المال.. يشكل المحك الرئيسي في قضية الإيمان
في سياق حديث الشهيد القائد -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- عن الإنفاق، (ملزمة: وأنفقوا في سبيل الله) أكد لنا قاطعاً بأن الإنسانَ البخيلَ ليس بمؤمن؛ لأن صفات المؤمنين الذين يدخلون الجنة كما ذكرها القُـرْآن لا تنطبق عليه، فالبخيل إذا قيل له: [إنطلق إلى أعمال صالحة، لا يتحرك، وإلى مشروع خيري يحتاج إلى إسهام فيه، لا يمد يده، لدينا فقراء، نحتاج إلى التعاون معهم، لتزويجهم، لمعالجتهم، لا يمد يده، لدينا طلاب مجاميع من أبنائنا نريد أن نعلمهم، لا يمد يده، لدينا أعمال لمحاربة أعداء الله تحتاج إلى جهدك إلى مالك، لا يمد يده، وعندما تسأله: هل أنت مؤمن؟ يقول: الحمد لله مؤمن إن شاء الله أننا سندخل الجنة!!].
الجنة تحتاج منا إلى عمل لندخلها:ــ
مذكراً -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- بقوله تعالى: [{وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}الجنة تحتاج إلى عمل، العمل هو بيدك، بلسانك، بقلمك، بمالك، بجهدك، وبما هو أرقى من ذلك، بكل مالك، وبروحك، بدمك {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}الجنة التي نحن نُمنِّي أنفسنا بها، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون جميعاً من أهلها، الله قال عنها{وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}].
مؤكداً أن أعمالَنا الخاصّةَ التي من وراءها نجني أموالاً ومصالحَ خَاصَّـة ليست هي المقصودة بقوله تعالى: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}، هذه ليست في الغالب هي أعمال أهل الجنة، وما أحوجنا للأعمال الصالحة، لكل مثقال ذرة من عمل صالح يوم الوقوف بين يديه سبحانه.
المالُ مهمُّ جِـدًّا من أجل إعلاء كلمة الله:ــ
واستشهد -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- بقوله تعالى: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} ليُدلِّلَ لنا على أهمية الإنفاق في سبيل الله حيث أن أول حسرة تصدر من الإنسان وهو على فراش الموت، هي أنه يطلب من الله سبحانه أن يؤخر قبض روحه من أجل ماذا؟؟ من أجل أن يتصدق، ينفق في سبيل الله كما جاء في الآية، لم يطلب أن تعطى له فرصة أخيرة لأجل أن يصوم، أَوْ يزكي، أَوْ يحج، أَوْ… إلخ بل طلب أن يُعطى فرصة أخيرة ليتصدق، لينفق في سبيل الله..
سورة كاملة تتحدث عن الجانب المالي:ــ
وفي ذات السياق نبّهنا -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- إلى سورة كاملة تتحدث عن الجانب المالي، وهي سورة (الليل) وأن اللهَ ابتدأها بالقسَم بثلاثة أيْمَان، وهو أصدقُ القائلين، فأقسَمَ اللهُ سبحانه على ماذا؟ قال الشهيد القائد -رِضْـوَانُ اللهِ عَلَيْـهِ- مجيباً: [{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} (الليل:1-3) ثلاثة أيمان، أليست ثلاثة أيمَان؟ من الذي يُقْسِم هنا، من الذي يقسم؟ هو الله، لماذا يقسم؟، أليس هو أصدق القائلين؟.
في الواقع إن قضية المال بالنسبة لنا، لو يحلف عشرة أيمَان ما يهتز لواحد راس، يؤكد بثلاثة أيمان، وهو أصدق القائلين، وهو من لا يحتاج إلى أن يقسم {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} أقسم بكل مخلوقاته {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}(الليل:4) عملكم في هذه الدنيا مختلف متنوع، وكل عمل له غاية، وكل سائر على طريق له نهاية، إما إلى الجنة وإما إلى النار {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} (الليل:5) أعطى ماذا؟ أليس هذا حديثاً عن المال؟ بعد أن ذكر أن أعمالنا مختلفة، وتحدث من بداية العمل إلى غايته، ابتدأ في الحديث عن المال {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} أعطى ماله واتقى الله، أعطى في سبيل الله ابتغاء وجه الله]، مشيراً إلى أن الله سبحانه وتعالى قدّم الجانب المالي، في كلمة (أعطى) على كلمة (واتقى) ليكشف لنا أهميةَ العطاء في تحقيق التقوى.