مجرم حرب في ضيافة حكومة صاحبة الجلالة
د. أحمد عبدالله الصعدي
يحلُّ مجرمُ الحرب المتوحش ولي عهد مملكة العدوان السعودي ووزيرُ دفاعها ضيفاً مهاباً مرحباً به لدى حكومة صاحبة الجلالة، الحكومة البريطانية، وَدعك من جملة قالتها أَوْ قد تقولُها رئيسة الوزراء تيريزا ماي تطلب فيها على استحياء بتسهيل دخول المساعدات الإنْسَانية لليمنيين، فهذا محضُ نفاق؛ لأنه بينما تستضيفُ لندن وزيرَ دفاع السعودية تستمر حكومة صاحبة الجلالة بتقديم السلاح والاستشارات والمعلومات الاستخبارية لقوى العدوان للمزيد من قتل اليمنيين وَإحكام الحصار عليهم ويتفانى دُبلوماسيوها؛ لتلميع وجه المعتدي السعودي والإماراتي في المنابر الدولية بل والتغني بإنْسَانيته.
كتبتْ في الأسابيع الماضية صحيفةٌ بريطانية منتقدةً زيارة ولي العهد السعودي تحت عنوان ((لا تهينوا قيمنا…))، وبذل نشطاء حقوقيون بريطانيون وأجانب جهوداً كبيرة لثني حكومة صاحبة الجلالة عن استقبال وزير دفاع دولة تشنّ حرباً عدوانية إجرامية تنتهك فيها كُلّ المواثيق الدولية والإنْسَانية، إلا أن هذا الصوت بقي خافتاً في ظل دوي أصوات صفقات السلاح المربحة للغاية.
إنَّ القيمَ التي ينادي بها الناشطون الحقوقيون غريبةً عن طالب السلاح وبائعه، فلا محمد سلمان المسلم يتورّع عن قتل النفس التي حرّم الله ولا رئيسة الحكومة البريطانية وهي مسيحية تؤمنُ أن الناسَ إخوة في الله.
إنَّ تجارة السلاح تدر أرباحاً مغريةً إلى حد يجعلنا نتصوّر أن بيع السلاح وحدَه يمكن أن يكون سبباً كافياً لإشعال الحروب ما دام الربح هو القيمة العليا في نظام القيم الرأسمالية، والتجارة دين الرأسمالية وديدنها.
وقد أدركت هذه الخصوصيةَ الناشطةُ الحقوقية وَالمواطنة البريطانية من أصل يمني أُمّ كلثوم باعلوي عندما أشارت إلى أن المنظّمات العاملة ضد تجارة الأسلحة لم تنجح في الدعاوى القضائية التي رفعتها لمنع تصدير السلاح للسعودية؛ بسبب حساسية المسألة، وأضافت ((قضايا مثل هذه تطلب جلسات سرية مع أجهزة الأمن وبالتأكيد تخسر؛ لأنها تطالبُ الحكومة بوقف بيع الأسلحة، وهذا شيء للأسف الشديد لن ينجحَ؛ لأن الحكومات الغربية هَمُّها الأساس المال، وهناك أمور أخرى تجعلُ قضايا ضد الحكومة تفشل؛ بسبب تدخل أجهزة الأمن)) (المسيرة العدد 364، 18 / فبراير/ 2018).
إنَّ إدراكَ هذه الأمور يُظهِرُ سذاجةَ الأصوات التي غالباً ما نسمعُها مناشِدةً ما تسميه بـ ((العالم المتحضر)) وكأن المجتمعات الغربية مكونةٌ من ملائكة ننتظر منهم العطفَ والرحمة، بينما هي مجتمعاتٌ طبقية رأسمالية ليست الحكومات فيها إلا أجهزة تنفيذية تخدُمُ الطبقات الرأسمالية.
أمّا الرأسمالية فما تزالُ في جشعِها لكسب المال هي تلك التي وصفت في ملاحظة بالغة الدقة والعمق في مجلة دورية من القرن التاسع عشر وردت فيها العبارة الشهيرة ((الرأسمال جبان)) والتي يعود لكارل ماركس فضل إشهارها عندما أوردها حاشية في الفصل (24) من الكتاب الأول من ((رأس المال)) وجاء فيها ((أن رأس المال يثير الشقاق والخلاف وهو جبانٌ وهذا صحيح جداً، ولكن هذا لا يقرّر المسألة تماماً.. إنَّ رأس المال يرفض الربح أَوْ الربح الصغير جداً، وذلك كما كان يقال من قبل بأن الطبيعة تكره الفراغ، وإذا كان الربح مناسباً كان رأس المال جريئاً جداً، فمبلغ 10% يضمن استثماره في أي مكان، 20% يثير الرغبة، 50% يولد الجسارة الإيجابية، 100% يجعله يطأ جميعَ القوانين الإنْسَانية، وفي حالة 350% لا يتورع عن أية جريمة أَوْ مخاطرة، حتى ولو أدّى الأمر إلى خنق صاحبة، إذا كان الاضطرابُ والنزاع يأتيان بالربح، فإن الأخير يشجّع عليهما)).
وفي هذا الجشع إلى الربح، والدوس على كُلّ القيم وارتكاب الجرائم وصولاً إلى شنق الذات ما يفسّرُ استقبالَ حكومات تفاخِرُ بالتحضر والرقي لمجرم حرب همجي؛ لكونه أمير آبار النفط ومليارات الدولارات والجنيهات ومصدر ربح يصل إلى 350%.