وثائق الخارجية السعودية تكشف كيف أدارت الرياض الوصاية على اليمن
المسيرة: متابعات
لا تحتاجُ الهيمنةُ السعودية على اليمن عبر النظام السابق بكل مراحله إلى استخراج وثائق الخارجية السعودية لإثبات تلك الهيمنة؛ لأن كشوفاتِ اللجنة الخاصة التي تضم مئاتِ المسؤولين وبعض المشايخ القبليين المحسوبين على النظام أَوْ حزب الإصلاح ظاهرةٌ كانت متاحةً للجميع والتي بموجبها تستلم تلك الشخصيات مرتباتٍ شهريةً من قبَل السعودية، بل كانت تلك المرتبات مصدرَ تفاخُر لبعض الذين تتواجد أسماؤهم في تلك الكشوفات.
ومن البديهي القول إن السعودية عندما بدأت بصرف تلك المرتبات منذ عدة عقود لم تكن تفعل ذلك لوجه الله، بل بمقابل تولّي تلك الشخصيات تمثيلَ النفوذ السعودي في اليمن وتنفيذ الإملاءات التي كانت تهدفُ لمنع اليمن من الازدهار من خلال منع التنقيب على النفط؛ باعتبار أن السعوديين يرون أن الخير في اليمن يمثّل شرًّا لهم.
غير أنه وإلى جانب وضوح أدوات الهيمنة السعودية على اليمن وما كان العدوان في جزء من أهدافه إلا سعياً للإبقاء على تلك الهيمنة التي قضت عليها ثورة 21 سبتمبر، فإن الوثائق التي نشرها موقعُ “ويكيليكس” ووسائل إعلام أخرى تكتسب أهمية من حيث أنها تكشف طبيعة وآلية التحرك السعودي في اليمن وطبيعة وموقع الأشخاص الذين كانت تمولهم مقابل تجنيدهم لمصلحة النظام السعودي.
جريدة الأخبار اللبنانية نشرت وثيقتين هامتين تعودان للعام 2014 عندما كان سعود الفيصل وزير للخارجية السعودية، ووفقاً للجريدة فإن الوثيقتين “تكشفان تفاصيل جديدة حول التدخّل السعودي في اليمن منذ ما قبل الحرب الحالية، وتقدمان نموذجاً عن طبيعة تدخل أمراء الرياض لشراء المسؤولين والساسة التابعين للنظام السابق ونظام هادي ومن الصف الأول”، واعتبرت الجريدة أن الوثيقتين “دليل يُميط اللثام عن ما دفعته المملكة من أموال طائلة وظّفتها للتحكم بمفاصل الدولة اليمنية وقرارها السياسي، وعن حجم نفوذها الذي بلغ حد تعيين المسؤولين في أعلى هرم السلطة”.
ووفقاً للجريدة أيضاً “تؤكد برقيتان مسربتان من وزارة الخارجية السعودية أن الأموال التي دفعها النظام السعودي في اليمن، لا تقتصر، كما كان يُعتقد، على المدرجة أسماؤهم في موازنة اللجنة الخاصة باليمن من مشايخَ ومتنفذين من الصفيّن الثاني والثالث، بل تتعداه إلى المسؤولين الكبار في الحكومة؛ بُغية إحكام الوصاية الكاملة على اليمن”.
الوثيقة الأولى، ويعود تأريخُها إلى شهر أيار/مايو من عام 2014، عبارة عن تقرير، مختوم بعبارة «سري للغاية»، مقدَّم من وكيل وزارة الخارجية السعودية لشؤون المعلومات والتقنية، محمد بن سعود بن خالد، إلى وزير الخارجية آنذاك، الأمير سعود الفيصل وفيها يفيد وكيل الوزارة، الوزيرَ الفيصل بأنه التقى وفق توجيهات الأخير وزير الاتصالات اليمني، في ذلك الوقت، أحمد عبيد بن دغر، وفي اللقاء سلّم المسؤول السعودي رسالةً بعث بها سعود الفيصل إلى بن دغر.
يطمئن وكيل الوزارة السعودية وزيرَه سعود الفيصل بأن بن دغر أظهر التجاوُبَ التام مع مطالب وزير الخارجية السعودي، والتي تبدو وكأنها موجهة من «محتل» إلى «عميل» ينفذ الأوامر، وهي: «القيام بما أمرتم به من آليات متابعة الوضع السياسي القائم في اليمن وإعطاء الأولوية لمصالح المملكة لما له من انعكاساتٍ على مكانة المملكة إقليمياً».
أما الثمنُ مقابل «جاسوسية» بن دغر، فهو: «تعيينه نائباً لرئيس الوزراء (اليمني) ومستشاراً لرئيس الجمهورية». وهو ما تحقّق بالفعل، إذ لم تمضِ أسابيع من تأريخ البرقية، حتى قفز وزيرُ الاتصالات وتقنية المعلومات في حكومة محمد سالم باسندوة (رئيس الوزراء اليمني في ذلك الحين)، إلى منصب نائب رئيس الوزراء في 11 يونيو 2014، قبل أن يعيّن مستشاراً لهادي في الأول من أغسس2015.
أما الوثيقة الثانية، فيرد فيها اسم وزير الخارجية اليمني السابق، أبو بكر القربي. وهي رسالة موقّعة من وزير المالية السعودي، إبراهيم العساف، إلى وزير الخارجية سعود الفيصل، في نيسان 2014. وتتضمن الرسالة إخطاراً بصرف وزارة المالية السعودية مبلغَ 600 ألف دولار، لصالح وزير الخارجية اليمني آنذاك، أبو بكر القربي، بناءً على «الأمر السامي» الصادر عن الأمير سعود الفيصل، قبل يوم واحد من دفع المبلغ.
وتشير البرقية المسرّبة إلى أنه «تم صرفُ شيك رقم 309214 بتأريخ 12/6/1435هـ، بالمبلغ المطلوب وتحويله إلى الحساب السري للدكتور أبو بكر عبدالله القربي رقم AB-012-55300 من خلال البنك السعودي البريطاني (ساب)، مشفوعاً لسموِّكم صورة من الشيك وخطاب إفادة من البنك بالمبلغ المحمول المذكور».
ويرُدُّ في المقطع الأول من الرسالة أن حساب القربي في جنيف مودع في بنك «HSBC» السويسري، إلا أن الوثيقة لا تتضمن سببَ صرف المبلغ للقربي، السياسي اليمني الشهير، الذي استمر في وزارة الخارجية اليمنية من عام 2001 إلى عام 2014.
قبل ذلك نشر موقعُ المراسل نت وثائقَ سرّيةً تعودُ إلى العام 2011 وتتعلق ببرقيات صادرة عن وزارة الخارجية السعودية، بناءً على اخباريات تصلها من السفارة السعودية بصنعاء بشأن التحركات السعودية لضمان مصالحها في اليمن عبر الفار هادي الذي كان تسلم الرئاسة لتوه بموجب المبادرة الخليجية ورئيس الحكومة والمسؤولين وغيرهم.
وتحت عنوان “سري للغاية وعاجل جداً” أرسل وزير الخارجية السعودي آنذاك، سعود الفيصل، برقيةً إلى الملك السعودي الراحل أيضاً عبدالله بن عبدالعزيز يوضح فيها بعضَ المستجدات التي رفعها السفير السعودي بصنعاءَ لوزارة الخارجية.
وتتحدث الوثيقة عما جرى في لقاءَين منفصلين جمعا السفير السعودي بعبدربه منصور هادي (قبل أن يتسلم السلطة رسمياً وكان يمارسُ مهامَ رئيس الجمهورية) وكذلك رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة.
ويطلع السفيرُ السعودي وزيرَ الخارجية الفيصل أن الفارَّ هادي قال خلال اللقاء إنه يعوّل على دعم المملكة السعودية، وخاصة دعم الملك للخروج من الأزمة التي عصفت باليمن خلال الشهور الماضية (ثورة 11 فبراير)، وأنه يتمنى أن تتبنّى المملكة مؤتمراً دولياً لدعم اليمن؛ كون ذلك سيؤدي لتهدئة الشارع اليمني.
ووفقاً للبرقية، قال الفار هادي: إن أولَ زيارة له للخارج كرئيس ستكونُ إلى السعودية، وأن المملكة لن ترى منه إلا الوفاءَ، وهو مستعدٌّ للتعاون مع السعودي في كُلّ الجوانب وخاصة الجانب الأمني.
وطلب الفار هادي في حينه من السفير السعودي أن يبلغَ ولي عهد المملكة آنذاك أن اللجنةَ العسكريةَ ستعمَلُ على تنفيذ المبادرة الخليجية، ولن يخرجوا عن الاستراتيجية التي تخدُمُ المملكة وأن أي شيء يريدُه الملك وولي عهده سيكونُ عند حُسن ظنهم.
وينتقل السفيرُ السعودي لنقل تفاصيل لقائه مع رئيس الوزراء آنذاك، محمد سالم باسندوة، وتظهر الوثيقة أن الأخيرَ قال “إن على السعودية أن تعتبرني رَجُلَها المخلصَ في اليمن” وعلى غرار الفار هادي قال باسندوة إن أول زيارة له للخارج ستكونُ إلى السعودية إذا كان ذلك مناسباً للقيادة السعودية.
ويقول السفير السعودي إن على باسندوة أن يشيد بالسعودية وبالملك شخصياً في خطابه حين يؤدي القسَم، وقال باسندوة بعد ذلك “أتمنى من سمو ولي العهد مساعدتي للخروج من الضائقة المالية التي أمر بها”.