فبراير بوابة العبور إلى 21 سبتمبر
منذر المقطري
ظلت المملكة العربية السعودية تحكُمُ اليمنَ منذ عقود مضت عبر مراكز القوى التقليدية خارج الجهاز الإداري للدولة وداخله , قائمة طويلة من مشايخ القبائل وجنرالات الجيش وشخصيات سياسية ووجاهات اجتماعية ومثقفين كانوا ضمن ما يعرف باللجنة الخَاصَّـة.
توسع وامتداد شبكة النفوذ السعودي والخليجي عبر مراكز القوى المحلية جاء على حساب تآكل وهشاشة الأداء الحكومي , فاستطاعت المملكة التفردَ بكل شيء في المشهد اليمني طيلةَ عقود، إلّا أن هذا الأمر ولّد مضاعفات نتج عنها حركاتٌ احتجاجية في جنوب البلاد، وأُخْــرَى أخذت شكلاً عسكرياً في شماله، لتتوج هذه النضالات في الأخير بثورة فبراير 2011م.
ففي مطلع فبراير 2011م اندلعت حركةٌ احتجاجات واسعة , كانت نتيجةً طبيعية ومنطقية لحالة الاحتقان السائدة في البلاد ضد استئثار صالح وعائلته ورموز نظامه بالسلطة وَالثروة على مدار أكثر من 33 سنةً من حكمه.
لم تكن ثورةُ فبراير ترفاً أَوْ تقليداً لموجة “الربيع العربي” -رغم تأثُّرها به – كما يحب البعض أن يصفه بـ “ركوب الموجه”، فمن اتساع رقعة الانتفاضة الشعبية في جميع المحافظات تمظهرت الدواعي الحقيقيةُ لهذه الثورة من انعدام للخدمات الأساسية , تردّي الحالة الاقتصادية , غلاء المعيشة , البطالة ,… إلخ، وعلى الرغم من أن الجماهيرَ خرجت ضد رموز النظام , إلّا أنها احتوت تحت مظلتها أحد أقطاب النفوذ في البلاد الجنرال “علي محسن” وكذلك الزنداني وأولاد الشيخ الأحمر رموز حزب الإصلاح وكذلك بعض الشخصيات في أحزاب اللقاء المشترك الذين اتضح لاحقاً تصدرهم لقائمة اللجنة الخَاصَّـة السعودية والذي يفسّر سرعة استجابتهم للمبادرة الخليجية التي حافظت على نفوذ المملكة ووكلاء مصالحها في الداخل وتقاسمها السلطة الشكلية (الحكومة) بين أحزاب اللقاء وحزب المؤتمر لتعود البلاد إلى المربع الأول ويدار المشهد فيه عبر نفس الأدوات ونفس مراكز القوى السابقة.
توالت الأحداث سريعاً عقب المبادرة الخليجية الذي زاد من حالة الاحتقان في الشارع اليمني وفشل حكومة الوفاق في إدارة المرحلة الانتقالية ونقلها للصراع من الشارع إلى جهاز الدولة عبر المحاصصة التي أقرتها المبادرة الخليجية؛ حفاظاً على مصالحها التي تمثّلها القوى التقليدية والعميلة، فلا تغييرَ للأفضل حدث فعلى العكس تماماً ساءت الأوضاع المعيشية والخدمية والأمنية والتي وقفت أمامها الحكومة عاجزةً تماماً عن تقديم أي شيء يَلمسه المواطن.
إضَافَةً إلى تعسف الرئيس “آنذاك” عبدربه منصور هادي في استخدام صلاحياته الممنوحة له من المجتمع الدولي ومحاولته إقصاء مكونين أساسيين في مؤتمر الحوار، هما الحراك وأنصار الله، كُلّ هذا أَدَّى إلى الانفجار الذي حدث في 21 سبتمبر لتسقُطَ العاصمة صنعاء في يد أنصار الله وتسقُطَ معها مراكز القوى والنفوذ السعودي.
يقولُ قائدُ الثورة السيد عبدالملك الحوثي في إحْدَى خطاباته: “لسنا مدلّلين ولا متنعمين لا اليوم ولا في الماضي، وُلدنا في الصراع واعتدنا عليه وعشنا في الجبال والأودية ولم ننعم بالقصور والفلل وحياة الرفاه عشرات السنين كحال البعض. إننا كادحو هذا البلد وفلاحوه ومستضعفوه وأهل الصراع والمواجهة، حملنا ونحملُ رؤوسَنا على أكفنا ونحن في طليعة المجابهة والتضحية”.
في كلام السيد عبدالملك توصيفٌ دقيقٌ للموقع الاقتصادي وَالاجتماعي الذي جاء منها الثورةُ وقيادة الثورة، أي أنها من خارج منظومة السلطة -على عكس ما حدث في ثورة فبراير- أي أن مصالحها معبّرة عن مصالح السواد ال أعظم من الشعب وتتناقض مع مصالح السلطة.
جميعُ مراكز القوى المتحكمة في مفاصل الدولة أُسقطت، وآخرها كان إسقاط صالح في الثاني من ديسمبر الماضي، وعليه فمن المفترض أن ينعكسَ كُلّ هذه الإنجازات إيجاباً على التفاصيل اليومية لحياة المواطن اليمني الصامد وبما يعزز صموده.
ما نعيشه اليوم من أوضاع اقتصادية متدهورة وكارثية كان السببَ الرئيسي فيها العدوان، ولكنها تفاقمت في ظل سبات عميقٍ لحكومة الإنقاذ جعلت المواطنَ يعيشُ الأمرّين بين مطرقة البيروقراطية الفاسدة وسندان البرجوازية الانتهازية التي تقتات على الأزمات والحروب، لا تغيير ولا تحسن يَلمسه المواطنُ إلّا في الجانب الأمني والعسكري فقط يشعره بالفخر ويجعله يسترخصُ التضحياتِ التي قدمت وما زالت تقدم في سبيل تحقيق السيادة الوطنية، أما في جانب الأداء الحكومي في الفترة السابقة فهو “مخيِّب للآمال”، وهو ما عبّرَ عنه رئيسُ المجلس السياسي الأعلى في تحركاته واجتماعاته الموسعة مع الحكومة خلال الأيام الماضية، في خطوة هامة نحو الإصلاح واسترداد مُؤَسّسية الدولة؛ باعتبارها مسؤولة عن جميع مكونات الشعب بمختلف توجهاتهم.
“لا أعذار” قالها الرئيسُ الصماد، فما بعد ديسمبر لن يكونَ كما قبله، والشعبُ اليمني الذي ثار في 11 فبراير، وخرج في 21 سبتمبر واقتلع أركانَ الفساد سيواصل ثورتَه لتقويم أي اعوجاج.