القدس قصة مأساة لا تنتهي
ماهر ضياء محيي الدين
ما هي إلا أيام قلائل وتفتحت السفارة الأمريكية في القدس ليكون بلفور وعد وترامب نفّذ الوعد المشؤوم وبذلك لقد أطلقت أمريكا رصاصةَ الرحمة على ضحيتها التي استمرت معاناتها على مدى عهود طويلة ضمن سلسلة من الحلقات المترابطة من القتل والترهيب والتهجير وتخاذل الجميع للوصول إلى مبتغاها وتأسيس دولتها المزعومة وعاصمته القدس، فجاء الإعلان الأمريكي في الاعتراف بالقدس عاصمة لليهود ونقل السفارة يتماشى مع المواقف والنهج الأمريكي.
إن ما حصل من تهويد للقدس بالتدريج، كان مدروساً وَمخططاً له، ولم يكن وليد اليوم بل كان على شكل مراحل بدأت معطياتها وأفرزته تلوح بأفق البعيد وبصورة تدريجية من خلال ومعاهدات واتفاقيات متمثلة بسايكس بيكو ووعد بلفور التي كانت مخرجاتها إحداث متغيرات جوهرية وَمحورية في المنطقة وبأخص فلسطين التي أدخلتها في معادلة استقطاع أراضيها استخدام سياسية التوطين لليهود والتهجير للفلسطينيين وينطبق على هذا الحالة المثل المشهور (حساب اليهود)، لكنها في الوقت نفسه عملت على تدمير مراكز القوة العربية، وتحديدا مصر والعراق وسوريا. وسيكون الانتهاء منها بعد زجها في صراعات ومشاكل ونزاعات داخلية لتكون في دوامة عنف لا تنتهي اليوم أَوْ غداً وآخرها ظهور داعش وما جرى من خراب لهذه الدول الثلاث وَاتضاح معالم ومعطيات سياسية فرق تسد لم يكن مسارها متوقف على التقسيم المادي للدول بل دعم نشوء حركات وتيارات فكرية حركية منحرفة من أجل زرع روح التفرقة والتشتت بين الطائفة الواحدة؛ لأن الغزو الثقافي بمختلف صوره جعل المرء يفجر نفسه وسط إخوته ويصرخ الله أكبر.
كان للوبي اليهودي دور بارز في قلب موازين القوى العالمية وتكون قضيته محل نزاع وَمن أجل يكسب تعاطف الجميع وتكون مبرراتهم لدولته من منطلق ديني وعقائدي وَفكري بالقول إن أرض فلسطين وعد السماء لهم وتواجد أنبيائهم وصراعهم مع العرب الأزلي جاء من هذا من الباب فبدأت لعبة السلام وطرحت عدة خطط السلام تجاوزت أربعين عاماً كانت محصلته تقوية الدول الصهيونية وفرض سياسية الأمر الواقع وخضوع الفلسطيني بإنشاء دولتين متجاورتين وبدء مرحلة التطبيع إن صح أن نقول عليه دولة فلسطين؟.
رغم الاعتراف من واشنطن بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل خلافاً لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي يؤكد، بالكلام فقط، ضرورة الانسحاب من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب العام 1967 وعودة اللاجئين لحسم النزاع، لاسيما بعد اعتراف الحكام العرب بإسرائيل، في قمة بيروت العام 2002, ولا يعول على الدول الإسْـلَامية؛ لأنها غارقة في بحر الظلمات وستكتفي بإدانات وَالاجتماعات وتنتهي القصة، إن مجريات الإحداث اليوم تعطي دلائل دامغة على إن هذه الخطوة ليست الأخيرة بل هناك خطوات لاحقة ستجري لكن على شكل مراحل متعاقبة ولعل أبسط دليل على هذا الأمر تزايد حجم القوات الأمريكية في المنطقة بشكل لافتة للنظر من حيث العدة والعدد مع اتساع عدد قواعدها المنتشرة في المنطقة وَخصوصاً في العراق وسوريا لتحقيق ثلاث أمور:
أولاً: لإكمال ما مخطط لها للمنطقة من تقسيمها على شكل دويلات صغيرة ضعيفة متهالكة مقابل الدولة اليهودية القوية (الإمبراطورية اليهودية).
ثانياً: حماية الدولة المزعومة من أي اعتداء أَوْ عند حدوث حالات طوارئ..
ثالثاً: قمع وضرب أية حركة من طرف كان إزاء خطوة القدس عاصمة الدولة اليهودية.
وخلاصة الحديث لن تستطيع أمريكا من تغيّر الهُوية العربية للقدس مهما طال الزمن؛ لأنه لا بد من القيد من أن ينكسر والليالي السود أن تنجلي.