الاتفاق النووي ماذا يعني لإيران والخليج؟
عبد الملك العجري
التوصل للاتفاق الذي اعلن عنه بالامس في فينا لإقفال ملف الأزمة التي أحدثها نووي إيران هو كما وصفه الصحفي الأمريكي توماس فريدمان بـ”الزلزال الجيوسياسي” وبحسبه فأن تأثيرات اتفاق أميركي – دولي – إيراني على المنطقة “قد تفوق وقع كامب ديفيد والثورة الإيرانية معاً في إعادة ترتيب الشرق الأوسط” . فالاتفاق انعطافة سياسية سيكون له تداعيات كبيرة على التوازنات الإقليمية والملفات الساخنة ,وفي إعادة صياغة المنطقة وتسييل خارطة التحالفات السياسية وعلى مجمل الأوضاع.
ايرانيا هذا الاتفاق سيحقق لها جملة من المكاسب السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية تساعدها في الخروج من قفص العزلة الدولية المفروض عليها ، وفي التذويب من الجليد الذي ظلّ لعقود يعكر العلاقات بين إيران والولايات المتحدة والقوى الكبرى ,الاتفاق اعتراف من هذه الدول بإيران قوة نووية وفاعلا إقليميا هاما بما يعظم من نفوذها الجوسياسي خاصة وإيران دولة غنية بالطاقة و تمتلك البنية التحتية المعرفية والتقنية والتصنيعية التي تمكنها من تحقيق قفزة اقتصادية ترفعها إلى مصاف الدول الصناعية .
كما ان رفع العقوبات الاقتصادية وإلغاء الحظر على المصرف المركزي وعلى سوقها النفطية و التسييل التدريجي لأموال وأصول إيران البالغة وفقا لتقديرات إيران لمائة مليار دولار سيكمن الاقتصاد الإيراني من التعافي والانتعاش .
صحيفة “الغارديان” البريطانية توقعت أن يفتح رفع العقوبات الأبواب أمام سيل الشركات الراغبة في الاستثمار واستشهدت بما قاله رجل أعمال إيراني عن تواجد مؤشرات كثيرة على أن الشركات توجه اهتمامها صوب إيران، وأحد المؤشرات على درجة الاهتمام هي أنك حاليًا لا تستطيع أن تجد غرفة خالية في فنادق طهران”.
خليجيا يشكل الملف النووي الإيراني كابوسا مزعجا لدول الخليج بالذات النظام السعودي الذي تحكمه مخاوفه أولا ومصالحه ثانيا وتنظر للمفاوضات والاتفاق اكبر من أن يكون مجرد نزاع ننوي بل تحول في الموقف الدولي الغربي والأمريكي واعتراف بإيران قوة و شريكا أساسيا في ترتيب أوضاع الإقليم والمنطقة لا يمكن تجاوزه أو تجاهله أو تجاهل مصالحه ,و بحسب التصور الخليجي سيفتح شهية الدولة الإيرانية نحو مزيد من التغلغل والتدخل في شؤون الدول الخليجية والعربية ,واستعادة دورها القديم إبان عهد الشاه، أي سيجعل منها بمثابة شرطي المنطقة خاصة وأن النفوذ ا الإيراني- ،أصبح يهددها في حدائقها الخلفية والأمامية ويشكل حزاما يلف المملكة في العراق ولبنان وسوريا واليمن .
كان الرهان الخليجي قائمًا على استمرار حالة العداء بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وعلى هذا الأساس كانت تعتمد بشكل استراتيجي على الاتفاقيات الأمنية مع الولايات المتحدة لحماية أمنها و تحقيق الردع و التوازن الإقليمي في مواجهة إيران .
إلا أن احتمال تطور التقارب الأمريكي –الإيراني أوقع دول الخليج في مأزق استراتيجي أو كما يسميه البعض ” الانكشاف الاستراتيجي” وأبان أنها غير مهيأة ولا متهيئة لأي مفاجأة تطرأ على العلاقات والتوازنات الإقليمية اوعلى تراجع اولويات أمريكا في الشرق الأوسط .
ألان تساور الخليجيين مخاوف أن يكرر اوباما نفس سيناريو الأزمة السورية وذلك باختزالها في الملف النووي كما حصل في الملف الكيماوي بالنسبة لسوريا من دون التفات لمصالح ومخاوف دول الخليج وفي هذه النقطة بالذات كانت رؤية ايران ان المحادثات يجب ان تكون نووية خالصة ورفضت ربط المفاوضات النويية باي ملفات أخرى ونجحت في فرض رؤيتها هذه على مجموعة(5+1)
وهو ما يتعتبره الكاتب الأمريكي توماس فريدمان بمثابة هروب أو تنصل من الالتزامات الأمريكية بحماية السعودية من أعدائها الإقليميين وعلى رأسهم إيران.
محللون وخبراء يرون ان الانسحاب الأمريكي من العراق كانت نتيجته تغيير في موازين القوى لصالح ايران وهذا قادهم الى استنتاج انه في حال قررت أمريكا تقليص نفوذها او في حال تراجع اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط , فإن إيران ستكون القوة الإقليمية العسكرية التي يمكنها ملئ الفراغ .
تتلبس السعودية مشاعر مريرة ان ثقة الغرب بالاعتماد عليها كحليف استراتيجي في المنطقة قد اهتزت بعد الهزائم المتتالية لمشاريعها في المنطقة في العراق ولبنان وسوريا واليمن في مقابل التقدم الذي أحرزه من يسمونهم وكلاء إيران في المنطقة.
تقف السعودية وإسرائيل على رأس قائمة المنزعجين من نتائج المحادثات الإيرانية الغربية ومثلت نقطة التقاء جمعت إسرائيل بالنظام السعودي ودول عربية أخرى , وقد أفصح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو بقوله “المخاوف من البرنامج النووي الإيراني خلقت فرصة للتعاون مع السعودية و دول عربية أخرى .
مارست الدولة العبرية والعربية السعودية ضغوطا مكثفة على حلفائهما الغربيين لإعاقة أي اتفاق بينهم وبين إيران , وبذلا مساع حثيثة لحث الغرب لإرغام إيران على تفكيك برنامجها النووي بفرض مزيد من العقوبات او بالتدخل العسكري او توجيه ضربات مركزة للمنشات النووية على نحو ما فعلت إسرائيل في العراق.
مع توقيع اتفاق لوزان لم تخف دول الخليج امتعاضها لما حصل أما رئيس وزراء العدو الصهيوني “بنيامين نتانياهو” فقد وصفه في خطاب له أمام الكونجرس الأمريكي بالسيئ وتحدث قائلاً: “أصدقائي، قبل أكثر من عام قلنا لكم إنّ عدم التوصّل إلى اتّفاق أفضل من اتّفاق سيئ. وهذا اتّفاق سيئ، سيكون العالم أفضل دونه
ويعد الكونجرس احد المنافذ التي تتوسلها إسرائيل والعربية السعودية للتأثير على القرار الأمريكي لذلك كانت تصريحات أعضاء بارزين في الكونجرس متماهية مع السعودية سواء من الاتفاق أو في علاقته بالعدوان
تصريحات كيري لأعضاء الكونجرس عقيب الاتفاق تعكس حجم الضغوط التي يمارسها الكونجرس لإفساد الاتفاق ما دفع كيري الى مخاطبتهم بالقول بأنه “لن يكون بمقدورهم تعديل أي اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، على الرغم من تهديدات وجهها أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ”.
الغموض الذي يلف محادثات الملف النووي الإيراني هو ما يعظم من قلق الخليج, وقلقهم ان الاتفاق لن يراعى مخاوفهم ولا مصالحهم ومن ثم كان تركيز العربية السعودية ودول الخليج ينصب بالحد الأدنى أن يكونوا جزءا من المفاوضات وان تشرط المفاوضات النووية بالملفات العالقة والساخنة المتعلقة بصراع النفوذ في لبنان والعراق وسوريا واليمن إضافة الى صفقات الأسلحة والصواريخ التي يمكن ان تسعى ايران للحصول عليها .
وكالة رويترز نقلت عن مصطفى العاني من مركز أبحاث الخليج في دبي , أنهم لا يعارضون المحادثات الإيرانية الأمريكية لكن لدينا مخاوف ضخمة من أن الأمريكيين يمكن أن يقدموا تنازلات للإيرانيين من شأنها تقويض أمننا ولن تكون مقبولة بالنسبة لنا وعلى حده يجب أن نكون جزءا من تلك المفاوضات. لا نريد أي مفاجآت. نريد أن نكون شريكا وأن تكون مصالحنا ممثلة.
توقيع الاتفاق كشف أن الجهود الخليجية السابقة لم تفلح في إعاقة الاتفاق وفشلت السعودية في إقناع الولايات المتحدة والدول الخمس بخطورة الاتفاق مع إيران على الوضع الإقليمي وفي اشراط الاتفاق بالملفات الشائكة أو في فرض نفسها جزءا من تلك المفاوضات.
كما يبدوا فان مقاربة الإدارة الأمريكية للاتفاق وأوضاع المنطقة واو لولياتها لا تتطابق بالضرورة مع مقاربة وأولويات الخليج .
اوباما -في معرض رده على الانتقادات والاستفهامات التي اثارها الاتفاق – برر الاتفاق بان نجاح ايران في تحقيق الاختراق التكنولوجي مع وجود الإجماع القومي عليه يلغي القوة العسكرية كخيار لوقف البرنامج.
ومن الدفوعات التي يحاجج بها أنصار أوباما أن الاتفاق سيفتح آفاقا جديدة في العلاقة مع طهران ويبعث على التفاؤل بتغير سياسات إيران الإقليمية وتعزيز زعمائها المعتدلين و إعادة تأهيل ودمج إيران في المجتمع الدولي وغيرها من المعطيات التي يقرا فيها فريق من الخبراء مؤشرات على ما يفترضونه نهاية عصر أمريكا في الشرق الأوسط, وما يسمى عقيدة اوباما.