استراتيجية التقوى
الدكتور إسماعيل محمد المحاقري
يقول الله تعالى “وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” سورة البقرة آية 281.
يقول المفسرون في تفسير هذه آية الكريمة أن المسلم إذا ما بلغ في إيْمَانه أعلى درجات التقوى والخشية من الله وأن يبلغ إيْمَانه درجة يتطابق فيها السر مع العلن درجة الامتثال الكامل للنواهي والمأمورات على السواء.
فإنه بذلك يتجرد تماماً من نوازع الدنيا وأهواء النفس الأنانيّة ويزيل الله عن قلبه الغشاوة التي تحول بينه وببن رؤية الحقائق كما هي وتحول بينه وبين اتخاذ المواقف والتقديرات الصائبة.
يقول بن عربي في إحياء علوم الدين إن الإنْسَان إذا بلغ هذه المرتبة من التقوى فإنه يكون بمعية الله فتصفو ذهنيتُه بغياب النوازع والأهواء، فيتعلم من العلوم والمعارف ولو لم يتعلمها بطرق التعلم المعتادة، وهذه هي منهجية السيد حسين رحمه الله التي بنى عليها منهجيتَه القرآنية.
ومن نافلة القول أن مرتبةَ الزهد والتقوى التي بلغها رموز الصوفية لا تمثل في فكر السيد حسين إلا درجة من درجات التقوى؛ لأن معنى التقوى -كما أسلفنا- أعم من ذلك، إذ يجب أن يبلغ الأمر في معيته مع الله أن يتساوى لديه الامتثال لأوامر الله مع امتثاله لنواهيه، أي يجب أن يصل إيْمَانه إلى درجة استشعاره بمسئوليته نحو أمته ومجتمعه “فمن لم بهتم بأمر المسلمين فليس منهم”.
وبهذه الاستراتيجية تمت مواجهة أعتى امبراطورية الظلم والطغيان في التاريخ، كما أننا نلاحظ أن من أحدث اكبر التحولات الفكرية والقيمية والثورية في مجتمعاتهم هم من العلماء العاملين من بلغوا اعلى درجات التقوى والاتصال بالله فهم من صمم اشهر الخطط والاستراتيجيات العسكرية والسياسية وقدموا أعظم النظريات الاجتماعية المجسدة لقيم العدل والمساواة والكرامة الإنْسَانية وهم من يمثلون المصدر للأقوال والحكم والمأثورات الراسمة لشروط حياتنا والمترجمة للثقافة القرآنية والسنة النبوية.
هؤلاء هم من ألبسهم الله نظارة التقوى فتجلت أمامهم دقائق الأمور، ومن هؤلاء الإمام علي وزيد والهادي والخميني وعبدالقادر الجزائري وعمر المختار وغيرهم من أعلام الهدى والمجاهدين.
– وفي وقتنا الحاضر نجد السيد حسن نصرالله والسيدين العظيمين الشهيد حسين بدر الدين والمجاهد عبدالملك بدرالدين هذه القيادتين الاستثنائيتين..
ألبسهما الله نظارة التقوى فأنار بصيرتهما، فضربا المثال والقدوة وبذرا في نفوسنا بذور العزة والكرامة فأثمرت إخلاص وشجاعة وروح التضحية.
– وهذا الصمود الأسطوري لجيشنا ولجاننا الشعبية والمؤازرة الشعبية وما تحقق من انتصارات عسكرية وسياسية على أعتى الامبراطوريات في عصرنا، كُلّ هذا بفضل استراتيجية التقوى التي مثلت أُس ومحور فكر ذينك السيدين، وبها حصل التفوق المعرفي والتكنلوجي في إدارَة المعارك واتخاذ المواقف السياسية رغم الفارق الشاسع في حسابات وأدوات التفوق المادية.
– وبفضل هذه الاستراتيجية تحققت نجاحات غير مسبوقة في طريق إعَادَة بناء الدولة، فها هي الدولة تستعيدُ وظائفَها وسلطاتها التي كان قد تمت مصادرتها من جماعات المصالح ومراكز النفوذ التي عمل العدو على صناعتها وأصبحت تتقاسَمُ خيرات الوطن ومقدراته.
وها هو الأمن والاستقرار يعود وغابت معه الفوضى والقطاعات وقوى الإجرام.
– ومن عظمة هذه الاستراتيجية أن مهرَها غالٍ على خطابها، فلا يقدر عليه إلا المهرة في الاتصال بالله، فدونه العسجد والجواهر وهي أَيْضاً غير قابلة للسرقة والاختلاس، فهي محمية بشروط استحقاقها التي لا يمتلكها إلّا المخلصون.
– وهي أَيْضاً تتنكر لمن يخل بشروط استحقاقها وتلفظ ادعياءَها من المنافقين ولا تتسامح مع المتكاسلين الذين لا يأخذون بالأسباب.