إشاعة جديدة
عبدالحافظ معجب
الناسُ مستعدون لتصديق الكذب مهما بدا زيفُه إذا ما صادَفَ هواهم، وتكذيب الصدق مهما بلغ وضوحُه إذا ما خالف هواهم، هذه هي القاعدة الأساسية التي ينطلق منها أصحاب الإشاعات، والكارثة أن الكثير من الناس يصرون على تداول الإشاعة والتعامل معها كحقيقة برغم معرفتهم بعدم صحتها، ومن أبرز الشائعات الطريفة التي لا زال العالمُ يتداولُها حتى اليوم برغم نفيها عِلمياً، هي الشائعةُ المتداولةُ حولَ فوائد (الجزر في تقوية النظر).
أصلُ هذه المقولة كانت خدعة موجّهة استخدمها البريطانيون في الحرب العالمية الثانية عندما هاجم الطيران الألماني المملكة المتحدة، وأسقط الجيش البريطاني العديد من الطائرات الألمانية بنجاح.
وكان سر تفوق الإنجليز في تصديهم للغارات الألمانية تقنيةَ رادار جديدة، ولكنهم لم يريدوا كشف الموضوع، وأرادوا إبقاءه سراً؛ لذلك قاموا بشكل منهجي بضخ معلومات في وسائل الإعلام التي كانت تصل للألمان، مفادها بأن جنود مضادات الطائرات البريطانيين والطيارين كانوا يتناولون كميات كبيرة من الجزر، الأمر الذي أعطاهم بصراً حاداً، ومكّنهم من إسقاط الطائرات الألمانية كالذباب.
يعرّف العلماء الإشاعة بأنها خبر أَوْ مجموعة من الأخبار الزائفة التي تنتشر في المجتمع بشكل سريع، ويتداولها العامة ظناً منهم بصحتها، ودائماً ما تكون هذه الأخبار شيقة ومثيرة، وتفتقر الإشاعة إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحتها، وتهدف هذه الأخبار إلى التأثير على الروح المعنوية والبلبلة وزرع بذور الشك.
تعد الإشاعة أحدَ أساليب الحرب النفسية، وهي لعبة قديمة عمرها عمر الحروب نفسها، ففي كُلّ حرب، يسعى العدو دوماً لهدم الجبهة الداخلية وإشاعة البلبلة فيها، وبث روح الفرقة في الشعوب، وقطع كُلّ رباط ثقة بينها وبين قياداتها ودفاعاتها، بحيث يصنع منها جبهة جديدة، ينشغل بها عدوه، فتسهل هزيمته، في جبهة الحرب والقتال.. وتعتبر الحرب أرضاً خصبة للشائعات، وعندما تدور رحى الحرب وتبدأ مرحلة التضليل والكذب على القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، تصبح قلوب ومشاعر وأمنيات الناس مهيأة لاستقبال الشائعات وتداولها دون تمحيص، وفي ظل الطفرة النوعية الكبيرة في مجال الإعلام والاتصال صارت الإشاعة وتداولها أسهل من أي وقت مضى.
أصحاب الإشاعات ومروجوها في اليمن (ما يتعبوش)، كلما تنفضح لهم كذبة أَوْ إشاعة، يروجوا لقصة جديدة، و(المدوخون) المتناولون لإشاعاتهم يكررون غباءهم في كُلّ مرة، وعلى هذا الحال مستمر التضليل الإعلامي والحرب النفسية من بداية العدوان السعودي الأمريكي.
من حصّالة عفاف إلى اغتصاب وقتل الناشطة المؤتمرية أمل القليصي، يختار خبراء الشائعات القصص التي تترك أثراً لدى المتلقي، لاسيما وأن المجتمع اليمني معروف بأنه محافظ وعاطفي جداً، وكلما يتم الحديث عن أمر خارج العادات والتقاليد يكون الانجذاب إليه أَكْثَـر.
قصة أمل القليصي مثل كثير من القصص التي سرعان ما تنفضح بجهود الأجهزة الأمنية التي لا تكل ولا تمل في البحث والتحري وملاحقة الجناة لكشف الحقائق، ففي الوقت الذي كان المضللون يروجون لقصة قتل واغتصاب (أمل القليصي) من قبل (أنصار الله)، كان رجال الأمن يتحرون للوصول إلى الحقيقة، ولم تمضِ 3 أيام حتى كان الجناة في قفص الاتهام، ووصل الأمن إلى هوية المجني عليها.
تمكن رجال البحث الجنائي بمحافظة إب من كشف هوية المرأة المقتولة التي عثر على جثتها مرمية في مديرية الظهار وسط مدينة إب، وتم التأكد من هويتها من خلال تعرف شقيقاتها وأحد إخوانها على الجثة عند عرضها عليهم، بالإضافة إلى ضبط المشتبه بهم بالقضية والتحفظ عليهم ومباشرة التحقيق معهم.
كملنا قصة أمل القليصي (نبعوا) لنا بقصة إغلاق الكافيهات بصنعاء، وهات يا شغل ويا ترويج بأن أنصار الله دواعش، ومنعوا الاختلاط، وقفلوا الكافيهات والقهاوي، ولعينة الملعونة. شوية اتصالات أوصلتني للنتيجة التالية: (حدثت مشكلة بين أحد أصحاب الكافيهات وسكان الحي، وتم إغلاق المحل من قبل السلطات المحلية بطريقة مخالفة للقانون)، وفور معرفة وزارة الداخلية بالأمر تحركت لضبط الشخص الذي أغلق المحل، وإعادة فتحه، و(مابوش) من الخبر خبر، والدنيا عوافي.
قلناها سابقاً وسنكررها هنا، لن تتوقف حملات التشويه والإساءات؛ لأنها عمل منظم وليست عشوائية، وتقف خلفها أجهزة مخابرات ودول ومؤسسات وخبراء، والحل لمواجهتها هو سرعة التوضيح وكشفها للرأي العام أولاً بأول.