القدسُ فوقَ السياسةِ…..وليست قضية جانبية

راسم عبيدات*

نعم يجب أن تكون القدس عاصمة العواصم برمزيتها الدينية والوطنية السياسية والتاريخية والحضارية والإنسانية،وأن تبقى فوق الخلافات والتجاذبات والمحاور العربية العربية والإسلامية،ونرى بأن ما تتعرض له القدس في ظل عصر البلطجة الأمريكية، وقرار رئيسها المتصهين ترامب باعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال،أن يحدث صدمة وصحوة كبيرة عند صناع القرار العربي والإسلامي،لتحقيق مصالحات عربية-عربية وعربية – إسلامية،فالاستهداف الأمريكي- الصهيوني،لن يترك أحدا،ولذلك نحن ندرك تماماً بأن هناك ضغوطا كبيرة مورست وتمارس على القيادتين الأردنية والفلسطينية للتخلي عن مدينة القدس ورعاية الأماكن المقدسة والقبول بأبا ديس عاصمة لكيان فلسطيني هزيل،حيث طلب بعض العرب من القيادتين الأردنية والفلسطينية عدم الذهاب إلى قمة التعاون الإسلامي في اسطنبول،أو تخفيض تمثيلها في حضور تلك القمة،وكذلك مارست دول عربية ضغوطاً كبيرة على الرئيس عباس،للقبول بأبا ديس عاصمة للدولة الفلسطينية،والتخلي عن القدس مقابل إغراءات مادية كبيرة،عشرة مليار دولار أمريكي،ولا ننسى أن البعض العربي هذا،يسعى إلى سحب الوصاية والرعاية الأردنية عن الأماكن المقدسة وفي المقدمة منها المسجد الأقصى، وكذلك العمل على تهميش دور الأردن سواء في ما يسمى بصفقة القرن والمفاوضات والملف السوري،وزيادة أزمتها الاقتصادية،بعدم تقديم مساعدات مالية لها،ونحن نتذكر جيداً في هبة باب الأسباط بأن بعض الأطراف العربية أجرت اتصالاتها مع دولة الاحتلال بعيداً عن الأردن،طامحة في رعاية الأماكن المقدسة والأقصى كبديل للرعاية والوصاية الأردنية.

القيادتان الفلسطينية والأردنية،بعد التصويت في الجمعية العامة ضد القرار الأمريكي،ستواجهان ضغوطاً كبيرة،فالأردن مهدد بقطع أو تخفيض المساعدة المالية الأمريكية عنه،وإمكانية تحوله للوطن البديل بطرد المزيد من اللاجئين الفلسطينيين إليه من أكثر من دولة،وقد عقدت مؤتمرات لهذا الغرض،أشركت فيها شخصيات أردنية ومن أصول أردنية سياسية وأكاديمية،والقيادة الفلسطينية، في الوقت التي كانت ترفض فيه مقابلة مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي المتطرف،على خلفية القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال،كانت هناك شخصيات فلسطينية اقتصادية وسياسية،تجري معها الحكومة الأمريكية اتصالات حثيثة،لحثها على تشكيل قيادة بديلة،تقبل بالحل والمشروع الأمريكي،معيدة استنساخ مشروع روابط القرى الذي قبره شعبنا الفلسطيني.

ولذلك نرى بأن هناك تطورات جداً خطرة قادمة،مستهدفة الأردن وفلسطين،وبالتالي آن الأوان لكلا الطرفين ضرورة التحرك خارج إطار ما يسمى بالمحور العربي السني المتلفع بالعباءة الأمريكية،فقضية القدس تحتاج إلى توحيد كل الجهود العربية والإسلامية،ولذلك نحن ندعم وبقوة،تحركا أردنيا – فلسطينيا نحو تركيا وإيران وسوريا والعراق وروسيا والصين،لإيجاد مظلة داعمة لموقفيهما،فيما يتعلق بقضية القدس،وما يحاك من مؤامرات ضدهما،وواضح أنها لا تستهدف قضية القدس فقط،بل الأردن وفلسطين في دائرة الاستهداف لمشاريع ومخططات أمريكية – إسرائيلية مشبوهة قادمة.

في ذروة المعركة والاشتباك والمواجهة الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية مع أمريكا ودولة الكيان الصهيوني حول القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال خرج علينا البعض العربي بتغريدات يريد من خلالها،أن يثبت أنه صهيوني ومكابٍ،أكثر من الصهاينة أنفسهم،فكأن البعض العربي هذا،نتيجة لحالة الذعر والانهيار التي يعاني منها،يصل إلى مرحلة فقدان التوازن،وتشل قدرته على التفكير،ونحن ندرك بأن هذه الدول،هي مستدخلة لثقافة الهزيمة و”الاستنعاج” في منطقتنا العربية،وهي بتغريداتها ووفودها التطبيعية القادمة للقدس وغزة،تحت مسميات حوار الأديان،والتي اهتمت بأمرها جماهيرنا الفلسطينية جيداً،وقالت لها القدس وفلسطين ليستا للبيع،ولا جسور تواصل مع عدو يحتل أرض فلسطين ويهودها،وقدسها لن تتلقح بغير لغة الضاد،ولن تقبل بالتطبيع العربي مع دولة الاحتلال على حساب حقوق شعبنا الفلسطيني.

فقط هي حالة الانهيار والخوف والجبن،هي من دفعت وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة للقول قبيل التصويت على القرار الفلسطيني المقدم للجمعية العامة،حول إبطال وإلغاء قرار الرئيس الأمريكي باعتبار القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال،ورفض أي تغيير وتشويه لطابعها التاريخي والقانوني،بأنه يتوجب علينا كعرب ومسلمين تفادي المعارك الجانبية مع واشنطن،والمقصود هنا معركة القدس والأقصى والمقدسات،والرعاية الأردنية والوضعين القانوني والتاريخي للمدينة،والتركيز بدلاً من ذلك على توثيق علاقات ما يسمى بالمحور السني العربي” عرب أمريكا” ،أو ما يكنون أنفسهم بعرب الاعتدال”الاعتلال” مع أمريكا لمواجهة ومحاربة العدو المشترك إيران،والتي حسب زعمه وزعم غيره من الزعامات والمشيخات الخليجية،تقود الإرهاب وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.

أن ترتعد فرائصك يا وزير خارجية البحرين،وأن لا تريد أن تعمل أنت وبلدك لمصلحة فلسطين والقدس والقضايا العربية،فنحن ندرك بأنه ناتج عن عقدة “الارتعاش” السياسي المستديمة في التعامل مع أمريكا،ونحن ننصحك بأن تأخذ شيئا من جينات الشجاعة من قادة العديد من دول أمريكا اللاتينية كموراليس البوليفي وماودرو الفنزويلي،فهؤلاء هم عرب أقحاح من صلب عدنان وقحطان،أما أنت وأمثالك فنشك في نسبكم وانتمائكم للعروبة.وتغريدتك هذه وقدوم وفد بلادك للقدس وغزة في ذروة الاشتباك والمواجهة العربية – الإسلامية وفي المقدمة منها الفلسطينية والأردنية مع المشروع الأمريكي المهود للقدس والمغير لطابعها القانوني والتاريخي، يجعلنا نضع كثيرا من علامات الاستفهام والشكوك حول مثل هذا السلوك والتصريحات.

أريدك أن تعلم يا معالي وزير البحرين،بأن أمريكا ومن قبلها بريطانيا وغيرهما من الدول الاستعمارية،قالت بشكل واضح والتاريخ يعلم،بأنه لا صداقات دائمة لديها في المنطقة،بل مصالح دائمة،ولعل قضايا أكراد العراق وقبلهم حلفاؤها من قادة العديد من الأنظمة العربية،أسدلت عليهم أمريكا الستار ولم تلتفت لمصيرهم،بعد استنفاذ صلاحيتهم،وأنت ودولتك،لن تكون بالاستثناء لأمريكا،فمع انتهاء الصلاحية ستجد نفسك على قارعة الطريق.

القدس، ليست معركة جانبية يا معالي الوزير… القدس عاصمة العواصم ودرتها وتاجها،وهي كانت وستبقى عربية – إسلامية – مسيحية … إن كنت لا تكترث لأمرها من منظور ديني أو قومي، فذاك شأنك، ولكن دع غيرك يهتم بأمرها.

تأكد تماماً يا معالي الوزير،أنت والعديد من العرب الذين يستعجلون التطبيع مع الاحتلال الصهيوني،ويريدون نقله من مرحلة العشق السري إلى الزواج العلني وعلى رؤوس الأشهاد،كما يريد رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، فلا القدس، ولا فلسطين، يمكن أن تكونا القربان على مذبح التقرب من واشنطن وكسب ود نتنياهو وبينت وليبرمان … ومن يريد أن يتصدى لإيران فله ذلك، وثمة حدود مفتوحة معها، وهي على مرمى حجر على أية حال، وليس ثمة من داع لمد اليد إلى حقوق الفلسطينيين ومقدساتهم وعاصمتهم، لتقديمها “أضحية” على مذبح التزلف والتقرب.

 

كاتب وصحفي فلسطيني

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com