لا عذر للجميع عن النفير في مواجهة العدوان
– على كل واحد منّا كإنسان وكمسلم وكيمني أن يسأل: ما واجبي تجاه ما يتعرض له شعبي ووطني من عدوان؟ ما موقفي وما هي مسؤوليتي وما هو تكليفي الشرعي والجهادي؟
– الجهاد في سبيل الله فريضة وفرض عين على كل مسلم إلا من عَذَرهم القرآن الكريم في حال جهاد الدفع وصد العدوان وجهاد الغزاة المحتلين
– الجهاد بالمال واسع أيضاً وتربوي، حيث إن من يقدّم ماله سيقدّم نفسه إن اقتضى الأمر والحاجة والظرف والمعركة، وفيه وقاية من حب الدنيا والاسترزاق
الحمدُ لله القائل في محكم كتابه المبين: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} والقائل سبحانه: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} والقائل عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} والقائل جل في علاه: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} والصلاة والسلام على من قال له ربه: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ورضي عن أصحابه الأخيار الراشدين، وبعد:
ففي هذه المادة المتواضعة ليس الحديث عن المؤيدين للعدوان ولا عن المرجفين بين الناس أو المثبطين عن الجهاد والمبطّئين في المجتمع فهذا له مكان آخر للحديث عنه، ولكن الحديث موجه للذين هم مقتنعون – كما هي الحقيقة وواقع الحال – بأن ما يتعرض له شعبنا اليمني عدوان بكل ما تعنيه الكلمة، يشارك فيه الأمريكيون والإسرائيليون ومَن لفَّ لفهم من اليهود والنصارى، والدواعش ومَن دار في فلكهم من التكفيريين، وآل سعود وكل من تحالف معهم من الأعراب والمرتزقة والخونة والعملاء والمنافقين من الداخل.
وطالما والحقيقة هي أن شعبنا يتعرض لعدوان فالسؤال الذي يطرح نفسه على كل واحد منّا كإنسان وكمسلم وكيمني هو: ما واجبي تجاه ما يتعرض له شعبي ووطني من عدوان؟ ما موقفي وما هي مسؤوليتي وما هو تكليفي الشرعي والجهادي؟ ما هو التوجيه الإلهي في القرآن الكريم أمام كل ما يحصل؟ وهل لي عذر في القعود عن التحرك لمواجهة العدوان؟ وما هو هذا العذر؟ وهل هو عذر شرعي؟ وهل هناك عذر أصلاً؟.
نبذة مختصرة عن الجهاد في سبيل الله من خلال القرآن الكريم
الجهاد في سبيل الله فريضة ومبدأ وواجب، ويكون فرض عين على كل مسلم إلا من عَذَرهم القرآن الكريم في حال جهاد الدفع وصد العدوان وجهاد الغزاة المحتلين من اليهود والنصارى وكل من كان من غير المسلمين، والبغاة من المسلمين بمختلف مسمياتهم خونة، عملاء، مرتزقة، تكفيريين.
يقول الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ويقول سبحانه: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ويقول: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} ويقول: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وقد جاء الحديث عن الجهاد في سبيل الله في القرآن الكريم في كثير من الآيات، وتكرر في كثير من السور وذلك لأهميته ولتوضيحه ولإقامة الحجة على الناس بأن الجهاد فريضة في الظروف العادية كما في حالة قتال العدو وفي أرضه، أما إذا أتى العدو إلينا وقد احتل أجزاء من بلادنا ويريد احتلال البلاد كلها فهو أوجب، وفي حالٍ كهذا وفي ظل العدوان على الشعب؛ فهو فرض عين على كل مسلم قادر غير معذور – وسنبين من هم المعذورون من خلال القرآن الكريم – كما أن الجهاد لا ينتهي بوقت أو زمن حتى يوم القيامة إلا بنصر بالنسبة للأمة أو بشهادة بالنسبة للمؤمن يقول تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}؛ لِأَنّ كلمة جهاد تعني بذل الجهد كل الجهد واستمرار بذله ومن هنا سُمّيَ جهاداً، وما أمر الله به إلا لأنه باستطاعتنا قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} ذلك لأنه سبحانه لم يكلفنا فوق طاقتنا ولم يأمرنا إلا بما فيه وسعنا قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} وما أمر الله تعالى بالجهاد حسب استطاعتنا وفي حدود طاقتنا إلا بعد أن وعد بالنصر والتمكين والاستخلاف في الأرض ووعد بالتأييد والتثبيت للمجاهدين وإنزال السكينة وإفراغ الصبر، وبعد أن كشف لنا واقع العدو وضعفه في الميدان قال تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} وبعد أن بيّن سبحانه أن القتال والجهاد في سبيل الله لا ينقص من عمر الإنسان يوماً ولا حتى لحظة واحدة كما لا يزيد في عمر الإنسان القعود عن الجهاد وإيثار السلامة، بمعنى أنه ليس كل من يقاتل في سبيل الله يُقتل ويُستشهد وينال كرامة الشهادة التي هي مطلب نبيل ويتمناها المؤمن المجاهد ويأسف إذا لم ينلها، ولا كل من يقعد مخافة القتل أو الموت يسلم منهما رغم كراهيته لهما وهروبه منهما ولا يخلد في الدنيا؛ لأن مخافة القتل (نيل الشهادة) هو أكثر ما يُقعِدُ الإنسان ضعيف الإيمان عن القيام بواجبه الجهادي قال تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} ويقول سبحانه: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} وتتجلى هذه الحقيقة في الواقع حيث نجد ضحايا حوادث المرور بالسيارات أكثر من الشهداء في جبهات القتال وفي كل الأعمال الجهادية الأخرى، ونرى أيضاً الذين يموتون بالأمراض والجلطات أكثر من الشهداء في الجبهات وفي كل الأعمال الجهادية الأخرى، ونرى ضحايا القصف الجوي على البيوت أكثر من الشهداء في الجبهات وفي كل الأعمال الجهادية الأخرى، ونرى أن القتلى من الناس القاعدين في حال تمكّن العدو وانتصاره بسبب قعودهم أكثر بكثير من الشهداء في الجبهات وفي كل الأعمال الجهادية الأخرى، ونرى كذلك المقابر في كل قرية ومدينة ومنطقة مملوءة بالموتى قبل العدوان ونؤمن أننا جميعاً سنغادر الدنيا شئنا أم أبينا وأننا لن نبقى فيها وأنها زائلة وستنتهي الحياة الدنيا بكلها بقيام القيامة.
حقيقة الجهاد القرآنية
ينظر الناس للجهاد على اعتبار أنه شيء شاق ومكلف وفيه القتل والجراح والدمار والمآسي، وهذا منافٍ كلياً لحقيقته في القرآن التي هي حقيقته في الواقع العملي وكما أثبتته الأحداث عبر التاريخ حتى عصرنا الحاضر.
فالجهاد في حقيقته خير وليس شراً كما يراه البعض من قاصري الوعي وضعيفي الإيمان، وقد يدخل اعتقاد أنه شر في باب التكذيب بآيات الله في القرآن الكريم فالله تعالى يقول: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وقد نفى الله تعالى الشر عن الجهاد بالقتال في سبيل الله وأكّد على أنه خير قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وعَدَّ سبحانه الجهاد تجارة رابحة في الدنيا والآخرة وبيّن مكاسبه العظيمة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} فالجهاد خير ونعمة من الله تعالى، وما فَرَضه إلا من منطلق رحمته بعباده المؤمنين، ونفى كلمة موت في قاموس الجهاد على الإطلاق حيث إن الأمة تحيى بالجهاد حياة الحرية والكرامة والقرب من الله تعالى التي جاهدت في سبيله ونيل محبته وتأييده ونصره، ومن استُشهد وقُتل في سبيل الله فإنه إنما ينتقل من الحياة الدنيا إلى حياة كريمة عند الله تعالى – على الهواء مباشرة إن صح التعبير – فلا يجوز أن نقول للشهيد «ميت»؛ لِأَنّ هذا منافٍ للحقيقة ولواقع الشهيد الحي قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ} بل لا يجوز حتى مجرد الظن أو التصور أنه ميت قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}؛ لِأَنّ الشهيد نال إحدى الحسنيين قال تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} ولهذا فالجهاد في سبيل الله لا خسارة فيه بل ربح صافٍ واستثمار مربح للحياة والموت قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وهو بيع وشراء ومتاجرة مع الله تعالى بالنفس والمال قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
وكما هو واضح في أحداث التاريخ وفي الأحداث المعاصرة فكلفة وفاتورة وضريبة الجهاد قليلة مقابل كلفة وفاتورة وضريبة الاستسلام والخضوع والهزيمة والخنوع والقعود والتخاذل والتكاسل والتفريط وتمكّن العدو، حيث سيَقتل الناسَ بكل مهانة وذلة وسيذبحهم بكل برودة أعصاب بل وبكل وحشية وانتقام وسينتهك أعراضهم أمام أعينهم وسيغتصب نساءهم ويدوس على كرامتهم ويمتهن إنسانيتهم، وإذا كان في درب الجهاد يستشهد نسبة قليلة من المجاهدين فقد أدركوا رضوان الله ويتركون وراءهم ما تبقى من العزة والكرامة والنصر لمن خلفهم من رفاقهم وشعبهم وأمتهم، وفي حالة القعود والاستسلام فإن الناس سيُقتلون بكثرة وبطرق مهينة ولا يُحسبون شهداء بل يكون قتلهم سخطاً من الله تعالى وما ينتظرهم في الآخرة أشد وأنكى، وكل التضحيات التي تُقدّم بالجهاد في سبيل الله رغم عظمتها إلا أنها قليلة مقابل ما سيحصل عليه الناس بالنصر بفضل الله تعالى.