هل يُعقَلُ أن ينصُرَ الله القاتل والمقتول معًا؟!
عبدالله سلام الحكيمي
أَكْثَـرُ ما يحيِّرُ ويُربِكُ الإنْسَانَ المؤمنَ بالله ويُسيءُ إلى دين الله الحق ويشوّه صورته ومقاصدَه أن يجدَ أطرافًا متقاتلة تتسبّب في قتل الآلاف المؤلفة من البشر وتدمّر حياتَهم وأمنهم واستقرارهم ويدّعي كُلّ طرف منها أنه إنما يقاتِلُ في سبيل الله، وأن اللهَ يقفُ معه وينصُرُهُ على الأطراف الأُخْرَى!
إن مثلَ هذا التوظيف السياسي للدين ينطلق من سوء فهم لسمو الدين ونبل مقاصده ويخرج كَثيرًا عن تنزيه الله سبحانه وتعالى وينزله إلى طاولة خدمة أهدافنا وأغراضنا السياسية والمصلحية الدنيوية، إذ يستحيل أن يكون الله تعالى علوًا كبيرًا مع المتقاتلين جميعًا قاتلين ومقتولين في ذات الوقت! ذلك أن الله جل جلاله خلق الناس مختارين لأفعالهم وبيّن لهم بوضوح تام الطريقَ المستقيمَ والحقَّ والباطلَ، وهم أحرار في اختيار ما يشاءون؛ ليجزيَ الله يومَ الحساب كلًا بما كسبت يداه، (لها ما كسبت وعليها ما كسبت)، فلا ظلم ذلك اليوم أبدًا (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)، ولو تدخل الله عز ذكره لنصرة هذا الطرف وخذلان الطرف الآخر لاقتضى ذلك الغاء حرية الإنْسَان في اختيار افعاله ولانتفت عنه المساءَلة والحساب؛ لأنه حينها يكون مسيّرًا وليس مخيرًا، وهذا يناقِضُ سُنة الله في خلقه لبني آدم واستخلافه لهم في الأرض!
ويخلط البعض بسوء فهم بين نُصرة الله وتأييده لأنبيائه ورسله ومَدّهم بجنود من الملائكة ضد الكافرين برسالات ربهم وبين الخلافات والصراعات التي تنشَبُ بين الناس في مسيرة الحياة الدنيا.
ففي الأولى الله سُبحانه وتعالى هو الذي يتولّى الأمرَ مباشرةً باصطفائه للأنبياء والرسل ليحملوا رسالاتِ دينه الحق ويبلغونها للناس بأمر ربهم فحق عليه جل وعلى نصرة وتأييد رسله حتى يبلغوا ما أنزل اليهم من ربهم ليقيم الله الحجة على الناس وفقا لرسالات دين ربهم فما كان الله معذبهم حتى يبعث رسولا!
أما في الثانية فإن إرَادَة الله ومشيئته تعمَلُ وفق ما اقتضته إرادته أَيْضًا بأن يكون الناس مختارين لأفعالهم وأعمالهم بالكامل ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة.
إن تحميلَ مسؤولية أعمالنا وأفعالنا وجرائمنا وبشاعاتنا لله المنزّه، فيه ظلمٌ كبيرٌ بل واجتراء على الله ودينه الذي يهدي للتي هي أقوم، وتسويغ لأنفسنا لارتكاب ما لا يُرضي الله؛ بدعوى ارضاء الله! وذلك ما يجعلُ الناسَ غيرَ حريصين ولا مبالين في التحرّي الدقيق لمدى مطابقة ما يفعلونه ويرتكبونه من أعمال لتعاليم دين الله وأوامره ونواهيه؛ انطلاقًا من الفهم السليم للدين (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ، وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا).
(هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)..
فعلينا أن نتحمَّلَ مسؤوليةَ أعمالنا كاملةً وننزِّهُ اللهَ الكبيرَ المتعالَ من سيئات أعمالنا وشرور أنفسنا لنفوزَ برضائه ومرضاته.
(رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا).