والد الشهيد راجي الدكتور أحمد عبدالملك حميد الدين في حوار لصحيفة المسيرة: المسؤول الأول عن جريمة اغتيال الدكتور راجي هو العدوان ومرتزقته الذي خطط ومول ودفع بالقاتل.
حاوره/ نوح جلاس:
- أولاً ننقل لكم تعازي صحيفة المسيرة وعلى رأسهم رئيس التحرير الأستاذ صبري الدرواني وكافة العاملين في الصحيفة.. كيف تلقيتم نبأ استشهاد نجلكم الدكتور راجي بجريمة اغتيال غادرة وجبانة وماذا يعني اغتياله؟
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
رِدَّةُ فعلنا ما من شك كانت مؤلمةً كوالد للشهيد وكأسرة؛ لأن الدكتور راجي كان أمةً لوحده, ولكن عزاءنا أن هذا الشهيدَ كان علماً ومعرفة عظيمة, ومعنى استهدافه هو استهداف العلم, استهداف القلم النير, استهداف الفقه, فالشهيد كان منبرَ فقهٍ إسْلَاميٍ معاصر في مجالات مختلفة, هم اغتالوا فقه العبادات, اغتالوا فقه المعاملات, اغتالوا فقه الاقتصاد الحديث المعاصر, فلديه من النظريات الفقهية والمعاملاتية والاقتصادية والتعبدية ما يبهر الآخرين.
_ ما الغرض من استهداف الشهيد الدكتور راجي حميد الدين؟
هم استدفوا العلم والمعرفة, وهي خطة لإفراغ البلد من علمائه, من مثقفيه, من رجال الصلح في هذا الوطن.
وكانت هناك مرحلة قادمة ومنعطف تأريخي لمرحلة تصالح الفئات المختلفة, وأرادوا أن لا تظهرَ مثل هذه الهامات التي هي أداة صُلح بتسامحه, وكان محطَّ حب واحترام الجميع ومن مختلف التيارات والألوان المعرفية والفقهية في اليمن.
_ لو لاحظنا أن اغتيالَ الهامات الوطنية ممن سبقوه كان ممهداً لمرحلة قادمة يحضّر لها العدو, فمثلاً اغتيال الدكتور عبدالكريم جدبان كان ممهداً لإفشال وعرقلة ما وضعه أنصار الله على طاولة الحوار الوطني, واغتيال البروفيسور أحمد عبدالرحمن شرف الدين كان ممهداً لإجهاض ما استطاع أنصار الله أن يخرجوا به في مؤتمر الحوار, واغتيال الدكتور محمد عبدالملك المتوكل كان ممهداً للانقلاب على اتفاقية السلم والشراكة وتفريغ مكون أنصار الله من الشخصيات والكفاءات الوطنية, وكذا اغتيال الدكتور المرتضى المحطوري كان ممهداً للعدوان على اليمن, فما هو المُخَطّط القادم للعدو والذي مهّد له باغتيال الدكتور راجي حميد الدين؟
العدوُّ بعد قرابة ثلاثة أعوام من العدوان الذي استخدم فيه كُلّ قواه وما قابله من صمود تأريخي أذهل العالم, بات يدرك أن الطريق العسكري أَصْبَـح مسدوداً أمامه, فشعبُنا كان عظيماً أمامه، وهشم كُلّ مُخَطّطاته، بل توسع الشعب اليمني في حضوره وفي صناعاته وفي كُلّ شيء, وهذا ما جعل العدو يفكر في مرحلةٍ جديدة بعد المرحلة التي فشل فيها فشلاً ذريعاً, وهي مرحلة الصلح والحوار والمفاوضات, فباشر باغتيال الهامة الوطنية الدكتور راجي حميد الدين لخلط الأوراق ولخبطتها وتفريغ هذا الوطن ممن سيكونون روادَ المرحلة القادمة.
_ ما هي رسالتُكم إلى قوى العدوان ومرتزقته بعد قيامهم باغتيال ابنكم الشهيد؟
رسالتُنا إلى قوى العدوان التي تمارِسُ اغتيالَ هامات الوطن ومفكريه وأدبائه وأقلامه العظيمة: إذّا كنتم قصدتم بهذا العمل الجبان التخلصَ من المفكرين والأدباء والأقلام النيّرة, فقد أخطأتم كثيراً, فالدكتور راجي وزملاؤه الشهداء ممن سبقوه قد أنشأوا آلاف المفكرين وصنعوا آلاف الأقلام وأنتجوا آلافَ العقول النيّرة, وسترَون غداً كيف ستجدون ما خلّفه الشهداء راجي وزملاؤه في أُمّة نيرة تحمل نفس العلم ونفس المعرفة ونفس القلم على مر الأجيال؛ ولهذا أنتم مخطئون كثيراً, فلن تتمكنوا من القضاء على أمة تتلاحق أجيالُها في نفس الخط المستنير والمستبصر, ولن تتمكنوا من زرع قتلة على مر الأجيال للقضاء على ما خلّفه هؤلاء الشهداء العظماء.
ورسالتي لهم أيضاً: تعالوا نتحاور، نتفاوض، نتفاهم؛ لأن المعتركَ الفكري لا يُسيلُ دماءً ولا يزهق أرواحاً, بل يخلق حلولاً.. أما معتركُ الاغتيالات والغدر فلا يؤتي حلاً سوى هلاككم وستبوؤون بالإثم, أمّا الشهيد فوالله لقد أكرمتموه.
ورسالتي إلى القاتل نفسه أياً كان: يا رجل والله لو علمت مَن هو هذا الرجل الذي قتلته, ودخلت إلى داخل قلبه وعقله وعرفتَ ما يحويه, لَخجلت إلا أن تقبله في قدميه. ونسأل الله أن يهديَه ويهديَ مَن دفعه لهذه الجريمة، وأن يرشُدَهم طريقَ الحق التي يعرفون فيها نحو من يوجهون أسلحتهم ورصاصهم, نحو الغازي والمحتل والأعداء الحقيقيين للأمة أمريكا وإسرائيل.
_ ما الذي خلّفه لكم ابنكم الشهيد الدكتور راجي حميد الدين؟
الشهيدُ كان قانعاً من الدنيا وما فيها, ولم يترك أَوْ يورّث لنا مالاً أَوْ أرضاً ولا أي شيء من عَرَضِ الحياة الدنيا, بل ورّث لنا العلم والمعرفة والفقه وورّث للشعب طلابَ الجامعات الذين يحملون الوعي والبصيرة ويحملون فكرَه وقلمه ومعرفته المنيرة.
_ ما هي رسالتُكم إلى الجهات المعنية والمسؤولة بالتحقيق في هذه الجريمة وملاحقة مرتكبيها؟
المسؤول الأول في هذه الجريمة -كما ذكرت- هو ذاك الذي خطّط وموّل ودفع بالقاتل وهو العدوان ومرتزقته.
ولكن هناك مسؤولية أيضاً على السلطة القائمة ممثلة بالأجهزة الأمنية, وبالتالي نحن نحمِّلُها مسؤوليةَ ملاحقة ومتابعَة القتَلة والمجرمين؛ ليس للانتقام والله, فلسنا محلَّ انتقام, فالله سبحانه وتعالى قد جعل لنا سلطاناً فلا نسرف في القتل. وإنما هو من أجل الحفاظ على مثل هذه القامات والعقول والأقلام, أما الدكتور راجي رضوان الله عليه لقد ذهب إلى بارئه وهنيئاً له, ولكن فراقَه يؤلمُنا ويؤلمُ كُلّ من يعرفه.
ونحن نحمِّلُ المسؤوليةَ أمام الله تعالى الجهاتِ الأمنيةَ والحكومةَ، في ضبط الأمن وسد الطريق أمام المجرمين, وكذلك التحقيق العادل والمضبوط خلف هذه الجريمة, فلا نريدُ أن نظلمَ أحداً, ولا نريد أن يظهَرَ في ساحة المحاكمة أيُّ متهم بشبهة, فخيرٌ لنا وخيرٌ للشهيد أن يُبَرَّأ مجرم في أن يجرَّم بريء.
ونسأل اللهَ لهم التوفيق والعون, وفي حالة لم يتمكنوا في معرفة القتَلة والوصول إلى النتائج المطلوبة, نحمِّلُهم المسؤولية في ضبط الأمن العام والردع العام لكل المجرمين وليس لما هو خاص بنا، وأن تكونَ هناك محاكمة أمام الناس لكل مجرم “وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ”؛ لأن هذا يرهب المجرمين ويردعُهم عن فعلهم.
_ كيف ترَون موقفَ كُلّ مَن يعرف الشهيد الدكتور راجي حميد الدين, من زملاء وطلاب وغيرهم؟, وبماذا توجهونهم؟
واللهِ لقد جاءتنا رسائلُ كثيرةٌ، ورأينا مواقفَ كثيرة، وأدركنا كيف هم أشدُّ حزناً وألماً منا, ورأينا حبَّ وتقدير الشهيد من مختلف الفئات والجهات، والكثير الكثير من الناس بجميع انتماءاتهم, ومن الفكر الأحمر ومن الفكر الأسود ومن الفكر الأبيض, ومن كُلّ أطياف المعرفة والاتجاهات، وهذا أثلج صدري.
ورسالتي إليهم هي: عزاؤنا أن تسلكوا نفسَ اتجاهه, وأن تحملوا قلمَه, وأن تحبطوا مَن هدف إلى تصفية العلم والمعرفة بتصفيته, وأن تقوموا بنفس رسالته.
_ رسالتكم إلى السيد القائد في هذا المصاب؟
نسألُ اللهَ تعالى أن يُعَظِّمَ أجرَه وأجرنا, فخسارةُ الدكتور راجي هي خسارةٌ للوطن كله, قيادةً وشعباً , ونحن نؤمن بأن هذه القيادة العظيمة أشدُّ حزناً وألماً منا عليه, ونسألُ تعالى أن لا يرَوا مكروهاً آخرَ, وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله.