11 فبراير
علي الدرواني
لم تنطلقِ الثوراتُ الشعبيةُ الشبابيةُ السلميةُ في العام 2011 إلّا بعد أن ترسَّخت لدى الكثير من الشعوب العربية أن أنظمتها الحاكمة قد فشلت وأخفقت في رعاية شؤون شعوبها وإدَارَة مقدرات بلدانها وفرطت بأهم قضاياها وهمومها طوال الثلاثة أَوْ الأربعة العقود الماضية وجعلتها ميداناً لتنفيذ مُخَطّطات المتآمرين على الأُمَّـة العربية والإسْلَامية ومسرحاً لعمليات الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.
فارتفاع معدلات الفقر ومعدلات البطالة بين الشباب مع تزايد الفساد وعمليات النهب المنظم للثروات والمقدرات من قبل عصابات ضيقة كانت تحيطُ بالشلة الحاكمة، بالإضَافَة إلى تحكم المقرَّبين من الحكام برقاب الشعب وسيطرتهم على مقاليد البلاد وعدم إتاحة الفرصة لغيرهم بالوصول إلى السلطة، علاوةً على تمهيد الحُكّام لنقل السلطة إلى أبنائهم والانقلاب على الأنظمة الجمهورية والعمليات الديمقراطية الشكلية، كانت هذه الأمور أبرز أوجه الشبه في هذه الثورات وشعوبها وأنظمتها.
الشعب اليمني كان واحداً من هذه الشعوب والنظام الحاكم فيه واحداً من تلك الأنظمة الفاسدة الجائرة الدكتاتورية العميلة الخاضعة للاستكبار الأمريكي اللاهثة وراء التطبيع مع العدو الصهيوني.
الشعب اليمني كان سباقاً في الثورة ضد هؤلاء الطغمة من الحكام الظلمة ولم يكن مقلداً لثورات تونس أَوْ مصر، لا.. فقد سبق تحَــرّكات شعبية ثورية في شمال البلاد وجنوبها.
وقبل سبع سنوات فقط دوت في العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات صيحات الشعب بصوت واحد.. الشعب يريد إسقاط النظام..
لم يكن النظام مجرد شخص، بل كان منظومة متكاملة من الشخصيات العسكرية والدينية والقبلية المحكومة بمصالحها الشخصية ونظرتها الاستعلائية التي استولت على قرار الشعب وتقاسمت ثرواته وشنت الحروب على أبنائه شمالاً وجنوباً ورهنت حاضر اليمن ومستقبلها لهيمنة الخارج لا سيما السعودية وأمريكا.
استمرارُ الشعب في تحَــرّكه وثورته وتعدد أطياف مكونات ساحات الثورة في صنعاء وغيرها أزعجت النظام وزعزعت أركانه وزلزلت الأرض تحت أقدامه.
فانقسم النظام على نفسه تمهيداً لإعَادَة إنْتَاجه بما عُرف بالمبادرة الخليجية التي عطّلت الدستور والقوانين وقيدت السلطات التشريعية ومنحت الفاسدين حصانةً من الملاحقة القضائية بالضد على أَهْدَاف الثورة النبيلة وقتلاً لمبادئها العظيمة.
الشعب اليمني وقيادته الثورية لم تكن غافلة عن مُخَطّطات التآمر السعودية الأمريكية وتحَــرّكاتها لمعاقبة الشعب الثائر وافتعال المعارك الجانبية في صعدة ودماج وتحريك القاعدة لاستهداف الجيش والامن؛ بغرض التمهيد لإبقاء اليمن تحت نير الهيمنة الخارجية، فاستمر الشعب في ثورته حتى اكتملت أهمّ فصولها في الـ21 من سبتمبر 2014.
وبعد أن فقدت السعودية أَدَوَاتها في صنعاء بفرار كُلّ من كانت تعتمد عليهم في تنفيذ أجندتها شنت عدواناً ظالماً وفرضت حصاراً مطبقاً وعاقبت الشعب اليمني الرافض للنفوذ السعودي والهيمنة الأمريكية.
اليوم والشعبُ اليمنيُّ يتعرَّضُ لهذا العدوان الظالم ويرزح تحت الحصار الجائر ليس من الغريب أن نرى كُلّ أَدَوَات السعودية من أركان النظام البائد أَوْ من أدعياء الثورة يقفون اليوم جنباً إلى جنب ضداً على أحلام شباب فبراير وضداً على حق الشعب اليمني في يمن مستقل ذي سيادة..
وليس غريباً أن يكونَ من حسنات هذا العدوان أن كشفَ للشعب اليمني مَن يقف في صفه ويضحّي في سبيل تحقيق أحلامه، ومن خان دماء الشباب في مختلف ساحات الثورة، وخان أحلام الأجيال القادمة..
ما يجري اليوم في بلادنا هو امتدادٌ للفعل الثوري الشعبي لانتزاع حقوقه ووضع قدمه على طريق الطموح للخروج من الحالة السيئة التي فرضها النظام البائد.