1000 يوم من الإجرام و1000 يوم من الصمود والانتصارات
إبراهيم محمد الهمداني
لم تكُنْ تتوقَّعُ قوى الشر والإجْرَام والعدوان أنها ستتورَّطُ في عدوانها على اليمن إلى هذا الحد؛ لأنها عملت على تهيئةِ البلاد لتقبُّلِ هذا العدوان والاستسلام لهيمنته وتسلطه، من خلال الإعداد المسبق الذي استغرق مراحلَ كثيرة، لعل أهمها مظاهر نفوذ السفارات الذي كان سائدًا كأمر حتمي لا مناصَ منه ولا سبيلَ لتغييره، وكأن تلك السفارات كانت تمارِسُ الحق الإلهي في تدخلها السافر في كُلّ صغيرة وكبيرة من شئون البلاد، حتى بلغ الأمرُ حدًّا لم يعد فيه للوزير أَوْ المسئول اليمني أية صلاحيات أَوْ قرار أَوْ نفوذ، ولم يعد لأوامره أي مسار للتنفيذ من قبل موظفيه، وكان عليه الرجوع إلى السفير الأمريكي أَوْ السفير السعودي لطلب الإذن منهما بإصدار أمر ما أَوْ طلب مباركتهما في تعيين ما، أَوْ طلب وساطتهما في الحصول على ترقية أَوْ منصب جديد، في وضع مزرٍ للغاية أقل ما يمكن وصفُه بالاستلاب المهين والتبعية المطلقة، وكان هذا هو حالُ البلاد الفاقدة للسلطة والسيادة واستقلال القرار، ثم تلا ذلك تفتيتُ مختلف مُؤَسّسات الدولة، وخَاصَّة المُؤَسّستين الأمنية والعسكرية من خلال الهيكلة، بالإضَافَة إلى تفتيت بُنية المجتمع وإضعاف عُرَى روابطه، وبث سموم الصراعات والمماحكات الحزبية والمذهبية والسياسية، وإيهام عامة الناس بأن القرارَ بأيديهم، وأن الشعب يريد، وما يريده الشعب هو الشرعية المطلقة، والأمر الواجب التنفيذ على وجه السرعة، ليكتشف الشعب في الأخير، وفي خضم الأحداث السياسية المتعاقبة المتوالية بما تحمله من تناقضات وصدمات وخيبات أمل، أنه لا يملك من أمره شيئًا، وأنه قد تحول من صاحب سلطة وقرار، إلى مسلوب الإرادَة موقن بالهزيمة، كُلّ ما يمكنه فعله هو تبرير أخطاء الساسة، واختراع الأعذار الوهمية لتخاذلهم وعجزهم عن نصرة شعوبهم، والاكتفاء بالقول إن تلك هي سياسة ولا يعلم خوافيها إلا الله.
نعم كنا نحلُمُ جَميعًا بقادة وساسة يهتمون لأمرنا، ويضحون من أجلنا، ويرتكبون جرائمَ كبيرةً -ليس بحقنا كما كان حاصلًا وإنما من أجلنا- ليحققوا قدرًا مناسبًا من السعادة لنا، كنا نحلُمُ برئيس وحكومة ومسئولين يهتمون بشئوننا، ويشعرون بنا، ويعرفون أننا نختلفُ فيما بيننا حبًّا فيهم وتعصبًّا لهم، لكن ذلك لم يكن بالإمْكَان، ولم نكن حتى في أدنى خانات حساباتهم، إلا كوننا في نظرهم قرابين تقدم على مذبح مصالحهم، والأجدر بالبقاء منهم، هو من سيحصد أَكْبَر عدد من أصواتنا في الانتخابات، ومن سيحصد أَكْبَر عدد من أرواحنا في معاركهم وصراعاتهم، ومن سيحصد أَكْبَر قدر من أقواتنا وأرزاقنا لتغذية أرصدتهم وبناء ثرواتهم.
تلا ذلك زعزعة الأمن والاستقرار وانتشار الجريمة والاغتيالات والتفجيرات التي طالت كُلّ مكان وكل شيء، ليسود جو مفعم بالرعب والموت وانعدام الثقة في كُلّ شيء وبكل شيء، ليصبح اليأسُ المطبِقُ هو سيد الموقف، ويكون أضعف الحلول هو المخرج الوحيد وبارقة الأمل المتبقية ليحفظ هذا الشعب من خلالها ما تبقى من حياته.
لكن سياسةَ الضربات المتلاحقة لم تدع هذا الشعب ينعَمُ بأدنى قدر من الحلم، ليفيقَ مذهولًا في ليل السادس والعشرين من مارس 2015م على هول مجازر العدوان الإجْرَامي، وأصوات صواريخه وقنابله، وكان هذا هو الوضع الملائم، الذي تحقق فيه دول العدوان انتصارها على إرادَة الشعب وتعلن نهاية ما تبقى من عزته وكرامته، ولكن شعب الإيْمَان ومهد الحضارات ومواطن الرسالات ومعدن النخوة والعزة، استجمع قواه وتكاتفت جهود الأَحْـــرَار من أبنائه الذين هبوا للدفاع عنه، والتضحية من أجله.
صحيحٌ أن العدوانَ على اليمن لم يبدأ إلا وهو يرى النهايةَ بين عينَيه، مستنداً إلى دراسات خبراء ومختصين، وإلى معطيات الواقع المتهالك، الذي لم يكن ينبئُ عن شهر واحد من الصمود، ولذلك طالما كانت تصريحات قوى العدوان استباقية بشأن الاقتراب من الحسم، ولكن الواقع كان يفضح كذبهم ويعري همجيتهم وعنجهيتهم، ويكشف زيف انتصاراتهم المزعومة، الأمر الذي جعله يقومُ بارتكاب العديد من المجازر بحق المدنيين الأبرياء في مختلف الأمكنة والأزمنة، حتى يمكن القول إن اليمن بأكمله لم يبقَّ فيه موضعُ شبر إلّا وهو هدف معلَن أَوْ مضمَر من قبل تحالف العدوان الوحشي البربري.
مضى ألف يوم من العدوان والمجازر والحصار والتواطؤ الدولي، والانتهاكات الصارخة لكل القيم والمبادئ والأخلاق والاعراف والقوانين والدساتير الأرضية والسماوية، واهدار لقيمة وكرامة الإنْسَان على مرأى ومسمع من العالم، ولكن لم تكن تلك النهاية، ولم تتوقف حياة الشعب اليمني، ولم يتوقف نهر تضحياته ونضاله واستبساله وصموده، في وجه أعتى واقذر وأَكْبَر عدوان شهدته البشرية على مدار تأريخها الطويل، ففي المقابل كان هناك ألف يوم من الصمود، والاحتفاء بالعزة والكرامة والاستقلال، وكان هناك ألف يوم من التحدي والمواجهة على مدى ما يقرب من خمس وأربعين جبهة، كان هناك ألف يوم من الانتصارات والتقدمات والغنائم والأسرى، كان هناك ألف ألف لا للعبودية والتبعية والاستلاب للقوى الإمبريالية، وهيمنة القوى الرجعية المتخلفة، كان هناك ألف صاروخ تهوي على أهداف عسكرية واستراتيجية لمملكة قرن الشيطان وحلفائها ومرتزقتها، كان هناك ألف الف هزيمة نكراء تلحق بهم في كُلّ لحظة وفي كُلّ مكان، وكان هناك ألف الف فرحة بالنصر وبشرى بالفوز والنعيم الابدي، كان هناك وما يزال ألف الف ألف صرخة تنطلق كالسيل الهادر وتدوي كالقنابل الانشطارية وتقطع كالسيف البتار كُلّ اوهام الغزاة واحلام المحتلين، وتقض مضاجعهم وهي تتناغم مع أصدائها في السهول والوديان وقمم الجبال، معلنةً عمليةً واسعةً من التطهير والإبادة لجيوش العدوان المنهزمة سلفًا، وتحالفاته المكبلة بالندم والخزي والعار دائمًا.
ألف يوم وما زالت لغة صواريخنا البالستية عصية على فهم قوى العدوان، ألف يوم ومازال ثبات رجال الرجال أَمَام الأفواج الزاحفة في كُلّ الجبهات، مسألة مستحيلة الحل في معادلات الاشتباك عند مختلف جيوش العالم، ألف يوم وما زال البالستي اليمني مثارَ رُعب وقلق وهلع عند أقوى ترسانة سلاح في العالم، ألف يوم وما زال اليمني في صموده وثباته وتحدّيه واقتحامه وشموخه، لغزًا عصيًّا على الزمان، وبطولة ترتمي في أحضانها الأساطير مأخوذةً بدهشة لا متناهية.
ألف يوم والشعب اليمني يرددها ملء أسماع الدنيا، لا وألف لا للهيمنة والاستعمار والخضوع لليهود الصهاينة والنصارى، والرضوخ لمنطق القوة ومواضعات الاستعمار، وتدنيس الأرض والعرض والمقدسات.
ألف يوم وما زلنا نقول – وسنظل – هنا اليمن مقبرةُ الغزاة ونهايةُ أحلام الطامعين.