تركيا تدق طبول الحرب بين السودان ومصر
المسيرة: إبراهيم السراجي
ارتدى الرئيسُ السودانيُّ عمر البشير، أمس الجمعة، الزيَّ العسكري وصرّح بلهجة ملؤُها الحماسُ أنه يتوق إلى “الشهادة”، مؤكداً الاستعدادَ الكاملَ لدحر أي عدوان على بلاده، لكن الأمرَ هنا لا يتعلق باستنفار سوداني ضد العقوبات والحصار الأمريكي أَوْ لإعَادَة توحيد السودان الذي انفصل جنوبه عن شماله، ولا ضد النشاط الإسرائيلي المتزايد في بلاده، بل متعلقٌ باستنفار النظام السوداني ضد الجارة العربية مصر، حيث تشهد العلاقاتُ بين البلدين توتراً سياسياً وأمنياً وعسكرياً كبيراً.
وفي هذا السياق وعلى نحو غير مسبوق، أعلن مساعدُ الرئيس السوداني، إبراهيم محمود، نائب رئيس المؤتمر الوطني الحاكم، وجودَ تهديد أمني إرتيري مصري للسودان، مشيراً لوجود تحَــرّكات عسكرية في منطقة “ساوا” الارتيرية على حدود ولاية “كسلا” السودانية.
وأضاف أن المكتب القيادي عقد اجتماعاً استمرَّ ساعتين وشارك فيه نائبُ الرئيس السوداني، بكري حسن صالح، الذي بدوره تحدث خلال الاجتماع عن تحَــرّكات عسكرية من قِبَلِ مصر وارتيريا في قاعدة “ساوا” بحدود السودان، زاعماً أن تلك التحَــرّكات تستهدف بلاده.
وانطلاقاً من تلك المزاعم، أعلن السودان إغلاقَ حدود الشرقية مع ارتيريا، حيث أعلن الرئيسُ السوداني في وقت سابق حالة الطوارئ في ولاية “كسلا”، فيما أعلن والي الولاية تشكيلَ لجنة عليا للتعبئة والاستنفار في الولاية.
الرئيس السوداني أراد صَبَّ مزيد من الزيت على نار العلاقات المشتعلة مع مصر عندما قرر الظهورَ في ولاية “سنار” مرتدياً الزي العسكري، حيث اختار توقيت احتفال بلاده بما يسمى “عيد الشهيد” ومن هناك ألقى خطاباً حمل الكثير من التهديدات المبطَّنة لمصر، وقال “عهْدُنا للشهداء أن تظل رايةُ الجهاد مرفوعةً رغم كيد الخائنين والمتربصين”، مضيفاً أن “السودانَ على استعداد لدحر أي عدوان عليه”، وهي عبارة تتماشى مع اتهام نائبه لمصر بالقيام بتحَــرّكات عسكرية في ارتيريا تستهدفُ السودان.
هذا التصعيدُ السوداني سبقه نشْرُ قوات “التدخل السريع” بشكل لافت في 6 يناير الجاري في الحدود مع ارتيريا، وزعم النظام السوداني في حينه أن ذلك الاجراء لمواجهة أوضاع داخلية في ارتيريا يتوقع أن تسفر عن موجة نزوح إلى عبر الحدود، لكن التصريحات الرسمية لمساعد البشير، أمس الجمعة، أكّدت أن الأمرَ غير ذلك تماماً.
ما يؤكدُ الرغبةَ السودانية في توتير الأجواء مع مصر هو إصرارُ النظام على هذه الخطوات المتلاحقة التصعيدية بشكل مُخَطّط له سلفاً، حيث أعلن السودان في 4 يناير الجاري استدعاء سفيره في القاهرة للتشاور ولم يعد السفير منذ ذلك الحين، فيما كان الموقف المصري في حينه محصوراً في بيان صادر عن الخارجية يؤكد تلقيَه اخطاراً رسمياً من الخرطوم باستدعاء السفير، مشيراً إلى أن “مصر تقومُ بتقييم الموقف بشكل متكامل لاتخاذ الإجراء المناسب”.
ويبدو أن مصر أكثرَ ميلاً نحو خفض التوتر مع السودان وتبدو القاهرة في ذات الوقت عاجزة عن كبح جماح التصعيد السوداني.
ورفضت وزارتا الخارجية والدفاع المصريتان الردَّ على الاتهامات السودانية الأخيرة للقاهرة بالقيام بتحَــرّكات عسكرية في ارتيريا تستهدف السودان، غير أن وزير الخارجية، سامح شكري، قال في مؤتمر صحفي بأن بلادَه تأمل أن تشهدَ العلاقات مع السودان القدرَ اللازمَ لما يُراعي مصالح الشعبين وفقاً للاتفاقات الموقَّعة بين البلدين.
كما نقلت وسائلُ إعلام عن مصادرَ سياسية مصرية أن القاهرة تريد تهدئة الأجواء مع السودان وتأمل أنْ لا تتحول السودان لأداة بيد قوة إقليمية لاستهداف مصر.
ويبدو واضحاً أن الحديثَ المصريَّ عن “القوة الإقليمية” هو إشارة لتركيا، خصوصاً أن التصعيد السوداني ضد مصر تنامى بشكل واضح بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للخرطوم في 23 ديسمبر الماضي وتوقيعه لاتفاقيات مع الرئيس السوداني طالت الجوانبَ الاقتصادية والأمنية والعسكرية، وأخطرها اتفاقيةُ تأجير جزيرة “سواكن” الواقعة على البحر الأحمر لتركيا، الأمر الذي اعتُبر تهديداً لمصر من خاصرتها.
جديرٌ بالذكر أنَّ كُلًّا من مصر والسودان جزءٌ من التحالف الذي يشن العدوان على اليمن وتشارك الأخيرة بشكل أكبر من خلال إرسال آلاف من مرتزِقة الجنجويد إلى اليمن.