نحن في اليمن لا نحتفل بالأعياد بل بتشييع ضحايا العدوان السعودي
أ. د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
في هذا الأُسْبُوْع الأخير من العام 2017م، وبينما مُعظمُ شعوب الكرة الأرضيّة قاطبةً، ومن كُلّ الديانات والأعراق والألوان، يحتفلون ويهزجون ويرقصون، ويتبادلون الهدايا والورود والرسائل النصية والمكتوبة بكل لغات الودّ والتقدير في العالم، يهنئُ بعضُهم بعضاً بتوديع الساعات الأخيرة من العام، وترحيباً بقدوم عام جديد، لعل أحلامهم وطموحاتهم وخططهم تتحقق مع قدومه، في هذه الأجواء الوجدانية الروحانية والفرائحية، تنطلق طائرات الموت بصواريخها المُدمّرة من أرض الحرمين الشريفين (من مملكة آل سعود)، وتقومُ آلة الموت تلك بقصف الأسواق الشعبية والملاعب والساحات والمنازل وحتى تجمعات المواطنين في كُلٍّ من أرحب، وصنعاء، وتعز، والحديدة، لتحصد بالجملة كُلّ هذه الأرواح المَدَنيَّة البريئة، وتجرح المئات منهم.
هدف هذه (الغزوة) كما يسمونها والمُعلن عنها إعْـلَامياً في قنوات دول العدوان ومن يتضامن مع عدوانهم، بالإضَــافَة إلى قنوات المرتزقة والخونة من عملائهم اليمنيين، هو تدمير ما يسمونه أسلحة (الانقلابيين من الحوثيين وحُلفائهم المؤتمريين)، لكن تناسى هؤلاء المعتدون القتلة أنهم يقتلون شعباً بأكمله؛ فليس هناك شيءٌ آخر.
ما حدث اليوم وأمس هو جريمة حرب كاملة الأركان، لكنّ الشيء المختلف الآن هو أن هناك صحوةً عالميةً تتبناها قوىً دوليةٌ ومنظمات إنْسَانية وشخصيات بارزة في المشهد الثقافي والسياسي في بلدان عديدةٍ رفعت صوتها لتترجمَ بشيء من اليقظة لضمائر الأَحْرَار في العالم، الذين رفعوا أصواتهم في المنابر الدولية وفي مُؤَسّسات دولهم ومجتمعاتهم الغربية تحديداً، رفعوا أصواتهم المنادية بإيقاف العدوان ورفع الحصار عن اليمن وشعبه الكريم، يناشدون حكام بلدانهم في أوروبا وأميركا بمنع تصدير الأسلحة الفتّاكة للمملكة السعودية؛ كونها تقتل المدنيين في اليمن. وهناك أصوات وازنة في العالم بدأت تطالب علَناً بإحالة ملف اليمن وما يتعرض له من عدوان إلى محكمة العدل الدولية وجرّ هؤلاء (الأمراء الحكام) في عددٍ من دول الخليج العربي إلى محكمة العدل الدولية وغيرها من الساحات القضائية كمجرمي حرب، وهو حكم القانون الإنْسَاني الدولي، ناهيكم عن حكم الله العادل جلّ في عُلاه.
إنّ المتتبعَ لحرب دول حلف الأَعْرَاب العدواني على الشعب اليمني، بعد 1000يوم من العدوان عليه، يلاحظ ما يلي:
أولاً: ارتفاعُ أصوات الأَحْرَار في العالم من برلمانيين، ومفكّرين وإعْـلَاميين غربيين، بالإضَــافَة إلى صوت منظمة الأُمَـم المتحدة ومنظمات حقوق الإنْسَان؛ كونهم أَصْبَحوا يجاهرون علناً باتهام السعودية وحليفاتها من دول مجلس التعاون الخليجي بارتكاب مجازر بشرية ترقى لجرائم الحرب.
ثانياً: أضحت السعودية وشريكاتُها في الحرب العدوانية على اليمن وفي قتل الشعب اليمني كمَن يتوغّل تدريجياً في رمال متحرّكة، فلا تستطيعُ أن تتقدم أَوْ تتأخر فيها، وبالتالي فهي في ورطةٍ كُبرى أمام الرأي العام الإقليْمي والدولي.
ثالثاً: تزدادُ شراهةُ أُمراء آل سعود وآل نهيان في امتصاص المزيد من دماء المواطنين المدنيين عبر طائرات الهليكوبتر بأنواعها العديدة أمثال: سي ستاليون، كوبرا، سي نايت، سي هوك، بلاك هوك والأباتشي، فضلاً عن الطيران الهجومي من مثل: هير كولنز، إف 16 فايتنج فالكون، إف أي 18 سوبر هورنت، إف 35 لا يتنج الثانية، وهي أحدثُ الطائرات التي تم تزويدُها بها من الولايات المتحدة الأمريكية USA في صفقات هي الكُبرى في التأريخ كله، استخدمها أعداء شعبنا لضربنا في كُلّ المناطق الساحلية والسهلية والجبلية معاً. وقد كلّف ذلك وسيكلّف السعودية الكثيرَ والمزيدَ من الخسائر الدينية والأخلاقية والأدبية. فهي بعدَ كُلِّ هذه الجرائم قد أَصْبَحت عاريةً تماماً من كُلّ القيم الدينية والإنْسَانية أمام الرأي العام بشقيه الإقليْمي والدولي.
رابعاً: لم تعد السعوديةُ تلك التي كانت تمثّلُ دولةَ الرفاه الاجتماعي الاستهلاكي لدى مواطنيها؛ وذلك بسبب ما أهدرته من أموال مدنّسة لتمويل حروبها القذرة في الوطن العربي، وبالذات حربها العدوانية المباشرة في اليمن. وبالتالي، فقد أَصْبَحت تلهَثُ في البحث عن المال؛ لتعويض ما خسرته مؤخّراً، من جيوب مواطنيها البسطاء، والمقيمين فيها من العرب والأجانب من الدول النامية، وحتى من جيوب سمو الأمراء من حاشية بلاطها، ومن رجال المال والأعمَال المتسعودين (فقد أَصْبَح “الشحت” السعودي بالمفتوح).
خامساً : لم ولن يحقّق جيشُ السعودية والإمَارَات من عدوانهما على الشعب اليمني سوى قتل الأبرياء من الأَطْفَال والنساء والشيوخ، أَوْ تدمير المنشآت الخدمية في القطاعات الصحية والتربوية وغيرها، لكنهم لن يحققوا أيّ نصرٍ عسكري استراتيجي مهما حاولوا. ولو أن هناك عاقلاً راشداً في سُدّة القرار في دول العدوان لما استمروا ألف يومٍ ويزيد وهم يعبثون فحسب. أما حلمهم بتحقيق أي نصرٍ، فقد تبيّن بجلاء أنه مستحيل الحدوث، والأَيَّـام الألف الماضية خير دليل على ذلك، والأَيَّـام القادمة بيننا.
ليس هناك حَلٌّ للقضية اليمنية ولهذه الحرب، إلّا استئناف الحوار السياسي للوصول إلى سلامٍ دائم وَعادل، وهو ما كان قد انطلق مشوارُه في كُلٍّ من سلطنة عُمان، وجنيف 1، 2، والكويت. أمّا ما عدا ذلك، فهو ملهاةٌ عبثيّةٌ فادحةٌ هدفُها استمرارُ صاحب القرار الأرعن الطائش في تجويع وقتل الأبرياء من شعبنا اليمني العظيم فحسب.. ولذلك سيكون الحِمْلُ الإنْسَاني أثقلَ على المعتدين، واللهُ أعلمُ منّا جَميعاً.
﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾