عدن بين انقلاب أبوظبي وشرعية الرياض
وجدي الصراري
“الشرعية” هي مَن منح الرياضَ الغطاءَ السياسيَّ لخوض الحرب العدوانية على اليمن هذا صحيح!
لكن من جهة واحدة فقط، فالغطاء الذي تقدمه ما تسمى “الشرعية” لا يكفي؛ لهذا احتاجت الرياض لتكوين تحالُف دولي يضُمُّ عديداً من الدول حتى تُعطيَ حربَها طابعاً أممياً وَصِبغةً دولية تبرر بها كُلّ هذه المذابح على طول وعرض هذا الوطن، بينما الحقيقَةُ أنْ لا شيء يبرر هذه المذبحة مترامية الأطراف سوى غياب الضمير الدولي وَالإنْسَاني عن كُلِّ مؤسسات ومنظمات هذا العالم، دولاً وما دونها.
يدرك اليمنيون تماماً طبيعة هذا العدوان؛ لذلك لا يصفونه بغير كونه عدواناً سعودياً أولاً إماراتياً ثانياً، بعيداً عن توصيفات التحالف الدولي وَإعادَة الشرعية؛ لآن اليمنيين يدركون حقيقَة العدوان وطبيعة مَن يقوده وَحين يرتبون أطراف العدوان هم لا يذكرون سبعَ عشرة دولة أَوْ عشرين دولة أَوْ كم ما يكن في قائمة العدوان؛ لأنهم يعرفون أن هذه الدول مدرجة مع السعودية في كشف واحد فقط لا غير ولو كان هذا الكشف في أسفله يحمل توقيع (دونالد ترامب) أن من يقوم بالعدوان هما السعودية وَالإمارات فقط، وهما المعنيتان بالعمل في هذه الحرب، وَأيضاً هما من يمتلك مشاريعَ وأَهْدَاف حقيقية وموضوعية في هذه الحرب.
تندلعُ اليومَ في عدن مواجهاتٌ بين قوات الحزم الأمني الإماراتي من جهة والقوات العسكرية التابعة لهادي من جهة أُخْــرَى؛ لتعبر هذه المعركة عن تناقض موضوعي في مشاريع مسوخ هذا العدوان الدولية عبرَ تحريك قطعها الشطرنجية على رقعة مدينة (عدن) الغارقة في الظلام وَالجوع وَالاغتيالات، وغياب الخدمات الأساسية البسيطة التي أطلقت وعوداً بها جحافلُ التحرير المزعوم ومسوخُ النفط في الخليج عبر بندقيات جنود (الزومبي) المعلبة في السودان.
لم تنقلب (أبوظبي) على شرعية (الرياض) اليوم، حسب تصريح رئيس وزراء شرعية هادي الذي أطلقه من قاعدة التحالف بعد فراره من قصر(المعاشيق)، بل الأصلُ أن (أبوظبي) تعرفُ مفاتيحَ السياسَة في الجنوب بشكل أَكْبَر مما تعرفه السعودية وَالتي تربط مصالحها ومشروعها بالقديم الذي لم يعد قادراً على إنتاج الجديد، وَالقديم هو الذي ينتج المزاج الانقلابي بامتياز في الشمال وَالجنوب على حَدٍّ سواء، فالقديمُ الذي تدافع عنه (الرياض) هو المولد للثورات وَالانقلابات في اليمن، وهو الضرورة التي قادت الجميع نحو التغيير وَأشعرتهم بأهميّة التحول للجديد؛ لذلك سترى السعودية وَشرعيتها تسقط في كُلّ مكان مستجلبةً معها السخطَ حتى من قواعدها السياسية وَالاجتماعية، بينما تلعب الإمارات صاحبة الأوراق الجديدة وَالمصالح المستحدثة أَوراقها بذكاء، متماشية مع أمزجة الشارع المنقلب على السعودية _ قبل الحديث عن شرعيتها _ لأنها في وعي وتجربة اليمنيين سببٌ في بلاء هذا البلد منذ أمد بعيد.
تتبنَّى (الرياض) مشروعَ استعادة ما يسمى “الشرعية” المتمثلة بهادي وحكومته وَالقوى السياسية المصطفَّة في حيزها، ويتجلى زيفُ هذا المشروع، بطبيعة ممارسة (الرياض) وَشرعيتها اجتماعياً وسياسياً، وهذا ما يعكسُه مزاجُ الشارع المستاء في الجنوب أَوْ في الشمال على حدٍّ سواء.
إنَّ ورقةَ ما يسمى “الشرعية” هو مشروعُ التقسيم وَالأقاليم وتوزيعها طائفياً ومذهبياً، وإخراج أقاليم الثروة من دائرة الصراع، وهذا يعني يمناً موحداً شكلياً في شكل الدولة الاتحادية _وهذا ما يتناقض موضوعياً مع مزاج الشارع في الجنوب _، سهلة التحريك وَالاجتزاء، ما يسهل تدمير هذا البلد اقتصادياً وديمغرافياً وسياسياً.
في الجانب الآخر تلعب الإمارات أوراقَها بذكاء منقطع النظير فهي تلعب بمكونات اجتماعية، على رأسها الحراك الجنوبي عبر المجلس الانتقالي _أحد ممثليه وليس جلّهم _وبعض القيادات العسكرية وَالأمنية وَالشخصيات الاجتماعية التي لها علاقة بجملة قضايا الحراك والتحرر بشكل أَوْ بآخر، وهي هنا تتماشى مع مزاج الشارع الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال الوطن من جهة، ومن جهة أُخْــرَى تعمل على تسيير مصالحها المتعلقة بالميناء الاستراتيجي في عدن وأيضاً خط الملاحة الدولية وَالجزر المهمة كسقطرى؛ ولأن الإمارات لا تمتلك حدوداً بريةً مع بلادنا يصبح مشروعُ الأقلمة خارج حساباتها على عكس السعودية التي لها مصالحُ كثيرة من هذا المشروع، وبهذا تحرر الإمارات نفسَها من حسابات السعودية وتدير المشهدَ حسب حساباتها الذاتية وأوراقها فقط.
في الأخير نقولُ إن وضْعَ عدن بين مطرقة (أبوظبي) وسندان (الرياض) _بهذا الشكل_، يلخصه امتزاجُ العامل الداخلي وَالخارجي في هذه المدينة، الداخلي من حيثُ هي متهيئةٌ للاشتعال بفعل تراكُم سُوء الوضع المعيشي وَالإنْسَاني والخدمي في المدينة المنكوبة، والخارجي بفعل تناقُض أَهْدَاف ومصالح مسوخ الخليج التي توظّف القوى السياسية وَالاجتماعية في الجنوب لتحقيق أَهْدَافها.
والموقفُ الصحيحُ هنا وعلى الأساس الداخلي للأزمة التي نحن جزءٌ منها، هو الانحيازُ للحراك الجنوبي و”الانتقالي” أحد قواه لا ممثلَه الحصري، ولو كان ينتقصُ من السيادة لصالح الإمارات فهو في الأخير يعمِّقُ الشرخ بين مسوخ معسكر الغزو الخليجي بانقلابه. أما الانحيازُ الكاملُ فهو لفصيل (باعوم) الذي يطالِبُ بالحكم الذاتي ويرفُضُ الانتقاصَ من السيادة الوطنية، ويسمي الرياض وأبوظبي بالمحتلين.