علاقة تأجير مصر لأجزاء من سيناء لـ “مشروع نيوم ” السعودي بـ “صفقة القرن”
المسيرة: إبراهيم السراجي
تلتقي التحَرّكاتُ الاقتصادية والسياسية والعسكرية لكلٍّ من السعودية ومصر والولايات المتحدة عند نقطة ما بات يوصف إعلامياً بـ “صفقة القرن” التي تسعى أمريكا من خلالها لتصفية القضية الفلسطينية وإنهاء ملف القدس المحتلة بشكل نهائي من خلال الاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني؛ ولذلك كان تركيز المراقبين ينصب حول هذه القضية خلال متابعتهم لمخرجات زيارة ولي العهد السعودي للقاهرة وتوقيعه اتّفاقيات متعددة لم تلبث أن قادت بسهولة إلى المحور الرئيسي وهو “صفقة القرن”.
خلال تواجد بن سلمان في القاهرة أعلنت الأخيرة أنها ستقوم بتأجير ألف كيلو مربع من جنوب سيناء لمشروع “نيوم” الذي هو عبارة عن مدينة اقتصادية تموله السعودية بقيمة 500 مليار دولار ويقع في خليج العقبة ضمن حدود السعودية ومصر والأردن، وتستثنى تلك المدينة من القوانين التي تفرضها الدول بمعنى أن ثمة كياناً شبه مستقل، الأمر الذي لم يجد المحللون معه صعوبةً لاستنتاج علاقة المشروع بصفقة القرن.
ويرى المراقبون أن تنازل مصر عن جزء من مساحة سيناء لصالح المشروع ليس سوى غطاء استخدمه النظامُ المصري والسعودي لتنفيذ خطة بناء عاصمة بديلة لفلسطين في سيناء ضمن صفقة القرن.
وكانت وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية، جيلا جملئيل، أول من كشف مخطط تصفية القضية الفلسطينية عبر بناء عاصمة بديلة في سيناء، حيث أطلقت في نوفمبر الماضي تصريحات وُصفت بالغريبة آنذاك ولم تتضح أبعادُها إلا مع انكشاف تفاصيل صفقة القرن، حيث قالت إن “أفضل مكان للفلسطينيين ليقيموا فيه دولتهم هو سيناء”، ونقلت هذه التصريحات القناة الإسرائيلية الثانية وبعد ذلك تناقلتها وكالات الأنباء الدولية.
عقب تصريحات الوزير الإسرائيلية بـ15 يوماً فقط وقَعَ التفجيرُ الدامي الذي استهدف مسجدَ الروضة في سيناء المصرية وأدّى لاستشهاد 305 من المصلين وإصابة أَكْثَـر من 120 آخرين، ومعها بدأ الإعلام المصري المرتبط بالنظام طرح فكرة إيجاد مساكنَ بديلة لسكان سيناء ونقلهم إليها؛ كي تتمكن الدولة المصرية من القضاء على ما يسمى “الإرْهَاب”.
وفي سياق قراءة تخصيص مصر مساحة في سيناء لمشروع نيوم، يؤكد المراقبون أن المنطقة التي جرى اختيارها لإقامة المشروع بكلفة 500 مليار دولار تعد منطقة خطرة على رؤوس الأموال لو كانت السعودية ومصر والأردن ترى في إسرائيل عدواً؛ لأنه من غير المعقول أن يطرح مبلغ خيالي مثل هذا قُرب الكيان الصهيوني؛ لأنه سيصبح نقطة ضعف للعرب في حال نشوب حرب جديدة.
في تحليل نشره موقع “مونت كارلو” الفرنسي بعنوان “مشروع نيوم وصفقة القرن” تناول العلاقة بين تنازل مصر عن ألف كيلو متر من سيناء لصالح المشروع وبين صفقة القرن.
وقال إن “تقديم مصر لألف كيلو متر مربع من أراضيها أثار جدلاً لدى الرأي العام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي”، مضيفاً أن الإعلام المصري الرسمي حاول الرد على تلك التساؤلات ونفي أية أبعاد سياسية لصفقة سيناء، لكنه لم يجب عن تلك التساؤلات بشكل مقنع.
وأضاف أن “التساؤلات، التي تضمنت جوانب عملية وسياسية، ظلت قائمة ذلك إننا نتحدث عن منطقة تبلغ مساحتها مرتين ونصف مساحة لبنان ومرة وربع مساحة إسرائيل، وتقع أراضيها في موقع استراتيجي دقيق على البحر الأحمر وخليج العقبة، ويصفها موقعها الرسمي بأنها محور عالمي يتجاهل الحدود بين الدول”.
ومن ضمن تلك الجوانب وفقاً للموقع هو ما يتعلق بالسياسية مشيراً إلى ان “بين البلدان الثلاثة المشاركة في المشروع هناك إسرائيل التي تمتلك ميناء إيلات المطل على خليج العقبة، والمستثمرون الإسرائيليون بدأوا، بالفعل، في الإعراب عن رغبتهم في الدخول إلى هذا المحور العالمي الذي يتجاهل الحدود بين الدول، خُصُوصاً وأن البنية التحتية للمنطقة والكثير من قطاعاتها الاستثمارية مثل الطاقة والمياه والتقنيات الحيوية بحاجة لشركات محلية متقدمة تكنولوجيا، يقول الإسرائيليون بأنهم وحدهم من يتمتعون بوجودها في المنطقة”.
إجمالاً تبدو زيارة بن سلمان للقاهرة ولندن وتوقيعه اتّفاقات اقتصادية بما يفوق 150 مليار دولار في بريطانيا ومصر، لم تخرج عن سياق استعجال النظام السعودي في إتمام “صفقة القرن” خصوصاً أن الولايات المتحدة أعلنت أنها ستقوم بافتتاح سفارتها الجديدة لدى إسرائيل في القدس المحتلة في مايو القادم.
وتتلخص الصفقة بعناوينها العريضة في إقامة دولة فلسطينية تكون حدودها في قطاع غزة وأجزاء فقط من الضفة الغربية وأجزاء من منطقة سيناء المصرية تقام فيها عاصمة بديلة، وبالتالي التنازل عن معظم الأراضي العربية المحتلة، بما فيها التي احتلها الكيان الصهيوني عقب 67، والأخطر من ذلك هو التنازل عن القدس المحتلة بكاملها، أَوْ ضم قطاع غزة لمصر والضفة الغربية للأردن، وبالتالي لا يكون هناك دولة اسمها فلسطين.
وكان كتاب “الغضب والنار” الذي أثار جدلاً غير مسبوق من تأليف الصحفي الأمريكي “مايكل وولف” الذي كان مقرباً من ترامب واستفاد من إجرائه أَكْثَـر من 200 مقابلة مع كبار موظفي البيت الأبيض، كشف أنه في إحْــدَى المقابلات مع كبير مستشاري ترامب قبل إقالته “ستيف بانون” أنه لخص صفقة القرن بقوله “دع الأردن تأخذ الضفة الغربية، ودع مصر تأخذ غزة، لنتركْهم يتعاملوا مع الأمر، أَوْ يغرقوا وهم يحاولون”.
كما كشِفُ الكتابُ عن الزيارة الأولى لمحمد بن سلمان للبيت الأبيض، وهناك توّلى صهرُ ترامب ومستشارُه اليهودي “جاريد كوشنر” تطويع الأول ومعرفة ما يمكن أن يقدمه للولايات المتحدة وإسرائيل مقابل دعمه لتمرير صفقة القرن، ونقل الكتاب عن بن سلمان قوله لكوشنر “أنا سأكون يدَكم اليُمنى ورجلَكم الأولَ في السعودية”.