معركة ذات السلالم: التفاصيل الخفية والقصة عن قُرب
المسيرة| يحيى الشامي
لم يضعْ جنودُ العدو السعودي أَيَّ احتمالٍ ولو صغيراً على لائحة احتياطاتهم العسكرية يتعلّقُ بإمْكَانية نفاذ المقاتلين اليمنيين إلى موقعِهم شديدِ التحصين، فالضبعةُ حُصْنُ أكثرُ منه موقعاً عسكرياً رقابياً يطلُّ على أكثر من وجهة من خبوت نجران وما قابلها من أراضي البقع وكتاف، وقبل الحديث عن تفاصيل الهجوم الأخير على الموقع أَوْ ما بات يُعرَفُ بغزوة ذات السلالم، نضعكم في صورة جغرافية توضح موقع الضبعة في خارطة المعارك وخريطة جغرافيا الحدود.
يقع موقع الضبعة الجبلي خلف الشريط الحدودي داخل أراضي نجران من الجهة الغربية قُرب سلسلة جبال عليب الشهيرة، وهو أحد المواقع القريبة من سد نجران الذي يبعد عن الموقع مسافة أربعة كيلو مترات.
كانت آخرُ معركة دارت على الضبعة قبل أشهرٍ، حينها أغار المقاتلون اليمنيون على حامية الموقع موقعين مقتلةً رهيبةً فيهم قبل أن يفجّروا دِشَمَه وتحصيناته وغُرَفَ الرقابة وعدد من الآليات العسكرية ويضعوا أسلحتهم على مخازن الأسلحة والذخائر، بعدَها انتقلت المواجهاتُ إلى مواقع أُخْــرَى، أبرزها موقع الزور ذو البرج الاسمنتي الشهير الذي عاين عمليةَ تفجيره بعضُ سكان مدينة نجران، وكذلك قيادة عليب وهو الآخر سبق تفجير برج رقابته الاسمنتي.
وبالإضافة إلى خصوصية موقع الضبعة الرقابي، فقد ضاعف الجيش السعودي من أعمال التحصين في الجهة المقابلة لمواقع الجيش واللجان الشعبية، جاعلاً منه حصناً جبلياً يستحيل الوصول إليه بالآليات العسكرية أَوْ حتى تسلّقه مشياً على الأقدام، خَاصَّة مع التشديدات الرقابية التي يستخدمُها حرس الحدود السعودي من كاميرات رقابة ومناظير رصد واستطلاع ومتاريسَ مستحدثةٍ في خطوط متقدمة عن هذه المراكز.
متحدّياً كُلّ الحسابات بالغة التعقيد التي احتمى خلفَها الجنديُّ السعودي ومتجاوزاً جهودَ وأسوارَ شهور من الأعمال التحصينية العسكرية السعودية يتقدم المقاتلُ اليمني صوب الضبعة بعد دراسة طبيعة الموقع واستطلاعه ورصد عديد الجنود والعُدّة عليه، وأقوى عامل يركن إليه العدوُّ في الموقع هو طبيعة الموقع الجبلي بالغ الارتفاع وشديد الانحدار باتجاه الأراضي اليمنية، وهذه بالنسبة للمقاتل اليمني لا تحتاج لتجاوزها سوى (سُلّم) بارتفاع يبلغ الخمسة عشر متراً يجتاز عبرَه المجاهدون المنحدرَ الأخيرَ قبل إكمال المسير لبلوغ التحصينات وغرف العمليات والرقابة داخل الضبعة وفي أعلى قمة جبلية فيه، بالفعل يتحَـرّك سبعةٌ من المجاهدين اليمنيين إلى الموقع و(السلم) أحد أهم سلاح سيستخدمونه في عملية إسقاط الضبعة، وبينما توافي وحدات الرصد والاستطلاع المشاة السبعة بالمعلومات المتعلقة بتحَـرّكات العدو في الدقائق الأخيرة، يستمر المسير مشياً على الأقدام مسافة تُقدَّرُ زمنياً بالساعة إلا دقائق، كيف أغفل العدو تحَـرّكات سبعة من المجاهدين اليمنيين على الأرض صوبَ مواقعه، هذا السؤال يُعَدُّ لغزاً لا يقل إثارةً للدهشة عن حكاية السلّم نفسه، وبعدَ بلوغ المجاهدين المكان ما قبل الأخير، يتم رفع السلّم واستخدامه لعبور العقبة الجبلية الأكبر، يمر الجميع من على السلم ويواصلون المشيَ مسافة أمتار، لتبدأ بعدها معركةُ نقطة الصفر، العدو السعودي -وبين أفراده ضباطٌ- يقعُ في وَهْدة المفاجأة ضحيةً لمباغتة المقاتل اليمني القادر على الوصول إلى أية نقطة يُقرر بلوغها، لا مجالَ حتى لحمل السلاح الرصاص ينهمرُ من سبع نواحيَ والكاميرا توثّق لحظات الرعب المحاصرة للجنود السعوديين يواصل المصوّر التوثيق بينما يستمر المجاهدون في التنكيل، وفي المشاهد صراخ يتعالى وبكاء وعويل ودماء تغطي ترابَ الجبل وتسيح إلى تلك الحفر التي ثُبّتت عليها مرابضُ مدفعية حرس الحدود ورشاشاته وحتى كاميرات الرقابة والرصد، الطيران الحربي يُحلّق بجنون، لكنه هذه المرة لا يُمكنه القصفَ، يكتفي بفتح حواجزَ بغير جدوى وبصورة تشبه صياحَ الجنود السعوديين على الأرض.
قبل المغادَرة وبعد التأكُّد من قتل الجميع، يحمل المجاهدون الغنائمَ ويعودون إلى مواقعهم، وفي الطريق وقبل الوصول يحضُرُ طيران الأباتشي للنجدة، فالأباتشي في المعارك التي تتلاشى فيها مسافاتُ المواجهة قد يكون أكثرَ جدوى من الإف 16 والتايفون، لكن الطيارَ لا يجد مَن يقصفه ولا يرى على الموقع من ينصُرُهُ؛ لذا يحاولُ عبر الاقتراب من الأرض أكثر والتحليق على علو منخفض التأكّد من وجود جندي على الأرض، غير أنه لا يجدُ شيئاً على الموقع سوى أدخنة تتصاعَدُ من أحد المخازن وجسم معدني طويل ملتصقٌ على منحدر القلعة العسكرية إنه (السُّلَّم).