“صفقة القرن” مجرد ورقة ترامبية
برهوم جرايسي*
تعدّدت التقاريرُ الصحفيةُ في وسائل إعلام أميركية وغيرها، حول ملامح ما يسمى بـ “صفقة القرن”، التي تعدها إدارة الرئيس دونالد ترامب، “لحل” القضية الفلسطينية. وتعدّدت أيضاً التصريحات الأميركية التي تدّعي أن ما ينشر “ليس دقيقاً”، ولكن لم يظهر نفي جارف، ما يعني أن ما ينشر يشكل أساساً لما سيكون، وفي حال كان أصلاً.
والعنوان الأبرز لكل تلك الملامح، أنها “صفقة” مطابقة لما طرحه بنيامين نتنياهو في ما عُرف بـ “خطاب بار إيلان”، في حزيران (يونيو) 2009.
بمعنى أن ترامب يعرض على الشعب الفلسطيني مجرد شبه كيان ممسوخ فاقد السيادة، في حين أن قضية اللاجئين تصبح “زائدة” للحديث عنها.
وآخرُ ما سمعناه قبل أيام قليلة، هو أن الخطّة تدعو إلى ضم كُلّ المستوطنات على الأرض، مع استثناءات هامشية. وأن تكون “الدولة الفلسطينية” منزوعة السلاح، ولا سيطرة لها على حدود الضفة من الجهات الأربع، في حين أن جيش الاحتلال والمستوطنات سيستمرون في التواجد في منطقة غور الأردن.
ومؤكَّدٌ بموجب هذه العقلية، سيكون قطاعُ غزة فاقَد السيطرة على حدوده البرية مع باقي مناطق فلسطين، ومحاصراً من البحر أيضاً، وفي هذه الحالة لا حديث عن الأجواء.
أما القدس، فقد كان “تمايز” في التقارير، منها ما أبقى كل القدس المحتلة منذ العام 1967 تحت سيطرة الاحتلال، ومنها ما ادعى أن الخطة تدعو إلى انسحاب من ضواحٍ فلسطينية، ولكن لا حديث اطلاقا عن جوهرة التاج، البلدة القديمة، والأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية. ويتم استكمال هذه التفاصيل، بشطب كلي لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، فلسطين التاريخية، مع طلب توطينهم حيث هم، ودفع تعويضات لهم.
وعلى الرغم من أن الحديثَ هنا عن تقارير صحفية، إلا أن طابعَ إدارة دونالد ترامب، والشخصيات المركزية العاملة بشأن القضية الفلسطينية، تؤكد مسبقا أنه لا يمكن لهذه الإدارة أن تعرض أكثر مما هو مطروح هنا، ولربما قد نسمع أسوأ. وقرار الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، يؤكد هذه السياسة. كما أن تقديم موعد نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، بأكثر من عام ونصف العام، واختيار تاريخ استفزازي خطير للشعب الفلسطيني، يؤكد أن هذه الإدارة ليس فقط تتماشى مع اليمين الاستيطاني الصهيوني المتطرف، بل أيضا تخدم أهدافه الحزبية، من باب أن الإسراع في نقل السفارة، جاء لدعم بنيامين نتنياهو في هذا الوقت بالذات، وتسليمه مكتسبات سياسية أخرى امام جمهوره.
يَعرِفُ مبلورو الورقة الأميركية هذه، ومثلهم ساسة الحُكم الصهيوني، أنهم لن يجدوا فلسطينيا واحدا، على استعداد حتى للالتفات لمثل هذه الخطة، التي من نسجها، قرأ جيدا خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان (قرب تل ابيب) في شهر حزيران 2009، ونسخه مع تعديلات هامشية جدا، ليعرضه كخطة باسم ترامب، وتُسجل على اسمه.
ولكن في ذات الوقت، فإنه في حال تم عرض ورقة ترامب هذه، فإننا سنشهد مسرحيات “بكائية” لدى عصابات المستوطنين، وقد يظهر نتنياهو في استعراض “آلام”، بسبب “التنازل” عن “أجزاء من وطن اليهود”. وعلى أساس تلك الزوبعات الصهيونية، سنرى حملة تسويق، وكأن خطة ترامب “جديرة بالاطلاع والفحص”، ولربما أن الإدارة تكون قد أعدت جانبا، تعديلات تافهة، لتظهر وكأنها تتراجع أمام الفلسطينيين، ولكن كل هذا لن يأتي بشيء.
إنَّ الصهاينة ومعهم إدارة ترامب، يراهنون على الأزمة الفلسطينية الداخلية، بما تسبّبه من ضعف مكانة القضية الفلسطينية على أجندة الرأي العام العالمي.
وقد حان منذ وقت طويل جداً، الخروجُ من هذه الأزمة، بضمان علوية المشروع الوطني الفلسطيني، ومكانة منظمة التحرير ووحدتها بعد تعزيزها، على أية اعتبارات حزبية أخرى.
*كاتب فلسطيني