الحلم العثماني وفزّاعة الهلال الشيعي
وسام الكبسي
الإرثُ الحضاري والتأريخي لأي أُمَّــة من الأُمَـم محل فخر واعتزاز الأجيال المتعاقبة، فحاضر الأُمَـم دائماً يقاس بماضيها، فمن لا ماضي له لا حاضر له، هذه القاعدة الأساسية التي تقاس وتعرف بها الحضارات الحالية، ومن المعروف عند أهل المعرفة أن الجانب الحضاري لأي شعب لا يكتفي بمجال دون أُخْــرَى، ولكن بمستوى الاستقرار الامني ومستوى الحركة التجارية والمعمارية والفكرية وبناء العلاقات الخارجية مع الجوار… لنعود إلى عنوان مقالنا حتى لا نسهب في الموضوع..
الحنين إلى الماضي شيء طبيعي، والسير على ما سار عليه الأجداد ولو بثوب الحاضر كضرورة حتمية.
وعلى أية حال، فَماضي الأُمَـم مدرسة الأجيال العريقة التي منها يستقون إرثهم، ويتلقون تأريخهم، وينهلون من ينابيعها أفكارهم، ومن تأريخها التليد أصالتهم وفخرهم..
لكن ذلك الذي لا تأريخ له، فهو ذلك الذي يعيش متخبطا متحجر العقل، دائماً يرتمي في أحضان الآخرين مهما كانت لديه من إمكانيات مالية، فَالمال دون عقل أَوْ فكر وإرَادَة يخلقها الوعي والإرث التأريخي كماء على وجه غربال.
اليوم ما نشاهده في منطقتنا أَوْ ما يسمى بالشرق الأوسط، من سباق محموم بين جميع الأقطاب الدولية وحلفائهم، على ما تبقى لنا من عروبة وما نملكه من حضارة ضاعت ومن تأريخ يتنازعه الأصدقاء الحاقدون في غفلة من شعوبنا، وخيانة من النخب الحاكمة، وتيه العلماء والمثقفين في قمامة مملكة الرمال بحثاً عن بقايا عقولهم المتعفنة.. ولأنهم لا يحق لهم حق التفكير إلّا بمرسوم ملكي من جلالته فقط وفق ما يراه بيتهم المقدس الأبيض، أَصْبَحوا لا يرون حتى إذن أنوفهم، ولا يفكرون إلّا بما يراه الشيطان الأَكْبَـر، ولا ينطقون إلّا زوراً وبهتاناً، فيه من الكبر والغطرسة والغرور ما فيه تماما كإبليس اللعين.
نعرف جَميعاً العداءَ الكبيرَ الذي يحمله الإسرائيليون والأمريكان تجاه إيران خَاصَّـة من بعد نجاح ثورة الإمام الخميني، ولكن كم وجدنا حجم التوجه العدائي من قبل مملكة بني سعود وَدويلاتهم وتوظيف جميع امكانياتهم الضخمة لخلق عداوة شعبية في المنطقة على إيران، أدى إلى خلق كذبة العصر، وهي الخطر الشيعي، وبرمجة ذلك إلى خطط وبرامج عمل مركَّزة لتزييف العقل العربي، وحَرْف بوصلة العداء تجاه إيران، ونسيان العدو الحقيقي الذي حذرنا منه الله سبحانه وتعالى بل ودعانا إلى نبذهم ومعاداتهم وهم اليهود، ولكن للأسف الشديد، فقد عملوا على تزييف الوعي وحرف الحقائق؛ ولأن العرب ذوو عاطفة دينية فقد تم إنشاء الوَهّابية إلى جانب السلطة السياسية ممثلة بِبني سعود، أوجدوا مدارس فكرية تشبه إلى حد الطابق المدارس الفكرية من اليهودية والمسيحية في القرون الوسطى لأوروبا؛ ولذلك عمت الفوضى وغرقت أوروبا في ظلام دامس كما يجري الآن في الوطن العربي؛ نتيجة إخلاص أحفاد مردخاي وإيصالهم لقطاعات واسعة من مجتمعنا إلى تبنّي العداء الشديد لإيران، مقدمين الولاء لولي الأمر الظالم الباغي العميل ومتناسيين (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ).
لستُ هنا مدافعاً عن إيران وليسوا بحاجة لمن يدافع عنهم.. ويشهد الواقع، هل رضيت أمريكا عنْ مَن قدم المواقف الكبرى؟ فقد قدم صدام شعبه ضحيةً في سبيل رضا أمريكا عنه في حربه على إيران؟ وكيف كانت نهاية زعماء عرب كانوا من المخلصين للغرب؟ وما هو حال شعوبها وجيوشها؟.. لإيران حضارة وتأريخ ومن حقها أن تسعى لإيجاد موطئ قدم هنا أَوْ هناك في غفلة من العرابيد، ولكن لم نرَ أنها تسعى لتواجد العسكري أَوْ غيره، محترمة المواثيق الدولية وحق السيادة، واقفة إلى جانب قضايا الأُمَّــة الكبرى دون النظر إلى الانتماء الفكري أَوْ المذهبي…
تركيا اليوم على طريق السباق في تقاسم الوطن العربي ووقف العقلية العثمانية كإمبراطورية عسكرية وليست كإمبراطورية ذات إرث حضاري مختلفة تماما عن إيران، فَالأولى ترى أن لها الحق في التدخل لسيطرة على مناطقَ عربية كان أسلافهم قد قاموا بها تحت مبرر الحماية، وهو نفس توجه أردوغان تركيا اليوم بإنشاء وبناء قواعدَ عسكرية هنا وهناك، سواء في قطر أَوْ السودان وسوريا كطوق على رأس مملكة المهفوف، ولم يكتفوا بهذا، بل لقد حاولوا مع السعودية نفسها ولن يكتفوا بهذا؛ لأنهم يرَون أن لهم الحق في أخذ نصيبهم من الوراثة…. فهل سيعي المهفوف أم أن حقده على من يعادي اليهود قد اعماه حتى يخنقه أتاتورك؟.
أما إيران فنراها لا تتدخل في الشأن الداخلي في المنطقة العربية إلّا وفق بناء علاقات مناصرة قضايا الأُمَّــة الكبرى، متمسكة بموقفها المبدأي الثوري بمناصرة المستضعفين وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني.. في الوقت الذي انغمست حكومات ومماليك في العمالة حد تبنيهم تهويد القدس الشريف وبيع القضية الفلسطينية.. وهيام الإخوان حد الجنون في حبهم لأردوغان الذي يبني قواعده العسكرية في البحر الأحمر والخليج العربي، متجاهلاً فلسطين التي تقع تحت شحمة أذنه… وكأن ما تسعى له تركيا أمر طبيعي لا يقلق إسرائيل ولا تتوجس منه مملكة المهافيف ما دام أردوغان لا تهمه فلسطين ويحترم حق الجوار مع الكيان الإسرائيلي فله ما أراد، وما لم يدركه المهافيف أن مُخَطّطاً قد رسم، وأمراً قد أعد لتحريك وتقسيم مملكة المهافيف عن طريق بوق الموساد قناة الجزيرة ووكر المؤامرة قطر المحمية من الشقيقان أردوغان والإخوان… ولنا أن نفكر ملياً ونحترم العقل في التفكير ونعيد النظر بتحرر لنرى الواقع وسنعرف من أين تأتي سكاكين الغدر؟