الجنوب ومجلس إمبراطورية الرمال المتحَـرّكة!
عبدالعزيز البغدادي
حول ما يجري في جنوبنا الحبيب تتقافز أسئلة عديدة وتبقى أية محاولة اجتهاد في الإجابات مجرد مفاتيح لأسئلة جديدة!
هل ما يجري في عدن والجنوب حقائق مكتشفة من محللين دهاة؟ أم كشف لحقائق مكشوفة أصلاً لكل ذي لُب حول الدور السعودي الإماراتي في اليمن وفِي العراق وسوريا ولبنان وهل تقوم بكل هذا باعتبارها دولاً أم قفازات على شكل دول؟
لقد قلت عند ميلاد أَوْ توليد الوحدة السياسية عام 1990وأكرر دائماً أن تلك الوحدة لم تكن سوى كمين ضد الوحدة اليمنية الحقيقية التي حَلِمَ بها اليمنيون وضحَّوا من أجلها، أي أنها عملية ماكرة لإجهاضها، وها هي الحقائق على الأرض مع الأسف تؤكد ما ذهبت إليه ولم أكن بالطبع أتمنى أَوْ أرجو ذلك.
التخطيط للانفصال تبين أنه وُلد مع الوحدة التي تم توليدُها والتي سُلِّمت قيادتُها لقيادات سياسية هي الأُخْرَى وُلِّدت من رحم غرفة عمليات مؤامرات المخابرات المعادية لطموحات وآمال الشعب اليمني في بعض العواصم الغربية والعربية أبرزها واشنطن ولندن وتل أبيب والرياض وأبو ظبي، طبعاً العاصمتين العربيتين، ليس باعتبارهما شريكاً في صُنع القرار بل مجرَّد وكلاء للتنفيذ أَوْ قفازات للمستعمر الأصلي.
وما قام به ما يسمى بالمجلس الجنوبي بدأ من 28 /1/ 2018، إذاً لا يعد أولى عمليات التوجه نحو الانفصال، لكن وهذا ما قد يراه البعض نوعا من المبالغة أَوْ من قبيل الشطحات تعتبر وحدة عام 1990 ذاتها بالطريقة التي تمت هي الخطوة الأولى نحو الانفصال الحقيقي، إذ أن حالة الانفصال قبلها بالنظر لما جرى بعدها كانت توضِّحُ أن الوضعَ يمهِّدُ لانفصال بشع، بل إن ما تمَّ باسم الوحدة يشيرُ إلى أن هناك مَن يهدفُ إلى انتزاع كُلّ مشاعر العاطفة الجياشة التي كانت تملأ أرواح اليمنيين نحو الوحدة والوعي بأهميتها في بناء يمنٍ حرٍّ مستقل لدى المثقفين الأصلاء الذين لا يهتزُّ وعيهم وقناعتهم أمامَ بعض الممارسات الهوجاء، وأن هذه العاطفة وبالذات لدى أبناء الجنوب هي العامل الحاسم للتعجيل بها وكان بعض مهندسي السياسة ممَّن هم الْيَوْمَ وراء الخطوات المتسارعة نحو بوابة الانفصال هم ذاتهم وراء الاندفاع نحو بوابة الوحدة بالأسلوب المهرجاني الذي غيّب الوعي وهم نفس المهندسين الذين دفعوا النظام المهترئ للإساءة للوحدة تمهيداً للانفصال من خلال توجيهه لبعض الممارسات الاستبدادية والفساد والإجرام، ومن ذلك حرب 1994م.
الآن يرى بعض أبناء الجنوب الأحرار أن الفصيل المسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي يحمل بذرة فنائه في اسمه؛ لأن المحسوبين عليه -كما نشاهد العديد من محلليهم- يحاولون تحاشي ذكر اليمن، متجاهلين أَوْ جاهلين بأن اليمن الطبيعية كانت ممتدة وشاملة أغلب ما يسمى اليوم بالسعودية، أما ما يطلق عليها الإمارات العربية المتحدة التي تبدو أشبه بـ (إمبراطورية الرمال المتحَـرّكة)، فأولُ مَن اكتشف وجودَها هي بريطانيا، مستخدمةً بعض قُطّاع الطرق من الأعراب الرُّحَّل، وهذا ليس شتيمةً بل حقيقةٌ تأريخيةٌ دامغة.
وقياداتُ هذا المجلس المسمى بالجنوبي يبدو أن دراهمَ هذه الإمبراطورية قد أعمتهم عن إدراك أن الجنوبَ جهةٌ وليست هويةً، وأنهم بدون اليمن سيعجزون عن إيجاد هوية، وأن تلك الدراهم غير قادرة على إلغاء التأريخ مهما توهم مستخدموها!!.
كما أن كلمةَ الانتقالي، كما تشيرُ وقائعُ وممارساتُ هذه الإمبراطورية ومن قبلها السعودية على الأرض كابن عاق، تهدفُ إلى نقل اليمن إنْسَاناً وَحضارةً إلى جغرافيا أُخْرَى لتحلَّ محله إنْسَان آخر وتأريخ جديد ولو تم هذا نكون أمام إرادة تسعى بالمال لتغيير سُنن الكون.
لقد بدأت تتكشَّفُ معالِمُ الشرعية المزعومة التي تدمّر اليمن في سبيل استعادة وجودها غير الشرعي أصلاً ومن أجل إعَادَة رئيسها العبقري الفلتة الذي استجلب العدوانَ ليحققَ له حُلمَه بالبقاء في السلطة ويقتل أبناءَها منذ ثلاثة أعوام.
إنها -أي هذه الشرعية المزعومة- ليست سوى شرعية طَمْس الهُوية، أما المماسحُ الذين شاركوا في استجلاب العدوان، فربما بدأوا يدركون أن كلَّ ما جمعوه من أموال كثمن لوطنهم سيذهبُ أدراجَ الرياح، وأن نهايتَهم الشخصيةَ وما جمعوه ستكونُ في المنافي وفق أفضل افتراض!!!.