تعمد استهداف مواد الإغاثة لتجويع المدنيين
حسن علي الوشلي
إستهدافُ طيران التحالف السعودي الأمريكي هناجرَ مواد الإغاثة التابعة لمُؤَسّسة بُنيان التنموية في محافظة الحديدة نموذجٌ لتعمد تجويع المدنيين وأسلوب من أساليب الحرب والحرمان من الحق في الحياة.
في ظل استمرار طيران التحالف بقصف الأحياء السكنية وتدميرها على رؤوس ساكنيها وقصف الأسواق وصالات العزاء والمدارس والمستشفيات ومختلف المنشآت المدنية الخدمية التي طالها القصف ونتج عنها استشهاد وجرح أَكْثَـر من سبعين ألفَ إنْسَان وتدمير شامل للبُنى التحتية والمراكز الخدمية للبلاد، بالإضَافَـة إلى وفاة وإصابة أَكْثَـر من مليوني إنْسَان؛ بِسَبَبِ الحصار المطبق برًّا وبحرًّا وجوًّا، وتعرض أَكْثَـر من خمسة وعشرين مليون إنْسَان لشبح المجاعة في أسوأ أزمة إنْسَانية عرفتها البشرية.
مُؤَسّسةُ بُنيان التنموية نتيجةً للوضع الإنْسَاني المؤلم واستشعاراً منها للمسؤولية تحَـرّكت في القيام برسالتها الإنْسَانية لإنقاذ أَكْبَـر عدد ممكن من المدنيين الذي يعانون المجاعة ويواجهون شبح الموت نتيجة الحصار وقيامها بعملها الإنْسَاني في توفير مواد الإغاثة لآلاف الأسر المعوزة من المدنيين الذي بالكاد يحصلون على وجبة غذائية في اليوم الواحد، وكان أحد الهناجر الواقعة في مدينة الحديدة الذي يحتوي على مواد إغاثية تمهيداً لتوزيعها لهذه الأسر وإنقاذهم من شبح الموت.
ولكون استهداف هذا الهنجر بمدينة الحديدة الذي يقعُ في منطقة مدنية يعلم بها الجميعُ انتهاكاً صارخاً لأهم مبادئ القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنْسَان الذي أَكَّدَ على أن الحق في الحياة حق مقدس لكل إنْسَان، كما أَكَّدَ ذلك القانون الدولي الإنْسَاني في نص المادة 54 من البرتوكول الأول الملحق لاتفاقية جنيف التي حظرت تجويعَ المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب وحظرت مهاجمة أَوْ تدمير أَوْ تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثلها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب.
وموادُّ الإغاثة لمُؤَسّسة بُنيان نموذج لآلاف الهناجر والمزارع ومرافق المياه والمرافق الخدمية والإنتاجية التي لا غنى عنها لبقاء المدنيين على قيد الحياة التي استهدفها طيران التحالف السعودي، ما يؤكد تعمُّدَ تجويع المدنيين وحرمانهم من الحق في الحياة كأسلوب من أساليب الحرب.
إن استهداف مواد الإغاثة في ظل استمرار القصف المباشر والحصار المطبق جوا وبحرا وبرا على الشعب اليمني الذي يعتمد على 95% من احتياجاته الأساسية على الخارج يُعتبر جرائم دولية متوافرة الأركان، حيث ورد في نص المادة السادسة من النظام الأساسي لمحكمة الجنائية الدولية في تعريفه لنظام الإبَادَة الجماعيّة، البند الثاني لتعريفه جريمة الإبَادَة الجماعية أن أي فعل من الأفعال التالية يرتكب؛ بقصد إهلاك جماعة قومية أَوْ إثينة أَوْ عرقية أَوْ دينية بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أَوْ جزئياً وَإخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أَوْ جزئياً، وهذا ما هو متوافر في هذه الحالة وجميع الحالات التي استهدف طيران العدوان السعودية المرافق الحياتية للشعب اليمني.
– كما يعد استهداف مواد الإغاثة جريمةً ضد الإنْسَانية، واعتبرت الإبَادَة ضمن جرائم ضد الإنْسَانية، حيث ورد في نص المادة السابعة في الفقرة ب من البند 2 أن الإبَادَة هي تعمد فرض أحوال معيشية من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء بقصد إهلاك جزء من السكان.
– واعتبرته جريمة حرب حيث ورد في الفقرة 2 من البند ب من المادة (8)، واعتبرت تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية -أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية- ضمن أصناف جرائم الحرب، وكذا ما ورد في البند 9 في نفس المادة أن تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أَوْ التعليمية أَوْ الفنية أَوْ العلمية أَوْ الخيرية… إلخ جريمة حرب وكذا ما ورد في الفقرة 25 من نفس المادة من أن تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم بما في ذلك تعمد عرقلة الامدادات الغوثية، وهذا ما يؤكد أن استهداف مواد الإغاثة جرائم متعددة متوافرة الأركان والشروط، الأمر الذي يفرضُ على المجتمع الدولي ومَن يحمل ذرةً من ضمير الإنْسَانية أن يتحمل المسؤولية الكاملة إزاء ما تتعرض له الإنْسَانية في اليمن نتيجةً لأقذر حرب وأسوأ أزمة إنْسَانية عرفتها البشرية.