قراءة في محاضرة يوم القدس العالمي للشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه
المسيرة| وائل شاري:
نريدُ محارَبَةَ إسرائيل؟ حروبٌ كثيرةٌ خاضَها العرب ضد دولة الكيان الصهيوني ولم يسجلوا أي انتصار يُذكر سوى في مواجهة واحدة، واستغرب الكثيرون كيف استطاع العرب الانتصارَ على الكيان الصهيوني وما هي التكتيكات العسكرية والعقيدة القتالية المنتهجَة في حرب 2006.
فمِن خلال الحروب التي خاضَها العرب نجدُ أن عقيدةَ الجيوش التي كانت تحارب إما قومية أَوْ اشتراكية أَوْ بدافع النزعة الوطنية وتناسوا الجهادَ في سبيل الله والراية المنوطة اتّباعها في قتال اليهود.
فنجد أن المواجَهة مع دولة الكيان لا تتم إلّا بمنهاج رباني وضع من قبل الله عز وجل لمواجهتهم وبيّن لنا طرُقَ وأساليب المواجهة والآلية التي سنستخدمها لذلك، فالصراع الإسْلَامي اليهودي ليس وليد اللحظة أَوْ بُعَيْدَ وعد بلفور الذي منح بموجبة أرضاً إسْلَامية ومقدسةً لليهود، فمنذ بداية الدعوة الإسْلَامية واليهود يعملون بكل جُهد لإبعاد المسلمين عن دينهم والتحكم بمصيرهم.
وقد بيّن لنا الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه في محاضرة يوم القدس العالمي التي ألقاها يوم 28 / 9/1422 المنهاجَ الذي من خلاله يتم مواجهةُ اليهود، وقال رضوان الله عليه “لن تكون مواجهة إسرائيل إلّا من خلال اتباع المنهج القُـرْآني الذي أرسى القواعد الأساسية لكيفية التعامل مع بني إسرائيل, فقد حذرنا سبحانه وتعالى من موالاة اليهود والنصارى لكونهم اشد خطرا على الأُمَّة”.
إن المواجهة مع إسرائيل لن تكون إلّا تحت راية محمدية ارتضاها الله عز وجل لعبادة، وأمرهم أن يتولوا اللهَ ورسوله والأعلام من آل بيته الأطهار، هداة أهل الأرْض من حملوا عاتق الإسْلَام على كاهلهم ومَن يتبعون القُـرْآن ويطبّقونه في منهاج حياة الناس.
ليس المواجهة كما نتصورها بالجيوش الجرّارَة التي تنشئها الدول بدون أية هداية لله سبحانه وتعالى، وبدون تقوى واعتصام بالله، إن المواجهة تبدأ عندما نتبرأ من أعداء الله واليهود والنصارى، وقال السيد رضوان الله عليه “متى ما توليتم اليهود والنصارى ستصبحون منهم, ومتى ما أصبحتم متولين لهم ومنهم فستفقدون هداية الله, فقد صرتم ظالمين وستفقدون هداية الله {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(المائدة: من الآية51)”.
واستدل الشهيدُ القائدُ رضوان الله عليه بالقُـرْآن الكريم “ثم قال تعالى: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}(المائدة:52 – 53) هذه الآيات تشير إلى أن الواقع سيتغير, وسيرى كُلّ أولئك الذين يسارعون إلى تولي اليهود والنصارى تحت عنوان: [نخشى أن تصيبنا دائرة ونحافظ على شعوبنا ونحافظ على كذا..] أنه سيأتي اليوم الذي يندمون على موالاتهم لليهود والنصارى تحت هذا الغطاء، وستتكشف الأمور حتى يرى الناس أولئك الذين كانوا يظهرون أحياناً بكلامٍ براقٍ ويحضون بألقاب [كفارس العرب] أَوْ [حارس البوابة الشرقية للأمة العربية] ونحوها، {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}(المائدة: من الآية53) تتكشف الأمور فترى أولئك إنما هم أولياء خالصوا الولاء، وعملاء مخلصون في عمالتهم لإسرائيل ولليهود وللنصارى {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}(المائدة: من الآية53)”.
وأضاف الشهيد القائد رضوان الله عليه مستدلاً بكلام المولى عز وجل “ألم يتحدث هنا عن التولي لليهود والنصارى وخطورته؟ ثم قال تعالى بعدها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}(المائدة: من الآية54) اعتبر موالاة اليهود والنصارى ارتداداً، وفعلاً هو ارتدادٌ حطم الأُمَّة، حطّم الدين, حطم الثقافة، حطّم الرأي، حطم كُلّ شيء يتعلق بالأمة. {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (المائدة: من الآية54) أليس نفس الشيء الذي قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في يوم خيبر؟ ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسولَه ويحبه اللهُ ورسولُه))، لن يقف أمام اليهود إلا رجلٌ يحب اللهَ ورسولَه ويحبه اللهُ ورسولُه، قيادة في هذا المستوى، قيادة يحبها الله ورسوله، وتحب الله ورسوله، وأمة تحب الله ورسوله ويحبها الله ورسوله”.
ومن هنا نستطيع التعرفَ على كيفية المواجهة مع اليهود، ففي غزوة خيبر فشل وانهزم صحابة كبار أمام اليهود، لكن الله عز وجل بيّن لنا طريقَ الهداية إلى مواجهتهم وأمرنا أن نتبع ونواليَ من يواجههم ويكسر شوكتهم ضمن أمر رباني في كتابه الكريم، فكانت الراية التي أعطيت للرجل الذي يحب الله ورسوله ويحبه ورسوله للإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه، وانكسر أمامه جموع يهود خيبر وتساقطت حصونهم المنيعة، إنها صفاتٌ إلهية ترجمها الإمام علي على أرض الواقع من خلال تواضعه للناس ورحمته بالمؤمنين، ولكنه عند بروزه إلى ميادين الجهاد يكون كالأسد الذي لا يستطيع أن يقف أمامه أحد.
وقال الشهيد القائد رضوان الله عليه “نجد هنا التوافق العجيب بين ما حصل في خيبر – وهي قصة مؤكدة وصحيحة يرويها المحدثون وبهذا اللفظ: ((رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) – وهنا لا يمكن أن يُقْهَر اليهود إلا بأناس يحملون هذه الصفة {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(المائدة: من الآية54)”.
ثم يقول بعدها: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}(المائدة:55 – 56)؛ لأن الآيات تتحدث عن صراع، تتحدث عن الخلل الكبير وهو تولي اليهود والنصارى، وتتحدث عن من هم مؤهلون لضرب هذه الطائفة، ثم عن قيادة هذه الطائفة التي هي مؤهلة لضرب اليهود وقهرهم أنها تتولى الله ورسوله والذين آمنوا, الإمام علي (عليه السلام) وأهل بيت رسول الله (صلوات الله عليهم)؛ ولأن المقام مقام حديث عن صراع، قال بعدها: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} سيغلبون لا شك.”
تتولى الله ليس فقط أن تدعوه, أن تعرفه، أن تثق به، يعرفون الله حق معرفته، يثقون به حق الثقة، فإذا عرفوا الله، إذا وثقوا به، إذا عرفوا رسولَه (صلوات الله عليه وعلى آله)، تولوا اللهَ، وتولوا رسوله، وتولوا الإمام علياً، وتولوا عترةَ رسول الله أهل بيته، حينئذٍ سيكونون حزبَ الله، حينئذٍ سيحبهم اللهُ ورسولُه، وسيكونون فعلاً حزبَ الله، ولا بد أن يغلبوا، أولئك حزب الله {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.
إن اتباعَ ولاة الأمر الذي حدَّدَ اللهُ عز وجل كيفية اتّباعهم، وبينهم في آية الولاية للإمام علي ومن بعده أعلام الهدى من آل بيته الأطهار، هو سبيل الأمثل لمواجهة اليهود والنصارى تحت رايتهم، وما حصل في حرب 2006 بين مجاهدي حزب الله وجيش الكيان الصهيوني خير دليل على أن الاتباع هو طريق الهداية وطريق المواجهة ضد اليهود، بعد أن بيّنه كتاب الله عز وجل.
وقال الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، مستدلاً بكتاب الله على وجوب الولاية للإمام علي “ولأن القضية كما قلنا هي هذه يتحدث من جديد عن اليهود والنصارى، فيأتي بالحديث عن فرض ولاية الإمام علي (عليه السلام) داخل الحديث عن اليهود والنصارى، وتحذير الأُمَّة من توليهم، ثم تتجه الآية فيقول من جديد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(المائدة: 57)”.
وأضاف رضوان الله عليه: “ألم يحذّر عن تولي اليهود في بداية الآيات؟ ثم بعد أن تحدث عن الحل والمخرج، ثم من جديد يحذر عن تولي اليهود والنصارى.. وهي المشكلة التي نواجهها الآن تولي زعامات المسلمين لليهود والنصارى.
ثم قال بأن هؤلاءِ الذين تتولونهم هم أناس ليسوا جديرين بتوليكم:{هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ}(آل عمران: من الآية119) هم لا يحبونكم، هم أعداء لكم، هم يسخرون حتى منكم {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً}(المائدة: من الآية 58) فلماذا تتولونهم؟!. ألم يقل هنا بعدها: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}(المائدة:58) فكيف تتولون من هم لا يحبونكم؟ من هم لا يودون لكم أي خير؟ من يودون أن يضلوكم؟ من يودون أن تكونوا كفاراً؟ من يعملون كُلّ جهدهم على إذلالكم من حتى يسخرون منكم؟ ثم أنتم تتولونهم وتحبونهم.
ثم تحدث عن أهل الكتاب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا}(المائدة: من الآية59) وهكذا تمشي الآيات إلى أن يقول سبحانه وتعالى من جديد ليأمر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بإعلان ولاية الإمام علي (عليه السلام)، فتأتي الآيات بعد أن تحدث عن اليهود أنهم {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}(المائدة:65) ثم قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(المائدة:65- 67)”.
إن ما يقوم به أعداء الله من اليهود والنصارى ومن والاهم من أعمال عدائية وتخريبية وحرب ضروس ضد أعلام الهدى من آل بيت رسول الله، إنما يدل على علمهم المسبق أن من سيواجههم وسيقاتلهم وسينتصر عليهم هم اتباع الإمام علي بن أبي طالب وشيعته، ما قامت به أمريكا وإسرائيل وأذنابهم دول الخليج من محاربة للدولة الإسْلَامية الإيرانية ومحاولة إجهاضها وكذا محاربة حزب الله اللبناني بقيادة سماحة السيد حسن نصر الله وكذا قيامهم بمحاربة المجاهدين من أبناء الشعب اليمني العظيم بقيادة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه ومن بعده بقيادة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، إنما هو حرب ضد القُـرْآن وضد منهاج القُـرْآن الذي أمرنا الله باتّباعه والعمل به وأن نهتديَ بهديه.
إن الحلَّ لمواجهة هذه القوى الغاشمة والاستكبارية والمتبعة للشيطان هو اتّباع هدي القُـرْآن وتولّي الله ورسوله وتولي الإمام علي بن أبي طالب، وتولي أعلام الهدى من آل بيت رسول الله الذي يهتدون بهدي الله وينهلون من القُـرْآن ويحثون على مقارعة اليهود والنصارى، ويعتبر جهادهم وقتالهم من أولوياتهم.