القضية الفلسطينية في فكر السيد حسين (2-2)
الدكتور/ إسماعيل محمد المحاقري*
السبب الثاني: الانحراف ونتائجه في تدجين الأُمَّـة لأعدائها ولحكام الجور وفصلها عن إعْـلَامها ورموزها وقياداتها من قرناء القُـرْآن وحملة الفكر الجهادي
ذكر السيدُ حسين عدداً من الأسباب التي مرجعها أنفسنا وما طرأ من انحراف خطير منها أن علماء السلطة ومؤرخي السوء عملوا على تدجين الأُمَّـة لحكام الجور على طوال التأريخ الإسْلَامي، لقد قدّم هؤلاء القُـرْآنَ الكريم والإسْلَام كوسيلة لخدمة اليهود والنصارى، وتمت صناعة ثقافة تمسخ بالإنْسَان وتحطه، فقدم لنا الجبن والخضوع للظلمة ديناً ندين الله به فقد جعلوا من السكوت والخضوع نوعاً من السياسة الشرعية ونوعاً من الحكمة والتصرف الحكيم..
ويرى أن الخطاب الديني الذي يعكسه علماء الإسْلَام أَصْبَح خطاباً استسلامياً أسقط من أهدافه كُلّ ما يمُتُّ لموضوع الجهاد والإنفاق استعداداً لمواجهة العدو فقد تصدر منابر الخطابة والفتوى علماء لا يحملون أي رؤيا لهذه الأُمَّـة لتكون في مستوى المواجه لأمريكا وإسرائيل ثم يقول ((كيف يمكن أن نتوقع ممن لا يرى الإسْلَام إلّا دقنه وثوباً قصيراً ومسواكاً أن يجعل الأُمَّـة بمستوى المواجه ضد اليهود وضد الغرب أن اقصى ما يمكنه أن يعملوه هو أن يقنتوا في الصلوات (اللهم أهلك أمريكا وإسرائيل).
ومن ذلك أيضاً أن مثل هؤلاء المدسوسين من علماء ومؤرّخي السلطة ساعدوا العدو على تمرير خططه في الفصل بين الأُمَّـة وبين رموزها وقادتها الحقيقين قرناء القُـرْآن القادرون على تحريك الأُمَّـة وتوجيهها نحو عدوها ممن يحملون في وجدانهم وعقيدتهم روحية جهادية ويرتبطون بالمجتمع بروابط الحب والقدوة والقدرة على التأثير وتم استبدالهم برموز وقيادات وهمية تولوا صناعتها عبر وسائلهم المختلفة، فهؤلاء من أسموهم فرسان العرب وحراس البوابة الشرقية هم في الحقيقة من اوصل هذه الأُمَّـة إلى هذا المستوى من الضعف والاستكانة..
فقد كشفت الأحداث عن مدى الارتباط بين هذه الزعامات الوهمية وبين العدو الصهيوني ومستوى التعاون بينهم في خدمة المشروع الصهيوني مقابل حماية كراسيهم وممالكهم فهل يمكن للعرب وهذا هو حال زعمائهم أن يقاتلوا وقد أذلهم زعماؤهم وأوصلوهم إلى هذه الحالة.. وهل بالإمكان أن ننتصرَ على إسرائيل وهذه الزعامات والقيادات الحزبية والدينية يتسابقون لنيل رضا أمريكا وإسرائيل وهل بالإمكان أن نجد عند هؤلاء حلا أَوْ أن بمقدورهم اتخاذ موقف تجاه عدوهم؟.
المحور الثالث: السيد حسين ينطلق من الثقافة القُـرْآنية لتحديد الرؤية واختيار الموقف والحل للقضية الفلسطينية
يتساءل السيد حسين بقوله: إن القُـرْآن الكريم ونحن نراه يتحدث كثيراً عن اليهود وعن خطورتهم البالغة ويحذرنا من شرهم ومكرهم للأمة الإسْلَامية والله سبحانه وتعالى هو من يريد لهذه الأُمَّـة أن تكون عزيزة وأن نكون قوية، فهل يمكن أن الله سبحانه وتعالى يحدثنا عن كُلّ ذلك ثم لا يكون في كتابه العزيز ما يهدي هذه الأُمَّـة إلى ما يمكن أن يؤهلها لتكون بمستوى مواجهة العدو والقضاء على مُخَطّطاته وإحباط مؤامراته؟. محاضرة (يوم القدس العالمي).
ثم يجيب على ذلك بقوله: ((لا بد في عدل الله ورحمته وحكمته أن يكون قد هدى الله إلى ذلك وقد هدى فعلاً، ففي هذا القُـرْآن الكريم الذي قال الله فيه ((ما فرطنا في الكتاب من شيء)) التي تكلم عنها الله في معرض حديثة عن مخاطر اليهود ما يهدى الأُمَّـة إلى الطريق والسبيل بأن تكون الأُمَّـة في مستوى يجعلها قادرة على المواجهة لليهود واحباط كُلّ مُخَطّطاتهم وكيدهم الرهيب لكن هذه الأُمَّـة تخلت عن القُـرْآن الكريم فليس صحيحاً المقولة المتداولة ((الصراع الإسْلَامي الإسرائيلي))، فالأمر ليس كذلك بل الحقيقة أن من يصارع إسرائيل هم مسلمون بلا إسْلَام وعرب بغير إسْلَام صرعوا الإسْلَام من داخل نفوسهم من داخل أفكارهم من جميع شئون حياتهم ثم اتجهوا لصراع اليهود فأَصْبَحوا أمامهم عاجزين أذلاء مستكينين مستسلمين وقد أَصْبَحوا اليوم يسيرون وفق ما يريده اليهود ومع كُلّ ذلك نحسب اننا مهتدون وأحرار واننا وطنيون ومتحضرون واننا تقدميون!!!
وفي ضوء ذلك حدد السيد المسؤوليات ووضع التصور بالآتي:
- يرى أن القضية الفلسطينية هي قضية المسلمين جميعاً، فالخطاب القُـرْآني هو خطاب للمسلمين دولاً وشعوبً، فالمسؤولية تقع على الجميع في المحافظة والدفاع عن أرض المسلمين وعن مقدساتها فيقول: ((إن ساحة المسلمين ساحة واحدة، ولا يمكننا أن نقول إن الإسْلَام وزع المسئوليات بين المسلمين وجعل كُلَّ فئة مسؤولةً عن قطاع معين وعما يحدث في منطقة دون أُخْـرَى؛ لذلك قضية فلسطين قضية المسلمين جميعاً، حتى لو اعترف الفلسطينيون أنفسهم بإسرائيل حتى لو رضوا بأن يكونوا عبارة عن مواطنين داخل إسرائيل لا يجوز للمسلمين أن يقرّوهم على ذلك أَوْ يتخلوا عن جهادهم لإخراج العدو من أرضهم)) محاضرة (يوم القدس العالمي).
- ويرى أيضاً أن القضية الفلسطينية قضية المسلمين دولاً وشعوباً، فالشعوب هي أَيْضاً مخاطبة في الذود عن أوطانها ومقدراتها بكل الوسائل المتاحة لهم، ولا يجب أن تظل الشعوب تنتظر من دولها أن تقوم بشيء في مواجهه إسرائيل وأمريكا والموقف المعبر عن الرفض وعلى سبيل المثال إحياء يوم القدس العالمي، وهذا أقل ما يقوم به المسلم من أجل أن تبقى قضية فلسطين حيه في نفوس المسلمين؛ ولكي أن نبقى على مسار الجهاد ويبقى مشاعر الرفض لإسرائيل حية في نفوس المسلمين.
- ويرى أن القضية الفلسطينية هي قضيةُ أمة وهي قضية محورية ولا طريقَ لحلها إلّا بالتمسك بكامل الحق في أرض فلسطين وتحريرها من إسرائيل أن الفلسطينيين عندما تحوّلوا من جهاد لتحرير الأرض من إسرائيل إلى المطالبة بإقامه وطن خاص يهم داخل فلسطين هم أول من شهد على أنفسهم بالهزيمة وها هم بعد اعترافِهم لإسرائيل يوجّهونها ومعها أمريكا منذ فترة طويلة لم يأخذوا درساً لم يأخذوا عبراً؛ لأنهم لم يرجعوا إلى القُـرْآن الكريم ليستوحوا منه كيف يواجهون هذا العدو والله لو رجعوا إلى آية واحدة لأغنتهم ودلتهم على السبيل فالله قال عن اليهود ((أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا))، والنقير هو الحبة البيضاء الصغيرة في ظهر نواة التمر.
- ويرى أن مسؤوليتنا أن نحسن اختيار قياداتنا وزعمائنا ممن يمثلون القُدوة والمثال ويجسدون روحية المسلم القوى العزيز المتصل بالله وبتأريخه وثقافته القُـرْآنية والجهادية فهؤلاء هم القادرون على قيادة الأُمَّـة والنهوض بها للقيام بواجباتها والخروج بها من حالة الضعف والاستكانة هؤلاء يقول عنهم “كيسنجر” وزير خارجية أمريكا هم أصحاب مباء وثوابت حدية لا يقبلون التنازل عنها والمساومة عليها ولهم مقايس مختلفة عن مقاييسنا في فهم الأحداث والوقائع.
- يحب أن نعيدَ ربط شبابنا بثقافتهم وتأريخهم الجهادي وعظمائهم ونعيد تصحيح فلسفتهم للحياة وترتيب أولوياتهم.
- يجب أن نتخلص من عقدة النقص والشعور بالهزيمة والضعَة ويجب فك ارتباط التبعية الثقافية والاقتصادية والسياسية إن أردنا أن نكون بمستوى المواجهة.
- وأخيراً يرسم السيد حسين الرؤية والموقفَ الذي يجب أن نقوم به كشعوب عربية وإسْلَاميه؛ لكبح جماح العدو الصهيوني ووضع حد لاندفاعاته للنيل من أوطاننا وشعوبنا في الوقت الذي يريده، ويرى السيد حسين في هذ الخصوص أن اليهود والأمريكيين وحلفاءهم وإن كان لديهم من القدرة المادية والعسكرية الكافية لتدمير هذا الوطن عدة مرات إلا أنهم حريصون على أن لا يكون في نفوسنا سخطٌ عليهم وأن لا نحمل نظرة عدائية في نفسنا نحوهم فهم يبدون حرصهم على تصحيح أية مفردة نستخدمها قد تكون فيها اساءة لهم فمن خططهم إماتة روح العداوة في نفوسنا نحوهم؛ لكونهم يدركون مخاطر تنامي روح العداوة ضدهم.
هذا الموقف يتمثّلُ في قيام المسلم بالتعبير العلَني عن سخطه ومعاداته لمن يحمل العداء له فليس من المعقول أن نشاهد تلك المجازر وتلك المؤامرات التي يرتكبها العدو في حق شعبنا ووطننا ومقدساتنا دون أن يصدر منا موقف نعبر من خلاله عن سخط الأُمَّـة ورفضها لتلك الانتهاكات والممارسات في حقنا ويرى أن هذا الموقف أقل ما يقوم به المسلم وسيكون له الأثر الكبير.
وقد كانت الخطوة الأولى هو إحياء يوم القدس العالمي، حيث اتخذ هذه الخطوة في كتاباته ثم عمل على تطبيقها على أرض الواقع بخروجه مع عدد من الشباب بأحياء هذه المناسبة في محافظة صعدة والخطوة التالية هو اقتراحه ترديد الشعار الذي أَصْبَح الآن معلوما لنا (اللهُ أَكْبَر.. الموتُ لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود النصر للإسْلَام).
ومن المهم أن نشير إلى التأسيس الديني والمنطقي لاتخاذ المسلم لهذا الموقف، حيث يقول: يجب أن نفهم نحن المسلمين أننا مستهدفون منذ عشرات السمنين أنها مؤامرات مئة عام من الصهيونية خمسين عاماً من وجود الكيان الصهيوني المعتدي المحتل (الغدة السرطانية في حسم الأُمَّـة).
ثم يقول: إن الإعْـلَام ومنذ عشرات السنين وهو يعرض علينا أخبارَ وضربات اليهود والأمريكيين في فلسطين وفي أفغانستان وفي كُلّ بقعة من بقاع العالم الإسْلَامي، فلماذا يتم عرضها علينا خُصُوصاً من قنواتنا الإعْـلَامية ثم يقول فماذا تتوقعون أن تكون نظرتنا ونحن نشاهد أبناء الإسْلَام يقتلون ويذبحون ونشاهد مساكنهم تدمر وأراضيهم تصادر ومزارعهم يتم تجريفها؟ هل تتوقعون أن ننظر لها بنظرة الصحفي الفنية الذي لا يعنيه ما وراء الخبر؟! أن من الطبيعي أن تكون نظرتنا مختلفة؛ لأننا عرب مسلمون لا يزال في نفوسنا بقية من إباء ومن إيْمَان ومن نخوة؛ لذلك فمن الطبيعي أن نعبر عن سخطنا وعدواتنا لمن يمارس في حقنا تلك الجرائم والقول بغير ذلك سيكون من مقتضياته أن يكون هدفكم من عرض تلك المشاهد علينا هو أن تغرسوا في نفوس أبناء الإسْلَام الهزيمة والإحباط والشعور بالضعة وهذا ما لا نرضاه لأنفسنا ولا نرضاه لكم.
نتائج ترديد الشعار
وأخيراً نلخص هنا عدد من النتائج التي هدف إليها السيد من ترديد هذا الشعار والتي جاءت على لسانه في مواضع وبصياغات مختلفة:
- الإعلان عن التخلّي عن ثقافة السكوت؛ باعتبار أن سكوتَنا هو من يعطى الفاعلية لكل الذي حصل على يدى علماء السوء وسلاطين الجور في الانحراف بقيم الدين وأهدافه، كما أن سكوتنا على ما يفعله العدو بنا هو بمثابة تعزيز في نفوس أبناء الإسْلَام الهزيمة والاحباط والشعور باليأس والضعة واستساغة الذل والخنوع.
- الهدف الثاني أن الصرخة ستكونُ من شأنها تنمية روح السخط عليهم في نفوس أبناء الأُمَّـة أعمالاً لتوجهات القُـرْآن أن نحمل روح عداوة شديدة في نفوسنا نحوهم، وهذا ما هم حريصون على أن لا يكون ويعملون بكل جِدٍّ على أن تظلَّ صورتهم عندنا صورةً جميلة، صورة الإنْسَان الراقي والخير المعني بشؤون الآخرين المتبنّي للأعمال الإنْسَانية.. كُلّ ذلك بهدف تمرير مؤامراتهم للنيل مننا واستغلال مقدراتنا والعبث بثقافتنا وطمس هويتنا، ويكون ذلك في جو من الاستئناس والثقة بهم، كما أنه وفي جو من الصفاء نحوهم سيسهل عليهم الاستمرار في ضربنا.
- الهدف الثالث أن الصرخةَ ستكون هي الوسيلة التي من خلالها يتم تعريه العملاء والمنافقين؛ لأن الصرخة ستثير العملاء والمنافقين وتؤثر على مكانتهم عند أعداء الأُمَّـة وسينطلق المرجفون والمنافقون من هنا وهناك فيرجفون ويثبطون، وهنا يتميز الحق من الباطل والصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق وسيغلق إلى الأبد باب الكذب والخداع لرجال الدين..
- سيكون المسلم قد أدّى واجبه نحو الله، وأرضى ضميرَه بالقيام بما يستطيع عمله في مواجهة أعداء الله.
- أننا من خلال الشعور وتبنّي المواقف المماثلة سنعمَلُ على تكوين رأي عام في أوساط المجتمعات الإسْلَامية بحمل رؤية عن قضايا الأُمَّـة يتفاعَلُ معها من خلال حمل روح العداوة الشديدة في نفوسنا نحوهم سيكونُ بمثابة الحصن الحصين لقيمنا وثقافتنا من اختراقات العدو ومن خلال حمل هذه الروح سنكون في موقف يسمحُ لنا ببناء الذات وإعداد العدة للمواجهة في شتى المجلات، فبدون هذه الروح سنظلُّ نعيشُ الضعفَ والاستكانةَ ونعيشُ حالة العجز والتبعية لهم.
ونود الإشارة إلى أن بعض الجمل وإن كانت لم تظهر في كلام السيد بصورة صريحة إلّا أنها جاءت في كلامه بصورة ضمنية.
وفقنا الله وإياكم لما يرضاه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*أستاذ القانون المدني بكلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء
عميد ورئيس جامعة سابق