«التحالف» لا يمسك معسكراته: تضعضع وفرارٌ وتمرّد
لقمان عَبدالله
تشهَدُ المعسكراتُ التابعةُ لـ «التحالف» في غير جبهة من جبهات القتال الدائر في اليمن حالة تضعضع وتململ، على خلفية تعاظم الخسائر في صفوف المقاتلين، خصوصاً على جبهات الساحل الغربي. خسائر لا تمنع القيادتين السعودية والإماراتية من تصعيد الضغوط على القوات الموالية لهما، وحثّها على الانخراط في «المحرقة» حتى نهايتها، دونما مبالاة بضخامة الكلفة البشرية مقارَنة بمحدودية الإنجاز.
لعلّ ما يميّزُ الجولة الحالية من العمليات العسكرية في اليمن، استماتة تحالف العدوان في محاولته تحقيق أي منجز ميداني. تشتعل الجبهات المترامية الأطراف في وقت واحد، وكأن القوم (السعودية) في سباق مع الزمن. ممنوع على القوى التابعة للنظام السعودي التعب، ومن غير المسموح لها التراجع حتى لو أُبيد مقاتلوها عن «بكرة أبيهم».
ترفُضُ الرياضُ الاستراحةَ أَوْ التقاط الأنفاس. تتمنع عن الاعتراف بفشل الهجمات فتكرّرها نفسها عشرات المرات، من دون إجراء تعديلات في التكتيكات وأساليب العمل. لا معنىً هنا للقيمة المعنوية أَوْ حافزية العنصر البشري المقاتل، التي باتت معدومة أَوْ تكاد. لا اكتراث بعدد الجنود والضباط القتلى، ولا أهميّة لسحب الجرحى من أرض المعركة. كتائب الدعم والإسناد ملزمة بإيصال الذخيرة والسلاح تحت النار، وسلوك طرق الموت عن قصد وترصد. القيمة الفعلية للجندي ألف ريال سعودي، وللضابط ألفا ريال. القوى العسكرية التابعة للعدوان، سواء كانت جنوبية أَوْ شمالية، تدرك تماماً أنها تقاتل نيابة عن آل سعود، في معركة أهدافها ليست يمنية، ويديرها قادة أقرب ما يكونون إلى تجار الحروب، ورائحة الفساد والصفقات تفوح من كُلّ ما يتصل بهم (بيع بترول الآليات العسكرية، سرقة السلاح وبيعه في السوق السوداء، التلاعب بالكشوفات اللوجستية والعناصر البشرية…).
أبناءُ جنوب اليمن هُم وقود الحرب في الأغلب. يُزجّ بهم في كُلّ الجبهات ليلاقوا مصيرَهم القاتم، مثلما حصل لفصائلهم التي حوصِرت في الخوخة، حيث تسيطر «أنصار الله» على المرتفعات المشرفة بالنار على الطريق الواصل إلى الخوخة من يختل (إحْــدَى مديريات تعز)، وتستهدف القوافل القادمة من المخاء. وقد أُحصي، حتى يوم أول من أمس، مقتل 450، وجرح المئات، بالإضَافَة إلى عشرات المفقودين (معظمهم جنوبيون)، وتدمير مئة مدرعة وآلية. تستغيثُ القوة الجنوبية داخل الخوخة مُطالِبةً بالانسحاب، وتخليصها من «الجحيم»، لكن الجواب الإماراتي يأتي دائماً: «الدعم والإسناد قادم»، و«فك الحصار قريب»، و«الطيران بخدمتكم». أجوبةٌ لا تقنع المقاتلين الذين هدّدوا، مساء الخميس، بالاستسلام، ما أرغم القيادة العسكرية الإماراتية على السماح لهم بالانسحاب، بعدما رفضت، سابقاً، تأمين زوارق لسحبهم، على الرغم من قيام الجيش واللجان الشعبية بفتح خطوط انسحاب آمنة للقوة المحاصَرة، عبر البحر (باتت مدينة الخوخة، منذ مساء الخميس، خاضعة لسيطرة «أنصار الله» بصورة شبه كاملة).
وفيما يفرّ الجنود السعوديون من مواقعِهم الحدودية رغم الإغراءات والحوافز، التي كان آخرها إعفاء جنود الحد الجنوبي من جميع القروض والسلف، تعمد السلطات السعودية – عبر ضباط من جنوب اليمن – إلى ممارسة أساليب الكذب والخداع في عمليات استقطاب الجنوبيين للقتال على الحدود اليمنية – السعودية. لكن تلك الأساليب لا تمنع عمليات التمرد والفرار الجماعي من «المحرقة السعودية». نموذج من ذلك ما حدث خلال الأيام الماضية، حيث وصل إلى مدينة عدن عدد من الضباط والجنود قادِمين من أحد معسكرات التدريب في منطقة جيزان السعودية، بعدما تمردوا على قيادتهم التي أرادت الزج بهم في المعارك الدائرة على الحدود، وأبَوا تنفيذ أوامرها، ونظّموا أربع وقفات احتجاجية أعلنوا خلالها رفضهم «المتاجرة بدمائهم». على إثر تلك الوقفات، دهمت أطقم ومدرعات عسكرية سعودية مبنى المعسكر، واعتقلت 45 ضابطاً وجندياً، وزجت بهم داخل السجن، فيما تمكن أَكْثَر من 328 من أصل 1800 هم عديد اللواء المتمركز هناك من الفرار، بحسب مصادر في قيادته.
أمَّا في جبهة نهم، فقد بات حجمُ الألوية التي حُشِدَت خلال الفترة القصيرة الماضية هناك (سبعة ألوية) أَكْبَر من قدرة الأرض على استيعابها، علماً أن حشد القوى العسكرية في جغرافيا محدودة يُعدّ هدراً للإمْكَانات، ويُعرّض تلك الحشود للخسائر والمحدودية في العمل.