سقطرى.. ناقوس خطر ينذر بالضياع (1-2)
ماجد التميمي
لطالما أُطلق على جزيرة سقطرى اليمنية الجزيرة المباركة، ويبدو أن تسميتها تلك جاءت وفْــقاً لاعتبارات تأريخية وطبيعية بالإضَافَـة إلى حضورها اللافت في محافل التجارة قديما، فقد شكّلت رقماً مهماً على صعيد التجارة الدولية وخَاصَّــة تجارة البخور واللبان والصمغ.
ولا شك في أن الجزيرة باتت تواجه ظرفاً تأريخياً استثنائياً، ربما يكون الأصعبَ منذ تكوينها الجيولوجي الأول، لا سيما وَأن وجودَها في ذلك الصقع البعيد قد جعلها -على امتداد حقب تأريخية- تحتفظ بجوهر تكوينها ضمن معادلة التوازن البيولوجي، بالإضَافَـة إلى نجاتها من أفعال الإنْسَان وتدخلاته الطائشة، وهو ما جعلها تنتزع كُلّ هذا التقدير العالمي؛ باعتبارها مستودعاً طبيعياً وأحيائياً زاخراً وواحداً من أَهَـمّ مواقع التنوع الحيوي في العالم.
على أن طبيعتَها الزاخرة والملفتة ليست هدف هذا الموضوع، بقدر ما هي أَسْبَاب موضوعية كانت الدافع الأول، في تقديري، الذي حرك أَطمَاع دولة مثل الإمارات صوب هذه الجزيرة رغبة في الاستحواذ عليها.
وإنْ كنا نغض الطرف عن حلمها الطائش والمجنون باعتباره بعيدَ المنال، خَاصَّــةً في ظل هذه الصحوة المجتمعية والضمير اليماني الذي لم يخضع يوماً ولم تُكسر إرادته يوماً، لكن نظرة واحدة للتأريخ يجعلنا ندرِكُ حجمَ هذا الدافع الذي تسعى خلفه الإمارات والقوى التي تقف خلفها، فالاضطرابات السياسية التي شملت بعض البلدان العربية، ومنها اليمن، قد وفرت بيئة مناسبةً لمثل هذه الأَطمَاع، وقديما تحَـرّكت بعض الدول الكبرى، مستغلة ظروفاً مشابهه وبسطت نفوذها على جزر بعيدة لا يزالُ الكثيرُ منها تحت سيطرتها حتى الآن، وكان ذلك جزءاً من ثقافة الهيمنة للتحكم في هذا العالم ومساراته، وجزءاً من ثقافة استعماريه عزّزتها ظروف العالم الذي كان لا يزال في طَوْر تشكله ومحكوم بمتغيرات جيوسياسية، بالإضَافَـة إلى جهل الشعوب وضعفها وانصياعها لإرَادَة القوي.
لكن ما يُثيرُ قلقَنا اليومَ هو أن الإماراتِ باتت تتصرَّفُ بشكل غير لائق تجاه هذا المكون الأحيائي وتقوم بتصرفات عبثية من خلال تدمير بعض المواقع الطبيعية والأثرية وتحويلها إلى مواقع استثمارية, ناهيك عن تماديها المفرط في نهب بعض كائناتها النادرة من نباتات وطيور، وقد حدث ذلك منذ بدء الفترة التي احتلت فيها القوات الإماراتية الجزيرة وشرعت بالتصرف بمقدراتها كما لو كانت حقاً مكتسباً لها، ومن الغرابة أن ذلك يحدُثُ في ظل صمت دولي مطبق حتى من قبل المنظمات الدولية التي تدعي حمايتها لمثل هذه المواقع الدولية, وأخص بالتحديد هنا منظمة اليونسكو التي كانت قد أدرجت سقطرى ضمن محميات التراث الطبيعي وضمن مواقع التنوع الحيوي وذلك في القرار الدولي رقم (1263).
ومؤخّراً نقلت بعضُ الوسائل الإعْلَامية تسريبات أولية، وإنْ لم تكن تصريحات رسمية، بوجود مساعيَ مبطنة لمحاولة الإمارات إخضاع الجزيرة لاستفتاء شعبي يتعلق بتقرير مصير الجزيرة في الانضمام إليها، وهو ما يعد تطاولاً على السيادة اليمنية وخطوة هي الأخطر منذ احتلالها الجزيرة، ووفْــقاً لهذا فإننا نرى في هذه المغامرة غير المحسوبة تهديداً للأمن العالمي وتطاولاً على القرارات الدولية والأُمَــمية, واستهتاراً واضحاً بالمواثيق الدولية التي تجرم مثل هذه الأفعال.
لم يدر في خلد المحلل الإماراتي الذي سرّب مثل هذه التصريحات أن سقطرى لم تفقد هُويتها اليمنية برغم الاحتلال البريطاني الطويل لها. ولم تستطع روسيا العظمى سلخها عن لُحمتها الأصلية وقد بسطت نفوذها عليها فترة من الزمن, ولا تزال دباباتُها الصدئة شاهدةً على رحيل أحد أقوى الجيوش العالمية وبقاء سقطرى شامخة في عرض المحيط.
يزعم الإماراتيون أن جذورَهم الأصلية قد نبتت في سقطرى، وهم لذلك يرَون أحقية مطالبهم في هذه الجزيرة، ومنطقياً فإنَّ الفرعَ يتبعُ الأصلَ وليس العكس، وعليه فمن المفترض أن يطالِبَ السقطريون باستفتاء دولي لضمِّ الإمارات إلى الجزيرة، وإلا فإنه, ووفقاً لمنطقهم الفاسد، يحق للهنود والبنغاليين والباكستانيين المطالبة باستفتاء مماثل بضَمِّ الإمارات إليهم؛ لأنهم باتوا يشكلون ما يقارب من 89% من سكانها، وأنه حتى مصطلح العربية المقترن باسمها قد بات غريباً وغير ذي دلالة إطلاقاً في الوقت الحاضر. وأَكْثَــر ما يثير اشمئزازي هو نبرة الاستخفاف والاستهجان التي تعود الخليجيون عليها رغم كونهم مرتهنين لقوى أجنبية ولا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً.
في ما مضى كرّست بريطانيا جهداً كبيراً للاحتفاظ بجبل طارق الواقع تحت السيادة الإسبانية، لكنها لم تفعلْ هذا من خلال الاعتماد على تفوّقها العسكري، بل لجأت إلى استمالة الأهالي وإغرائهم ودفعهم إلى الانصياع لإرادتها، بالمال والمشروعات، حتى انضووا لحُكمها بعد استفتاء أشرفت عليه الأُمَــم المتحدة بنفسها.
لعل الإمارات اليوم تسعى لتطبيق هذا النموذج، مستغلة ظروف البلد والأهالي الذين ربما قد يفضلون الانصياع لإرادتها إذا ما تحقق لهم ما يطمحون إليه من استقرار معيشي وهو أمر لا ينبغي للنخب اليمنية أن تسكت عنه مهما كان الثمن.