج، ودعت إلى تشكيل تحالف واسع ضد (أنصار الله)، وبالأمس أمريكا خرجت على العالم لتقيم معرضا مزعوما للأسلحة الإيرانية، ومنها مزعوم بقية صاروخ يمني ضرب مطار الرياض في الشهر الماضي، وأصاب العالم بدوَّارٍ مذهِلٍ لا تزال آثاره حتى اللحظة؛ وفي ذات الوقت تفاجأ المراقبون بالتئامِ شملِ قيادة مرتزقة الإخوان (اليدومي والآنسي) مع قيادة العدوان (بن سلمان وبن زايد)، وهم الذين قد قالوا في بعضهم أشد مما قاله (مالك في النبيذ).
هذه الأحداث – على تخبط كثير فيها – هي مؤشِّرات أكَّدت أن دول الاستكبار والاستعمار كانت على ارتباطٍ مباشِرٍ بمشروعِ الخيانة التآمري، إذ تعتبر ردة فعلها متشنِّجة ومباشرة، ولا تحتمل تفسيراً سوى أنها نتيجة فشل ذلك المشروع القبيح، وإذا اشتبه عليكَ حدثٌ من الأحداث ولم تعرف صانعيه فانظر رداتِ فعلهم ذات العلاقة؛ فإنه لا ينبِّئك مثلُ تحَـرّكاتهم السريعة والعنيفة والمتخبطة تجاه ذات الخصم؛ وهذا ما اتضح جليا في تلك الأحداث، وفي ازدياد وتيرة القصف العنيف واستهدافِ المواطنين بمجازر يومية متكررة على نحوٍ غير مسبوق.
إن هذا بقدر ما أشار إلى أن العدوان على اليمن هو في الأساس مشروعٌ أمريكي بريطاني صهيوني، يشير أْيْضاً إلى حجم رهان أولئك المعتدين على تلك الورقة الساقطة؛ وهو الأمر الذي أكَّدته حالاتُ الدفاع المستميت عن أمريكا، الصادر عن مطابخ السياسة والإعلام الخيانية، وكذلك الوثائق التي عرضتها قناة المسيرة عن تواصلات زعيم الخيانة بالسي آي أيه، لكنه (أي النصر) يُبرْهن على عظيم منة الله ونعمته بالانتصار الاستراتيجي والساحق والسريع والمفاجِئ لكل المراقبين، الذي امتنَّ الله به على عباده من أبناء شعب الإيمان والحكمة.
من الواضح أنه كان فعلا لدى أحرار اليمن مقوِّمات انتصار مادية جيدة، وأسباب كافية مؤهِّلة للفوزِ في هذه الجولة من المواجهة، وكان لديهم من نقاطِ القوة ما أساء تقديرَها وتأثيرَها وحجمَها المخطِّطون والمنفِّذون لمشروع الخيانة، والتي أقلُّها القيادة الشجاعة والحكيمة، والحضور الشعبي، والثبات النفسي، والاستعداد الروحي والقتالي الجماهيري، والنخبوي، ومتانة الهيكل الإداري الممتد في كُلّ مناطق اليمن، وشعب تعوَّد على مواجهة أخطر المشاريع وأفظعها، غير أن النصر بتلك الضربة القاضية والسريعة والحاسمة والمفاجئة والمرتَّبة، لم يكن سوى منةٍ امتنَّ الله بها على عباده الصادقين، ونجَّى الله من وعثائها هذا الشعبَ الميمون، ولتكون بشرى لهم بالنصر الكبير على أعتى عدوانٍ عرفه التأريخ الحديث.
هذه البشرى هي التي تؤهِّل اليوم أحرارَ اليمن لأن يكونوا بقدرِ تحدياتِ المحنةِ الأكبر، والمرحلة الأخيرة والأخطر، التي ربما أزمع هؤلاء المعتدون على تنفيذها مجتمعين، ولكن الذي لا يغيبُ عن وعيِ أبطالنا المجاهدين من أبناء شعبنا أن اللهَ الذي نصر عباده وثبَّـتهم خلال ألف يوم مرَّت في ظروفٍ أضعف وأصعب، هو القادر على تثبيتهم ألف يوم آخر، وفي ظروف أقوى، وأجدى، وأسهل، سيذوق فيها المعتدون أليمَ النكال، وصروفَ الهزائم.
بشرى النصر تستلزِم – شكرا لله من كُلّ يمني حر – وصلَ المواجهة بمواجهةٍ أشرس، والثباتَ بثباتٍ أقوى، والتحرُّك بتحرُّكٍ أكبر وأكثر وأشد وأهم، وغداةَ الانتصار سيعلَم العالَمون أن اليمنيين باتوا قوة عظمى؛ ليس لأنهم هزموا السعودية والإمارات، بل أمريكا وبريطانيا وغيرهما من قوى الاستكبار، بما لديهم من أحدث وأفتك وآخر صناعاتهم العسكرية.
(وما ذلك على الله بعزيز).