سنة 2017 عواصف ومنعطفات في المنطقة العربية
د. زهير الخويلدي
”إننا نقصد بكلمة تأريخي ما هو مسجلٌ في لحظة مستحدثة تماماً لسيرورة تخضع هي الأُخْـرَى لقانون التكرار”..
لقد تميزت السنةُ الإداريةُ المنصرمةُ بالتراجع على جميع الأصعدة بالنسبة للشعوب والمجتمعات السائرة في طريق النمو وبتفاقم أضرار ومساوئ العولمة المتوحشة على الوضع البشري وعلى المحيط الطبيعي.
لقد أصبحت المنظومةُ العموميةُ في خطر أمام هجمة الخوصصة وتحرير المعاملات الاقتصَادية وتراجع دور الدولة لتأمين حاجات الناس من تغذية وتعليم وصحة وتشغيل وتثقيف وترفيه وتدفئة وتنقل وخدمات.
لم يعد أمام الدول العربية من خيار آخر سوى لعب دورٍ ثانويٍّ في المنطقة بعد هبوب العديد من الأعاصير والعواصف على الوجود الاجتماعي وتمزيق الإرْهَاب ما تبقى من وحدة الجسد العربي وعبث النزاعات الطائفية بالمقدرات الاستراتيجية للأمة وانهيار الكثير من المقومات الذاتية التي تم الإعدادُ لها للاستثبات.
لا خيار أمام الشعوب العربية سوى الصبر والانتظار في ظل تأخير معدلات التنمية وفشل الاقتصَاديات المتبعة وسوء حوكمة الموارد البشرية والثروات المادية والإفراط في المديونية وتزايد مؤشرات التبعية.
لقد كان عام 2017 عَاماً للذكريات الثورية والاحتفالات بمرور قرن من تفجر الثورة البلشفية في روسيا، وكان السنة التي صعد فيها ترامب إلى الحكم وأعلن من البيت الأبيض نيته نقل السفارة الأمريكية للقدس.
من جهة أُخْـرَى تزايَدَ النفوذُ الصيني على الاقتصاد العالمي وظهرت مجموعة البروكس بأَكْثَر فاعلية وبدأ العالم يعيد تشكيل نفسه وفق قوى متعددة بعد قرب نهاية السيطرة الأمريكية من خلال نفوذ القطب الواحد.
لقد كان عام الأعاصير والحرائق والزلازل والحروب في العديد من مناطق العالم وكانت المنطقة العربية الأَكْثَر تضرراً بحكم امتداد خارطة الاشتباكات الأهلية لكي تشمل عدة مدن وقرى توجد في الدول المعنية.
لقد حصدت الحروب الداخلية بين الأشقاء المزيد من الأرواح وتم تدمير العمران وَتبديد المدن والثروات ومثل التسلح كاهلاً ثقيلاً على ميزانيات تلك الدول التي تعاني من أزمات في الميزان التجاري والتضخم وضعف المقدرة الشرائية للمواطنين وضياع هيبة الدولة في ظل تنامي الفساد الإداري والتسرب المالي.
إخفاق جديد في زرع مسارات ديمقراطية وخنق التجارب القائمة عن طريق ضخ الأموال وشراء الذمم والالتفاف على النماذج الناجحة التي تظل بمثابة واحات معزولة وسط صحراء شاسعة من الاستبداد.
عامٌ جديدٌ يمضى وما زالت الأحوالُ الاجتمَاعية في العالم متدهورةً ومعدلات الجريمة والانتحار والفقر والبطالة والهجرة السرية والأمراض النفسية في ارتفاع كبير والتي تقف معظم المُؤَسّسات الدولية أمامها في حيرة من أمرها لنضوب الموارد واشتداد الأزمات وتزايد الحاجة وقلة الاعتمادات المالية المرصودة.
لقد ازدادت الطبقة العاملة تشتتاً، وغابت عنها قوة العمل وإمْكَانية التأثير في القرار السياسي وأصيبت النقابات بمرض البيروقراطية واقتربت البشرية في طور ما بعد الصناعي من مرحلة العمل الافتراضي.
لقد فشلت الحداثة بالمعنى الإنْسَاني الأصيل وتشكلت مكانها حداثة معولمة واستهلاكية مارست ضدها الأنظمة قرارات قروسطية عابثة بالقوانين والأعراف والتقاليد الدبلوماسية وعادت إلى العادات البالية.
لم تقم الثورةُ الفكريةُ المنتظرة وتأخرت تجربة الإصلاح وانتشر في الفضاءات سلوك مائع وثقافة تافهة وفن الإثارة وإعلام الصدمة وتغلبت على الساحة العلمية تجارة المعرفة وسوق المقاولات وهيمنت نزعة إحيائية تعيد إنتاج بضاعة ماضوية تعادي قيم التنوير والتقدم وتعمل على خنق الحريات والحقوق.
لقد ظهرت بوادرُ جديةٌ تشير إلى إمْكَانية حروب مستقبلية بين الدول والشعوب حول المياه والغذاء والطاقة وأن الأسلحة التقليدية لم تعد كافية للردع وتحقيق الغلبة ولذلك يفترض أن يتم اللجوء إلى أسلحة متطورة. زد على ذلك اقترنت احتجاجات الشارع بدخول الطلبة والعاطلين والعمال في اعتصامات وإضرابات وهو ما يشير إلى تزايد الحراك الاحتجاجي في مختلف بلدان العالم وعجز الأنظمة على القمع وإيجاد الحلول.
غير أن السؤال الذي يعاد طرحه بقوة في نهاية كُلّ سنة وبداية أُخْـرَى جديدة هو: إلى أين يذهب هذا العالم؟
ربما يكونُ الجواب الأَكْثَرُ صعوبة هو أن يسير العالم نحو الفوضى العارمة والتصادم بين الحضارات بالنظر إلى التخريب الممنهج للوجود الاجتمَاعي والانحراف نحو تقنية بلا ضوابط وعصر بلا أَخْلَاق. لكن أليس المطلوب نسيان المفارقة التأريخية التي تلغي كُلّ ما تشهد على ولادته واستقبال المهمة الثورية التي تحرص على إنتاج الصراع عن طريق المنافسة وتجعل من البطولة الجماعية تضحية من أجل المقاومة؟