فشلُ الخياراتِ الأمريكية… ورقة القدسِ نموذج
عبد الخالق الفلاح
استهتار الولايات المتحدة بالشرعية الدولية في قرار ترامب الأخير حول القدس كعاصمة للكيان الإسرائيلي اعتبر نقلة نوعية رغم الخيار الفاشل و يشكل ذلك من “إجحاف وتنكر للحق الفلسطيني والعربي الثابت في مدينتهم المقدسة، وتجاهل لمشاعر أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، وملايين المسيحيين العرب”. و أنذرت بانهيار الروادع الدولية، وفقدان أي أهمية للاتفاقات والمواثيق التي تتعلق بالعلاقات بين الشعوب والأمم، ووضعت السياسة الأميركية في مواجهة العالم ككل، كسياسة أنانية ورعناء، ما أوصلها إلى طريق مسدودة، وكذلك ازدياد مساحة النضال العالمي الشعبي الرسمي والذي بات يستهدف عددا من مقومات المنظومة الرأسمالية العالمية , واستطاع أن يكره العالم على مراجعة حساباته؛ ليس تجاه دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن فقط، ولكن تجاه الحلفاء الأوروبيين أيضاً، فقد بدا برفض أي دور لها في القضايا التي كانت حكرا عليها كقضية فلسطين و الانجرار وراء الاستفزازات أو اتخاذ خطوات أحادية قد تؤدي إلى انقسام العالم بعد تهديد الدول التي توافق على القرار الذي طرح في الأمم المتحدة بشأن القدس بإعادة النظر في المساعدات التي تقدمها لهم ، وتبنتْ رفض اعترافَ الرئيسِ الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمةً لكيانِ الاحتلال الإسرائيلي ,وحظي القرار بتأييد مائةٍ وثمانيةٍ وعشرين دولةً ورفضته تسعُ دولٍ. مما يعني إبطال أي شرعية للقرار الأمريكي، وتؤكد حق الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة، وعاصمتها القدس الشريف”. ويمثل الامتناع عن اتخاذ أية خطوات أو إجراءات من شأنها أن تمثل اعترافا علنيا أو ضمنيا بضم إسرائيل للقدس التي تعد جزءا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967. كما إن الفيتو الأمريكي بمجلس الأمن الدولي، ضد مشروع قرار بشأن إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، هو ضد الإجماع الدولي، ومخالف لقرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، ويمثل انحيازًا كاملًا للاحتلال والعدوان.
والذي يوافق القول إن السياسة الأميركية اتسمت بالتسرع والعنصرية التاريخية إن صحت العبارة بعد قرار دونالد ترامب التصعيدي، ونجحت الدول إلى صيغة جماعية بالوقوف بوجه التحديات، جنباً إلى جنب في التعاطي مع القدس و غرق أمريكا في رمال الشرق الأوسط و انهيار عملية السلام التي كانت تشرف عليها كوسيط . كذلك أن التحركات الطائشة للولايات المتحدة لاستعادة الهيبة الأمريكية عالميا والدعاء بالقضاء على ما يسمى بقواعد الإرهاب انتهت و التي كانت لها آثار مدمرة على الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة .
ومن خلال كل هذه الإرهاصات العالمية بدت ملامح تغير نسبي ضد الولايات المتحدة، لضرورة الاستعداد لمرحلة جديدة من “توازن القوى” في الشرق الأوسط والعالم، فتنامي قوة المقاومة في لبنان بيد حزب الله وفي فلسطين بيد حماس وظهور إيران كقوة فاعلة محتملة بشكل متسارع كل ذلك ساعد على تهميش الولايات المتحدة التي لازالت عاجزة عن الفهم، أو تقديم مبادرات متوازنة تحل المشاكل بعيدة المدى ولا تتركز فقط على المشاكل الآنية، بحيث يبدو أن أميركا ستغادر المنطقة مجبرة من دون أن تستوعب الدرس. وكل المقاييس التي يعتمد عليها خبراء الإستراتيجيات تشير إلى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية مقبلة على سقوط حضاري وسياسي ممّا يمهّد لبروز قوى أخرى, وهذه المقاييس في غاية الدقّة وإلى مؤشرّات تاريخية وقد بدأت النهضة وكل المؤشرّات الواقعيّة والتاريخيّة مردفة بالإجماع الشعبي العربي والإسلامي والبشري المناهض للسياسة الأمريكية القائمة على نظام مختّل يخدم طرفا واحدا.