المنطق المعكوس
د. إسماعيل محمد المحاقري
المنطقُ -حسب المعطيات التأريخية والقانونية والدستورية- أن الدولة في ظروف الحرب تكون في وضع قوي يسمحُ لها تقديمَ الحلول للمشكلات المزمنة ومواجهة المشكلات الطارئة.
وذلك لما يتوفر لها من مناخ قانوني ودستوري ومزاج مجتمعي سريع التجاوب مع خططتها وما تتخذه من قرارات ويسمح لها بحركة واسعة وسريعة بعيداً عن المزايدات والمكايدات السياسية، وفي ظروف الحرب الجميع يغلّب اعتبارات المصلحة العليا للوطن إلى اقصى حد مسئولين ومواطنين..
وكذلك في ظروف الحرب المنطق أن يتمَّ تقييدُ الحريات بإصدار قانون الطوارئ ويتم إعلان التعبئة العامة لمواجهة العدوان وحماية الجبهة الداخلية..
وباعتبار الجامعات تمثّل البوابة الرئيسية للوصول إلى المجتمع بكل فئاته يتم إعطاؤها أهميّة كبيرة لضمان تحصين الشباب مما يسعى إليه العدوان.
ولكن المؤسف حقاً أننا نسمع منطقاً معاكساً لكثير من الأمور، فما زلنا نسمع من يجادل في مشروعية صدور قانون الطوارئ وفتح باب التجنيد للدفاع عن الوطن حتى مع كونه غيرَ إلزامي، ولا ندري على أي أساس يبنون هذا المنطق الأعوج الذي تضحك منه الرعيان، ناهيكم عما يمثله من مناقضة صارخة لكل قوانين ودساتير العالم وَلمنطق دفاع الشعوب عن اوطانها.
ومن ذلك المنطق المقلوب ما نسمعه عن تحميل الحكومة مسئولية التدهور الاقتصادي وتأخير صرف المرتبات، بالتجاهل الأعمى لحقائق الواقع التي تشير بملئ فِيها إلى المسئول عن ذلك، وهو العدوان الذي تجاوز في خسته خِسَّةَ إبليس ذاته، الذي أحكم سيطرتَه على كُلّ المنافذ التي تمثّل مصدراً للموارد وارتكب أفظع الجرائم لضرب مقدراتنا الاقتصادية ونفّذَ حصاراً غير مسبوق، بالإضَافَة إلى ما قام به من ممارسة كافة الضغوط من أجل نقل البنك التي انتقلت معه كُلّ المساعدات والتسهيلات والقروض التي كانت تقدمها الدول والمنظمات الدولية.
ومن ناحية أُخْرَى وهو المؤسف أَكْثَر أن نجدَ منطقاً معكوساً في تصرفات الحكومة أَيْضاً..
فمن ذلك غياب دور مجلس النواب في المجال التشريعي في هذا الظرف الاستثنائي والحرج مع الحاجة الماسّة له بتوفير المعالجات القانونية لكثير من المشكلات الطارئة ومواجهة الأزمات الي ينتجها العدوان في جميع المجالات.
وكذلك غياب الدور المفترض للقضاء لمحاكمة الخونة وحماية المواطن والمستهلك بتطبيق مخزوناتنا من القوانين ذات العلاقة بحمايتهم من الغش التجاري والتلاعب بالأسعار… إلخ.
ومن غير المنطق أَيْضاً طريقةُ تشكيل الحكومة واختيار اعضائها، فقد كان عدد أعضائها ينافي أَهْدَاف الثورة، كما انها احتوت على عدد من الأعضاء الممتلئين بالغرور وخداع الذات المفتقرة للخبرة والاتزان وروح المسئولية، فمثلت هذه الحكومة جزءا من المشكلة بدلاً عن انتاج الحلول.
حكومة تعمل بذهنية وثقافة الوضع السابق، ثقافة الاعتقاد أن الحلول لا تأتي إلّا عبر التهليل الإعلامي وَالقفز على القواعد والنظم القانونية، فكانت النتيجة اننا أَصْبَحنا نبحث عن طبيب أخصائي “أُذُن وعين” بدلاً عن أذن وأنف وحنجرة؛ لِأَنَّنا أَصْبَحنا نعاني من مرض يتمثل في أن آذاننا تسمع شيئاً وعيوننا تشاهد أمراً آخر.
وللأمانة أن القرارات الأخيرة مثّلت مؤشراً جيداً لحصول عملية إصلاحية لكل تلك المشكلات، وهذا ما نعلّقُ الأملَ عليه.