هل مشكلة الشعب اليمني مع النظام السعودي طارئة أم متجذرة؟
عبدالغني العزيبمناسبة مرور ألف يوم من العدوان الغاشم علي بلادنا لا شك أن الكثيرَ من اليمنيين يتساءلون: مَا هِي مبررات العدوان السعودي علي بلادنا؟ وما هي مشكلتنا الحقيقية مع النظام السعودي؟ وهل مشكلة الشعب اليمني مع النظام السعودي وليدة أم تأريخية؟
وللإجابة علي تلك التساؤلات المشروعة لا بد من بعض التوضيحات المنطقية والموجزة حتي تتضح الصورة بعيداً عن التعصبات الضيقة المذهبية أَوْ الحزبية أَوْ المناطقية أَوْ غيرها من المؤثرات الجانبية التي قد تحجبُ الحقائق عن الكثير من الناس..
ولكي تكون الاجابة واضحة جليةً.. لا بد أن نرجع إلى الوراء قليلاً لننظر كيف كانت العلاقة اليمنية السعودية؟
هل كانت علاقة طبيعية مماثلة لأية علاقة بين قطرين عربيين جارين؟، أم أنها علاقة يشوبها الكثير من التأرجح والخوف والوجل والتوجس والتآمر؟
طبعاً من المعروف تأريخياً أن النظام السعودي نظام قمعي استبدادي توسعي ليس له أي أمان تجاه جيرانه وحلفائه من أنظمة الشعوب العربية إلّا في حال صارت تلك الأنظمة تابعة له ومرتهنة لإرادته بما فيها الأنظمة المجاورة له باعتباره الأخ والشقيق الأَكْبَر الواجب طاعته وَالسير وفق ما يحدده ويريده..
هنا ربما يتراجع الخوف السعودي من أنظمة تلك الشعوب ويخف التربص بها ولو في الظاهر..
ولنا على ما نقول أمثلة حية بعيدة وقريبة.
أما البعيدة فتتمثل بنجدة النظام السوري للنظام السعودي أثناء احتلال النظام العراقي للكويت، حيث أعلن النظام السوري حينها دعمَه الكاملَ لأنظمة الخليج في مواجهة نظام صدام حسين، بل وصل الحال بالنظام السوري أن قدم كتائبَ مقاتلةً من الجيش العربي السوري إلى جانب الخليجيين بزعامة السعودية.
اليوم كيف تعامل النظام السعودي مع النظام السوري؟
هل أرسل كتائب من الجيش السعودي للدفاع عن النظام السوري والشعب السوري أمام موجة الإرهابيين المتدفقين علي سوريا؟
هل رد النظامُ السعودي الجميلَ للنظام السوري بالطريقة التي يجب؟
الحقيقة لا لم يرد النظام السعودي الجميلَ، ولم يكف يده كأقل تقدير عن دعم الإرهابيين؛ للنيل من النظام السعودي، بل تبنى ودعم وشجّع وموّل كُلّ عناصر العالم -يهوداً ومسيحيين وإرهابيين وصهاينة- ضد النظام السوري، وهذا ما هو ماثل للعيان، هذا كمثال على تنكر النظام السعودي لكل المواثيق والعهود مع الأنظمة العربية، أما المثال الآخر فيتمثل في تعامُلِ النظام السعودي مع أنظمة الخليج وخَاصَّة نظام البحرين والكويت والتي يعتبرُها مسلوبة الإرَادَة له وَإن بنسب متفاوتة.
وكذلك نظام قطر الذي ظل طيلة الفترة الماضية تابعاً للنظام السعودي ومرتهناً له وفق مبدأ السمع والطاعة، وحين قررت القيادة القطرية الحدَّ من تبعية النظام القطري للنظام السعودي استرجع النظام السعودي عداوته وخوفَه من هكذا خطوة، بل إنه لم يكتفِ بذلك بل سعى إلى تشكيل حلف دولي لحصار قطر حكومة وشعباً وخلق اتهامات لنظامها في محاولة منه إلى إعَادَة النظام القطري إلى حضيرة النظام السعودي، ولكن القيادة القطرية رأت أن تحرر القرار القطري من الهيمنة السعودية هو الخيار الذي يجب تحقيقه بأي ثمن، وهذا ما استدعى استمرارية الحصار وتضييق الخناق علي النظام القطري..
أما ما يخص العلاقة اليمنية السعودية فالنظام السعودي حريص جداً على أن لا يقوم بالجوار اليمني أي نظام خارج عن السمع والطاعة المألوفة له من أنظمة الجوار الخليجي.
لهذ كان يحرص النظام السعودي خلال الفترات الماضية وَبكل قوة في تغذية الحروب الداخلية اليمنية اليمنية بحجج عديدة ومبررات متعددة.
ففي مرحلة الثورة السبتمبرية الأم وقف النظام السعودي إلى جانب النظام الملكي ليس حباً في النظام الملكي ولا راغباً في عودة بيت حميد الدين إلى الحكم، ولكن رغبة منه في إشعال حرب أهلية داخلية بالوطن اليمني تقضي على الأخضر واليابس وتقضي على مقدرات الشعب اليمني كي يظل الشعب اليمني رهينَ لقمة العيش لدى النظام السعودي..
فعمل إلى إفراغ أهدَاف الثورة السبتمبرية من محتواها وحرص على حرف مسار الثورة التحرري حتى ضمن أن النظام الجمهوري الجديد في اليمن لن يكونَ أَكْثَر من اسم بلا مسمي حينها سارع إلى الاعتراف بالنظام الجديد وتنكر لكل من كان يدعمهم من الموالين للنظام الملكي.
ولهذا فقد فطن أمراء بيت حميد الدين للهدف القذر للنظام السعودي وعرفوا أن غايته استنزاف الشعب اليمني عبر تغذية الحروب الأهلية، فرأوا أن الانسحاب من المشهد السياسي اليمني هو الأسلم لتجنيب الشعب اليمني ويلات الحروب وفضّلوا ترك الشعب اليمني يقرر مصيره ويختار نظام حكمه..
النظام السعودي ظل يرقب تطور النظام الجمهوري في اليمن بحذر شديد؛ خوفاً من ظهور قوى تستعيد زخم الثورة السبتمبرية وتعيد لأهدَافها الاعتبار وَتقود السفينة اليمنية إلى بر الأمان، وبالتالي يكون الخروج عن طوع النظام السعودي أمراً حتمياً..
ومع توالي الرؤساء علي كرسي الحكم في الشمال كان النظام السعودي قد زرع في الداخل اليمني قوىً مواليةً له، مهمتها الأساسية الحفاظ على ارتهان النظام الجمهوري الجديد بغض النظر عن من يتولى قمته فكانت تنفق الأموال الطائلة التي كانت تشتري بها المشايخ والوجاهات القبلية.
وانشئت لهذا الغرض ما يسمى اللجنة الخَاصَّة ضمن هيكل النظام السعودي والتي تمتلئ كشوفاتها بالعملاء والمرتزقة اليمنيين..
وفي غفلة من النظام السعودي تولى زمام الأمر باليمن الشهيد إبراهيم الحمدي، وخلال سنوات حكم الحمدي كان النظام السعودي يحاول ترويضَ هذا القائد اليمني الفريد، ولكن الحمدي أبى ذلك وعزم علي السير في طريق استعادة وهج الثورة السبتمبرية عبر حركة التصحيح التي تزعمها ومن خلالها قاد عملية الإصلاح المالي والإداري والنهضة التنموية بخطوات مدروسة تحقق للشعب اليمني خلالها العديد من المنجزات، مما أصاب النظام السعودي بخيبة الأمل والخوف من النهضة التي يسير إليها نظامُ هذا القائد اليمني..
فكانت أقصر الطرق أمام النظام السعودي للتخلص من الشهيد الحمدي ومن رؤيته النهضوية والتنموية هو عملية الاغتيال والتي أوكلت إلى عناصر النظام السعودي بالداخل للقيام بها.